2024-12-25 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

حامي المذهب ومن قال النصـر للشيعـة!!

ياسر الزعاترة
جو 24 : تكاثرت في الآونة الأخيرة أخبار الجنرال الإيراني قاسم سليماني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري) على نحو غير مسبوق على الإطلاق، رغم أن أهمية الرجل ليست بنت العامين الأخيرين، بل هو من أكثر الشخصيات تأثيرا في الشرق الأوسط منذ سنوات بعيدة.
في واحدة من الأناشيد التي تنتشر في “يوتيوب” وتمتدح الجنرال، تقول الكلمات: “أمانة المذهب بإيده .. لأنَّ من الله تسديده .. سليماني .. رجل مشهود.. عزم بارود .. قال النصر للشيعة .. سليماني”. وقبل يومين لم يجد قائد عسكري إيراني حرجا في القول إن “العراقيين ينشدون في الثناء على سليماني”.
والحال أن مسمّى قائد فيلق القدس لم يكن يعبر يوما عن طبيعة المهمات التي يطلع بها الجنرال سليماني الذي لم يكن قبل العامين الأخيرين معروفا سوى لأوساط قليلة، فالرجل في واقع الحال ليس قائد فيلق (موجود بالاسم ولا مهمات له)، بل هو مسؤول العلاقات الخارجية السرية لإيران، بمعنى أنه يدير مشروع التمدد الإيراني في العالم بأسره، وليس في المنطقة العربية وحدها، وهذا هو سر الأنشودة التي عكست الحقيقة بقولها إن مصير “المذهب بيده”؛ بعد تحويل العامية إلى فصحى.
يمكن القول إن إدارة سليماني للحرب في سوريا كانت مرحلة مهمة بالنسبة لسليماني، فبعد أن ترنح النظام السوري أمام ضربات الثوار عام 2012 وبداية 2013، أمسك سليماني بالملف كاملا، وحشد المليشيات الشيعية من الخارج، وأدخل حزب الله في المعركة، وبدأ يدرب المليشيات العلوية، والنتيجة أنه أصبح الرجل الأهم في المعركة؛ أكثر بكثير من بشار الأسد نفسه، لكن ذلك بقي في الإطار غير المعلن تماما.
وحين سيطر تنظيم الدولة على الموصل، في مفاجأة لم تكن متوقعة، وتبعا لها مناطق أخرى، تدخل سليماني بنفسه، وهذه المرة بشكل معلن، إذ لم يمانع الرجل الغامض، أو رجل المهمات السرية في أن تظهر صوره وهو يدير المعارك بنفسه، بل يجري الحديث عن ذلك بشكل مباشر. ثم توالت بعد ذلك التقارير والصور في الوكالات والصحف الأجنبية عن دوره.
قبل ذلك؛ كان نشاطه سريا، لكن الأوساط السياسية كانت تعرف الحقيقة، ولم يتردد مقتدى الصدر ذات مرة، وفي معرض تنفيس غضبه على المالكي في القول إن سليماني هو الحاكم الفعلي للعراق.
من لبنان إلى العراق إلى سوريا واليمن، وصولا إلى البحرين والسعودية وحتى أفغانستان، وكل مكان يتواجد فيه شيعة، يحضر سليماني بقوة، وهو ذاته كان مسؤول العلاقة مع حماس والجهاد الإسلامي، قبل أن تسوء العلاقة مع حماس بسبب الموقف من سوريا.
وفي حين كان الشعار المعلن لمشروع سليماني في السابق هو المقاومة والممانعة، ومواجهة الاستكبار، فإن الوضع اليوم يبدو مختلفا، وقد قلنا منذ العام الماضي إن المشروع سيتحوَّل من شعار المقاومة والممانعة، إلى رعاية المذهب والحديث باسمه، واستخدام أتباعه.
ولمزيد من التدقيق في حقيقة المشهد الذي يديره سليماني هذه الأيام، فإن الأمر بات أكثر صعوبة وتعقيدا مما كان عليه في السابق، فالرجل يواجه نزيفا رهيبا في سوريا، وها هو يواجه معركة مضنية في العراق أيضا، أما في اليمن فإن كلفة الحفاظ على انتصار الحوثيين ستكون باهظة أيضا، ونزيفهم سيتواصل بيد القاعدة وسواها، ما لم يغيروا نهجهم، وهو ما يُستبعد في واقع الحال.
ويزداد المشهد تعقيدا حين نعلم أن المعركة بالنسبة للمحافظين الذين يُعتبر سليماني أهم رموزهم هي معركة وجود، ذلك أن الفشل في المعارك الدائرة حاليا، ونهاية المشروع الإيراني (الحالم جدا) إلى نهاية طبيعية بأن تحصل إيران على حصتها في المنطقة دون تغول على الآخرين، سيعني أن ما صُرف عمليا، وهو رهيب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وألقى بظلاله على حياة الإيرانيين، قد انتهى إلى لا شيء عمليا، الأمر الذي سيصبُّ دون شك في صالح الإصلاحيين الذين رفضوا ويرفضون هذا النهج.
من الضروي القول إن تداعيات تحول إيران إلى دولة راعية للمذهب الشيعي، وسليماني إلى ملهم يعلن بلسان الحال أن “النصر للشيعة”، فهذا يعني تدميرا لحالة التعايش في المنطقة، ورفعا لأسهم الجهاديين السنّة، وفي مقدمتهم تنظيم الدولة، لأن هيمنة سليماني في العراق وسوريا ولبنان واليمن (كل ذلك إلى حين)، لا ينفي أن وجود أقليات شيعية في دول كثيرة، ستتكون في حالة تناقض مع مجتمعاتها أيضا، وبالطبع بسبب اعتبارها أن سليماني هو مرجعها العملي، وإن لم تعلن ذلك.
إنه مشروع عبثي يدمِّر التعايش في المنطقة، وذلك بعد أن ساهم في تدمير الربيع العربي من خلال توجيه ضربة قاسية لمسيرة نجاحه في سوريا (التقى في ذلك مع أنظمة الثورة المضادة العربية)، وهو الربيع الذي كان يبشر بدولة مواطنة تساوي بين الناس في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم. وهو (أي المشروع الإيراني) مشروع عبثي لأنه يساهم في استنزاف إيران، ومعها يستنزف الأمة جمعاء في صراع لن يستفيد منه سوى العدو الصهيوني، ولو عاد قادتها (المحافظون الذي يمسكون بالملف الخارجي) إلى رشدهم لكان بالإمكان التفاهم على سبيل لتعايش محاور المنطقة الثلاث (العرب، تركيا وإيران) على قواسم مشتركة تخدم الجميع.
ربما سيحدث ذلك يوما ما، لكن الأحلام المجنونة ستجعله بعيدا، وستجعل الكلفة أكبر بكثير، إذ يعلم الجميع أن الحروب الطائفية والمذهبية هي أكثر الحروب قسوة ودموية في التاريخ.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير