النص الكامل للمقابلة ..د. البخيت: الاخوان يتحملون مسؤولية تاريخية.. ومراكز قوى عملت ضدي
اجرى الحوار باسل العكور - رغم التعقيدات التي تحكم العلاقة بين مراكز القوى واللوبيات والاحزاب والقوى السياسية بعضها ببعض في دول العالم المتقدم ، فان الثابت الوحيد لديهم ان الصراع بين الساسة يحسمه الصندوق او بالاحرى الجمهور"الفوز بالجموع الغفيرة " . في دولنا الحالة مختلفة تماما ، فارادة صانع القرار تحسم كل الصراعات وتنهيها كما تحب وتشتهي . وبطبيعة الحال لا تخضع هذه العملية عادة لاي منطق في الدنيا او اي نسق يمكن ان نبني عليه قناعة وموقف. ففي كل مرة يحسم هذا الصراع او ذاك بشكل وطريقة مختلفتين ،فلا يمكنك ان تتوقع النتيجة مهما بلغت من معرفة في علم التنجيم والتنبؤات ..
المهم ان بعض الساسة في بلادنا يعرفون من اين تؤكل الكتف فيذهبون مباشرة الى مصدر القوة والسلطة والنفوذ ويستمرون في التحليق حول ذلك الضوء الساطع كالفراش المبثوث حتى يحرقهم نوره ، في حين يفكر البعض الاخر مليا - وهم قلة قليلة - قبل ان ينحازوا ويصطفوا فيخسروا انفسهم قبل ان يخسروا اهلهم وناسهم. وهؤلاء يحاولون المزاوجة بين رغبات اصحاب القرار وتوجهات الرأي العام ،وهذه قد تنجح ،ونظنها نجحت فعلا في حالة رئيس الوزراء الاسبق د.معروف البخيت..
يعد العين البخيت - وهو الشخصية السياسية المرموقة الثانية التي التقتها jo24 واجرت معها حوارا موسعا - واحدا من رجالات الدولة الذين ظلوا على تماس مباشر بقيم ومبادئ واخلاق الرعيل الاول من البناة ، ورغم ما سجل من ملاحظات على اجتهاداته وقراراته وسياساته وادارته لشؤون الدولة ، الا انه بالمجمل خرج بسمعة طيبة وقناعة راسخة لدى الاردنيين بان هذا الرجل لم يسرق كما سرق السارقون ، ولم يعتدِ على المال العام ولم يستغل وظيفته ولم يفسدْ ولم ينتهك حقوق الناس ولم يصادر فرصهم كما يفعل غيره الان …
العين معروف البخيت بخلفيته العسكرية وخبرته الطويلة في الجيش ، خاض المعترك السياسي بكل مهارة واقتدار، وادار معاركه بحنكة ورشد، لم يستعدِ احد ، ولم يدخل في مواجهة مفتوحة مع اي جهة او طرف ، يفكر ببعد نظر ويهتم فقط بالوصول الى الغاية والهدف باقل الخسائر والاثمان . تحالفاته ومصادر قوته محلية داخلية..مسكون بهاجس حماية الطبقة الوسطى والمحافظة عليها ، مدافع عنيد عن فكرة العدالة الاجتماعية وضرورة ان لا يترك المجال لاصحاب الفكر الليبرالي المتوحش ليحكموا البلد وينهوا وجود الدولة ودورها . منحاز للجيش والعسكر والمتقاعدين ولكنه في نفس الوقت يعتقد بان الجميع بغض النظر عن وظائفهم وادوارهم شاركوا في البناء والنهضة . هو واحد من المدافعين عن هوية الدولة وكيانها وتوازناتها ،رافض للحلول التصفوية للقضية الفلسطينية متمسك بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بالعودة والتعويض .. رجل دولة لديه وجهة نظر في كل ما يدور حولنا من قضايا واحداث ومستجدات …
"داعش هي النسخة الاكثر دموية من تنظيم القاعدة"
كلما تحدثنا عن مشاركة الاردن في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش يطرح سؤال الجدوى ومبررات اقحامنا في هذا النزاع وتوريطنا في هذه الازمة المعتقدة. الخبير العسكري معروف البخيت وكما كان يتوقع منه قال وهو يجيبنا على هذا التساؤل :الحرب ضد داعش هي حربنا ..
وقال موضحا " في عام 2005 كنت مديرا للأمن الوطني، قبل تفجيرات عمان ، علمنا بوجود خطر فأغلقنا حدودنا وشددنا الاجراءآت الامنية ، ومع ذلك وقعت التفجيرات في ثلاثة فنادق في العاصمة عمان".
واضاف "ولذلك قررنا حينها انه إذا علمنا بوجود مخطط لاستهدافنا من خارج المملكة، فاننا سنقوم ودون تردد باستهداف هذا الخطر وانهائه في مكانه ومصدره قبل أن يصلنا، هذا أمر لا بدّ منه، وكانت هذه استراتيجية اتبعناها بعيد تفجيرات عمان" .
البخيت اكد بحزم ان داعش هي نسخة اكثر دموية من تنظيم القاعدة ولذلك لا بد ان يختلف تعاطينا مع هذا الملف " في حالة داعش هناك مخطط لاستهدافنا، وقام قادة التنظيم بتهديدنا بشكل مباشر وعلني، التنظيم يستهدفنا، لذلك لا بد من المشاركة في الحرب على تنظيم داعش، وهذه حربنا، وهي ليست المرة الأولى التي نشارك فيها في الحرب ضد الارهاب، في 2003 شاركنا وفي 2005 شاركنا" .
و لكنه استدرك قائلا " لكنني في نفس الوقت لا اتصور ان التدخل البري ملائم، وذلك للأسباب التالية:
اولا: نحن منتشرون على الحدود، وهذا يعتبر اغلاقا ومنعا للتسلل، وهو هجوم تعرضي يساهم في تثبيت العدو، وهذا دور مهم وحيوي.
ثانيا: لا العراق ولا سوريا تريدان تدخل قوات عربية لمواجهة خطر داعش.
ثالثا: هذه ليست حربا تقليدية، ليست حرب جيوش، هي أقرب لكونها حرب عصابات وشوارع، لذلك فأهل البلد سواء في العراق او سوريا أدرى بشعابها وآليات مواجهة هذا الخطر.
رابعا : هذه الحرب ليس لها أهداف مباشرة في فتح مدينة أو تحرير منطقة جغرافية معينة؛ لذلك علينا ان نكتفي بموضوع الضرب الجوي والتعاون الاستخباري.
"الدول العربية تدفع الكلفة مرتين ،الاولى عند تجنيد الشباب والثانية عند محاربتهم"
اما عن نشأة التنظيم والاطراف التي مولت وغذت التنظيم فكان للبخيت اجابة واضحة ،حيث افاد بان "داعش بلا شك هي صناعة استخباراتية، وهناك مجموعة من الدول كان لها مصلحة مباشرة في خلق هذا التنظيم المتشدد ، في المنطقة هناك خطأ كارثي في التحالفات وفهم الارهاب، في السابق تعاونت كل من السعودية وامريكا في موضوع تجنيد الشباب السلفي لمواجهة الاتحاد السوفييتي في افغانستان، وقاما بالاتكاء على الاسلام كعقيدة لاستقطاب الشباب السلفي وتجنيدهم في حرب ليست حربهم، عندما انسحب الاتحاد السوفييتي من افغانستان، عاد هؤلاء الشباب قنابل موقوتة إلى بلادهم، وبعضهم لم يعد أصلا، وهؤلاء كانوا النواة التي أسست تنظيم القاعدة.
البخيت كشف ان " الدول العربية تدفع الكلف مرتين، الأولى عند تجنيد الشباب وتجهيزهم بالعدة والعتاد وتغذيتهم بهذه الافكار المتشددة (عمل غسيل دماغ لهم) ، والثانية عند محاربة خطرهم المتعاظم، وذلك بعد ان تزداد هذه الجماعات قوة وتشب عن الطوق وترفض تلقي الإملاءات.
البخيت اضاف قائلا " داعش أنشئت في البداية لإضعاف النظام السوري ومواجهة بشار الأسد، وكان في التنظيم عدد لا بأس به من الأجانب، كيف وصل هؤلاء إلى التنظيم لو كان محاصرا ومصنفا منذ البداية على انه خطر. الأجانب جاؤوا عن طريق تركيا، وتركيا هي عضو في الناتو، ثم من أين جاءت هذه الأسلحة الحديثة والسيارات والآليات ، التمويل واضح والتسليح واضح، ولكن يبدو ان داعش تجاوزت الأهداف المرسومة لها، وبات وجودها يشكل خطرا على الجميع" .
ولخص البخيت المشهد بقوله "إذن، وللمرة الثانية على التوالي نقع في ذات الخطأ، لم نفهم ظاهرة الارهاب وها نحن نصبح الضحية والأدوات، نتيجة الفهم الخاطئ ،الحرب على داعش هي حرب حقيقية، وستستمر لسنوات؛ فحتى لو سقط التنظيم عسكريا فلا بد من تبني معالجات فكرية لتجاوز هذا الفكر المتشدد وانهاء أثره" .
" ..ونحن لا بد ان نتوحد لمواجهة داعش "
اما عن خطر التنظيم على الاردن بين البخيت " انه للحفاظ على الأردن في ظل هذا التخبط والاصطفاف في المنطقة لا بدّ لنا من المشاركة في الحرب، هناك أشياء مقلقة داخليا، لكن علينا أن نحيّد خلافاتنا ونقف رديفا لجيشنا وقواتنا المسلحة، وكنت قد دعوت لإطلاق تيار شعبي داعم للدولة في هذا الظرف الصعب الذي لا بدّ فيه أن نتوحد ونتكاتف لمواجهة هذا الخطر الخارجي".
واضاف البخيت حول خطر داعش على بلادنا " أمنيا وعسكريا لست قلقا على الإطلاق، هجوم "زحف" برّي لن يحدث؛ طبيعة الطبوغرافيا صعبة جدا، فأقرب تجمع سكاني بين العراق والأردن، يفصلهما 200 كم على أقل تقدير، المسافة بعيدة والهجوم عبرها ليس سهلا وستكون فيه قوات وآليات العدو مكشوفة لسلاح الجوّ وللقوات المسلحة المرابطة على الحدود، إلى جانب ان الزحف البري يحتاج أعدادا كبيرة من القوات البرية وأعدادا كبيرة أخرى من الذين يزودون التنظيم بالسلاح والوقود والخدمات اللوجستية، وهذه مسائل تحتاج الى خبرات عسكرية ومؤسسية ضرورية لخوض معركة برية واسعة النطاق وممتدة في أراض مفتوحة ومكشوفة، إلى جانب ان استخدام سلاح المدفعية والدبابات يحتاج لمهارات وقدرات عسكرية غير متوفرة ونادرة".
"علينا تحصين العشائر الحدودية.."
البخيت وضح ان مصدر الخطر ليس خارجيا ، فالخشية باعتقاده من تسلل الفكرة وانتقالها الى بيئات لديها القابلية لامتصاصها والايمان بها ، وهذا هو مصدر الخطر الحقيقي ، لذلك حاول البخيت ان يلفت نظر السلطة للعشائر الطرفية حيث قال " وهنا لا بد من تحصين العشائر الطرفية التي تقطن في المناطق المتاخمة للحدود مع سوريا والعراق، وذلك منعا لحدوث اختراقات، وخاصة ان نسبة البطالة في هذه العشائر مرتفعة جدا.. لا أبالغ لو قلت انها تصل 60-70% ، وهذه العشائر تضررت بشكل مباشر من انتشار القوات المسلحة على الحدود، لأن بعض شبابها كان يشتغل في تهريب البضائع البسيطة للتجارة المحلية.لا بدّ من المسارعة بالاهتمام في هذه العشائر وتوعيتهم والتواصل معهم بشكل دائم" .
ولكن لحسن الحظ ولغاية اللحظة اكد البخيت ان لدينا غضبا داعشيا -فكر متشدد ومتطرف- ولكن لا يوجد لدينا تنظيم وهذا أمر يحتاج إلى كثير من العمل لتفريغه وتصريفه وانهائه.
"..هناك تأثير واضح للقطاع الخاص على التعليم العالي ، واليوم لهم الغلبة "..
الدكتور البخيت حاول ان يرسم خارطة طريق لمواجهة هذا الخطر ، ولسان حاله يقول ان تحصين الجبهة الداخلية هو الوسيلة الانجع لمواجهة اي خطر يأتينا من الخارج .
البخيت اكد ان هناك مجموعة من الخطوات يجب أن تتبناها الحكومة فورا لمواجهة هذا الخطر:
"أولا: يجب ان يركز خطاب الدولة على الهوية الأردنية الجامعة الموحدة، وتجاوز كافة التعابير المناطقية والجهوية والطائفية والهويات الفرعية.
ثانيا: لا اؤمن بأن النهج الذي تتبعه الحكومات في تنمية المحافظات كافيا، فالاقتصار على تبني دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لا يكفي لإحداث الأثر التنموي المطلوب. المطلوب خطة إنقاذية مبتكرة وشاملة والهدف الرئيس منها خلق فرص عمل بالجملة للشباب والمتعطلين عن العمل في مختلف المحافظات.
كنت اقترحت في وقت سابق تأسيس تعاونيات في مختلف محافظات ومناطق المملكة (قرى-بوادي) واقترحت أن نقوم بضخ أموال في هذه المناطق من النفقات الرأسمالية، ونقوم من خلالها بتوزيع أراضي على الشباب ونساعدهم بتأمين أدوات الانتاج، وذلك شريطة ان يعملوا بأنفسهم في هذه المشاريع وأن لا يستعينوا بالعمالة الوافدة، وعلى هذه المشاريع أن تركز على الصناعات الغذائية وصناعة الأعلاف والحبوب وتربية المواشي، وذلك حسب موقع هذه الأراضي ودرجة خصوبتها، وبذلك نوفّر فرص عمل فورية وسريعة لجميع الشباب.
ثالثا: في هذا الوقت نحن بأشد الحاجة للتركيز على رسالة عمان وسماحة الدين الاسلامي، وعليه لا بد من تجديد المؤسسات الدينية لتحسين أدائها وخطابها، لتلعب دورا أكبر في مواجهة الفكر التكفيري.
رابعا: أما عن التعليم العالي فإننا لم نطوّر به أي شيء، وهناك تأثير واضح للقطاع الخاص، واليوم لهم الغلبة.
خامسا: أمام عن الاصلاح السياسي، فجميعنا يؤمن برؤية الملك في الاصلاح المتدرج التراكمي العقلاني، و أن ما قاله الملك مؤخرا "ان الاوضاع الاقليمية لن تكون ذريعة لوقف الاصلاحات" هي مؤشر على جديتنا في الوصول إلى اصلاح سياسي حقيقي.
وفي هذا السياق قلت في عام 2006 في مؤتمر شباب كلنا الاردن ان التحدي الرئيس الذي يواجهنا هو تداول السلطة، حيث يعد تداول السلطة هو هدف التنمية السياسية، وللوصول إلى هذه الحالة المثالية، أمامنا تحديات واسئلة ومعيقات لا بد ان نجيب عليها ونتجاوزها قبل ان نقرر المدة التي نحتاج للوصول الى الاصلاح السياسي. وقمت في ذلك الوقت بوضع خارطة طريق ووضعت أهدافا ومددا زمنية لتحقيق هذه الاهداف، وقلت اننا لا بد ان نمر بمرحلتين وذلك يحتاجنا الى ثلاثين عاما تقريبا (20+10). هناك من استغرب وهناك من تهجم وهناك من تهكم ولكننا نقول ان التنمية التي نريد هي تنمية أفقية حقيقية، فلا يمكننا ان نقوم باستيراد قانون انتخاب او قانون احزاب ونمليه على الناس ونفرضه بشكل عامودي ونقول اننا وصلنا الى الاصلاح وتداول السلطة.
الامم الاخرى خاضت حروبا وصراعات دموية للوصول الى الصيغة الأنسب لهم، ونحن لا نستطيع أن نحرق المراحل ونقفز على هذه المحطات المهمة دون أن يتطلب ذلك وقتا وجهدا كبيرين من كافة الجهات والاطراف من مؤسسات المجتمع المدني والاعلام والحكومة والمؤسسات الامنية التي لها دور مهم في هذه المعادلة، فلا بد في مرحلة ما ان تبدأ برفع القيود عن المؤسسات والافراد تدريجيا حتى تتطور هذه الكيانات وتنمو، وبعد ذلك يتم رفع القبضة الأمنية تماما.
نحن نسير باتجاه الاصلاح بشكل تدريجي، التعديلات الدستورية هي اختراقات مهمة، الان لدينا هيئة مستقلة للانتخاب ومحكمة دستورية وتعديلات على القوانين التي تعنى بالحريات وغيرها".
كان موقف الاسلاميين واضحا "مصلحتنا أن نبقى في الشارع"
علاقة البخيت بجماعة الاخوان المسلمين مرت بإنعطافات حادة ، ويظهر من المراجعات ان السمة الغالبة على هذه العلاقة هي التوتر والشحناء والضغناء واحيانا كثيرة المواجهة المباشرة .
البخيت قال عند سؤاله عن هذه الجزئية " نعم، هددت وأنا رئيسا للوزراء بحلّ جماعة الاخوان المسلمين، فهي جمعية رُخّصت بقرار من مجلس الوزراء ويستطيع المجلس سحب الرخصة ولكن في ذلك الوقت كان هناك قيادات تاريخية واعية حالت دون تفاقم الأزمة بين الحكومة والاخوان وجرى احتواء الموقف وللاسف في هذه الايام تغيب القيادات التاريخية ويحل محلها عنصر التشدد الديني حد الوصول إلى تكفير الاخر".
ومع ذلك اكد البخيت انه اراد ان يطوي هذه الصفحة وان يشرك الاخوان في العملية السياسية بدل التمترس في الشارع والانكفاء ورفض المشاركة حيث بين بالتفصيل حيثيات ما دار من نقاشات ابان حكومته الثانية وبعد تشكلها مع قيادات الحركة الاسلامية حيث قال :" في بداية تشكيل حكومتي الثانية عرضت عليهم المشاركة في الحكومة دون تحديد عدد الحقائب الوزارية، إلا أنهم رفضوا المشاركة رسميا، هناك بعض الأشخاص تسللوا وأبدوا رغبتهم بتولي حقائب في الحكومة إلا أني رفضت وطلبت منهم تفويضا من مجلس الشورى.
في فترة ولايتي الثانية ايضا اجتمعت بهم أكثر من غيرهم وذلك للاستماع لهم والتعرف على مطالبهم و برامجهم ومقترحاتهم الاصلاحية ومناقشتهم بالصيغ المقدمة من الحكومة، إلا أننا لم نصل إلى أي نتيجة رغم اننا كنا مستعدون للتعاون معهم إلى أبعد الحدود، والسبب كما قال لي أحدهم –دون ذكر اسمه- "مصلحتنا أن نبقى في الشارع".
احمل الاخوان المسؤولية التاريخية لرفضهم قانون الانتخاب الذي اقترحته حكومتي (3+1) ،فلو قبلوه لتغيرت ديناميكيات الأحداث، وربما خرجنا من الربيع العربي وقد حققنا ما نريد وأكثر.
علاقتي بالإخوان شهدت أزمات كثيرة ومختلفة، حتى أن بعضهم يعتبرني خصما ومعاديا للإخوان".
"لا ابعاد سياسية لاعتقال بني ارشيد"
في موضوع الاعتقالات السياسية لم يجب البخيت بشكل مباشر عن الاستفسار واكتفى بالتعليق على قضية اعتقال القيادي البارز في الحركة الاسلامية زكي بني ارشيد ، حيث قال : "اعتقال بني رشيد لا يحمل اي ابعاد سياسية مباشرة ،هي قضية قانونية منفصلة، ولا أظن انها تعني ان هناك تصعيدا قادما ضد الاخوان في الأردن، ولكن الأمر يعتمد على موقف البقية وردود فعلهم، فإن استمروا بالاستفزاز فإنهم ينوون أن يلعبوا دور الضحية. على كل حال تاريخ العلاقة بين الأردن الرسمي والاخوان معروف ، حيث مرت العلاقة بمحطات ومراحل مختلفة ودائما كان هناك شعرة لا تنقطع" .
اما عن جمعية المركز الاسلامي فاعترف البخيت بانه سحبها او "انتزعها" من الاخوان ، حيث قال :"نعم سحبت الجمعية من الجماعة لأننا وجدنا فيها فسادا، وتم اتهام أحد القيادات بتورطه بالكثير من التجاوزات المالية والادارية،وقمنا بوضع اليد على الجمعية واخضعناها للرقابة والاشراف" .
"لم التق الملك مؤخرا .. ولكن وسائل التواصل معه كثيرة ومتاحة"
البخيت الذي كان من الحلقة الاولى المحيطة بالملك في السنوات الماضية ، اكد "ان التحديات الاقليمية الجسام التي واجهتنا في عهد الملك عبدالله الثاني هي الاخطر والاصعب على الاطلاق ،وتطلب ذلك منا افرادا ومؤسسات امنية جهدا استثنائيا لفهمه وتفكيكه والتعاطي معه " ، واضاف ان هذه التجارب اغنت خبرة الملك وأصبح لديه بعد هذه السنوات معرفة تراكمية في ادارة المراحل الصعبة، " والملك اليوم هو أقدر على مواجهة الأزمات والابحار بنا في هذا المحيط المتلاطم، لقد استطاع الملك في الآونة الأخيرة أن يجنبنا كثيرا من المخاطر والمصاعب" .
وعند سؤاله عما يشغل الملك في الاونة الاخيرة فاجابنا "حتما موضوع القدس " ، وتوقف عند هذا الجملة ، فما كان منا الا ان طلبنا تفاصيل اكثر و بعض المحاور الاخرى الا انه استوقفنا قائلا :" اللقاءات مع جلالة الملك في الآونة الاخيرة قلّت، لانشغاله الدائم وارتباطاته الكثيرة وازدحام جدول أعماله، وظروف ذاتية وموضوعية لها علاقة بالأزمات والتجاذبات المحلية والتي تستعر في المنطقة وانهماك الملك في تفاصيلها اليومية. ومع ذلك، ورغم ان هذا له حيثياته، إلا أن وسائل التواصل مع الملك كثيرة ومتاحة للجميع"……
اللاجئون السوريون مسؤولية الامم المتحدة
لم ننجح في اثارة البخيت ودفعه للرد على بعض المواقف والسياسات الحكومية ، كما اننا لم ننجح في تأليبه على خصومه السياسيين ، فهو دائم السيطرة على نفسه وردود فعله ،حتى اننا قلنا ، هل انتم - اي رؤساء الوزراء وكبار رجال الدولة - اعضاء في حزب سياسي واحد لا ينتقد فيه احدكم الاخر علانية ؟ ما هي القصة يا دكتور ؟ وبعد كل هذا اجابنا البخيت بكل هدوء : " هذا ليس صحيحا ، انتقدت الالية التي تعاملت بها الحكومة مع موضوع اللاجئين السوريين؟!!! "..
"كان لي موقف واضح تجاه ملف اللاجئين السوريين، كنت منذ بدايات الأزمة مع وقف هذا التدفق الهائل من اللاجئين إلى الحدود الأردنية، وطلبت مهلة لالتقاط الأنفاس والتفكير بالأمر، وطالبت الحكومة أكثر من مرة بالتروي والتريث في الموضوع. كان على الحكومة ان تطالب المجتمع الدولي بإنشاء محميات انسانية في الأراضي السورية،
اللاجئون هم مسؤولية مجلس الامن ولا بد ان تتدخل الامم المتحدة في هذا الملف، لسنا قادرين على استقبال المزيد من اللاجئين."..
عن الازمة السورية كشف البخيت عن تفاصيل جديدة لها علاقة بمبادرتين قدمتا من الاردن لانهاء الازمة السورية ، حيث قال البخيت :" قلت من البداية ان الحل في سوريا منذ اليوم الاول لن يكون الا سياسيا، تقدمنا للسوريين بمبادرة باركها الملك مطلع العام 2012، وقلنا انها رسالة من الشعب الاردني الى الشعب السوري، تتضمن مقترحات لوقف ازهاق مزيد من الارواح وعودة الامن والسلام والوئام للشقيقة سوريا، إلا أن الجانب السوري كان متحفظا ولم يتجاوب مع هذه المبادرة.
وفي النصف الثاني من عام 2013 قمنا بتجديد المبادرة واضفنا عليها بعض المحاور المتعلقة بالكيماوي، وذلك لتجنب الضربة العسكرية التي كانت تتهدد الدولة السورية ، ومع ذلك لم يتجاوب النظام السوري".
"اسرائيل خطر على السلم العالمي والدولي"
معروف البخيت ليس مجرّد رئيس وزراء أسبق، فهو سياسي محنّك وخبير قادر على قراءة التطورات في المنطقة بشكل دقيق.
يرى الرئيس الأسبق ان "علاقة الأردن مع اسرائيل في أسوأ حالاتها، وربما كانت الزيارة الملكية إلى واشنطن ستبحث ملف الاعتداءات والتجاوزات والانتهاكات الأخيرة والخطيرة التي تشهدها القدس والضفة الغربية؛ فإسرائيل تحاول استغلال التهاوي والضعف والتشرذم والانقسام العربي، وتحاول تنفيذ خططها ومشاريعها في وقت لا يستطيع أحد أن يردعها".
ويؤكد البخيت على ان "استمراء اسرائيل تلك السياسات يعني ان مستقبلهم على كفّ عفريت؛ لأنهم سيتسببون بإشعال حرب دينية لا تبقي ولا تذر"، مشددا في ذات السياق على أن " اسرائيل خطر على السلم العالمي والدولي، وعلى العالم ان يتحرك لكبح جماح نتنياهو".
عبارة النسور.. "هفوة الرجل المجرّب"
لعل واحدة من المشاهد المتكررة في مناقشات أعضاء مجلس النواب الحالي لرئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور، تذكيرهم إياه بعبارته الشهيرة التي خاطب بها البخيت إبان رئاسة الأخير للحكومة بالقول "كن أمامهم ولا تكن خلفهم"، ويبدو أن البخيت لم ينسَ ذلك الخطاب..
يقول رئيس الوزراء الأسبق: "في إحدى المرات التي التقيت بها عبدالله النسور تذكرت تلك العبارة وذكّرته بها، لكني كنت قد اعتبرتها هفوة من رجل مجرّب".
"الليبرالية المتوحشة.."
البخيت عُرف على الدوام بعدم توافقه مع الليبراليين الذين يسعون لتنصل الدولة من دورها الاجتماعي بشكل كامل، ولا يجد حرجا في وصفهم "بالليبرالية المتوحشة"، ويؤكد: "أنا من مؤيدي العدالة الاجتماعية وأن للدولة دورا اجتماعيا مهما، فخلفيتي من الطبقة المتوسطة".
ويستشهد البخيت على موقفه بخطاب الثقة لحكومته الثانية الذي ركّز فيه على ملف الاقتصاد الاجتماعي، مشيرا إلى أن ذلك لا يعني عودة الدولة إلى دورها الرعوي بل هو "طريق ثالث بين الرعوية واقتصاد السوق؛ فالدولة ليست للتجارة، كما أنها ليست جمعية خيرية"، وأوضح: "أنا لست ضدّ السوق الحرّ ولكنني لست مع اقتصاد السوق بشكل مجرّد".
المتقاعدون العسكريون "مطالبهم محقة ولكنهم ليسوا دائما على حق"
وحول شريحة المتقاعدين العسكريين التي ينتمي لها، قال البخيت: "المتقاعدون العسكريون هم شريحة تشعر بالتهميش، ومطالبهم محقة، ولكن ليس سليما أن نمنحهم مزيدا من الامتيازات؛ فجميع الشرائح والقطاعات ساهمت ببناء هذا البلد ويستحقون ذات الامتيازات ومزيد من الاهتمام والرعاية، مطالبهم محقة ولكنهم ليسوا دائما على حقّ".
ويؤكد البخيت على تواصله الدائم والمستمر مع المتقاعدين كافة أطيافهم، حيث التقى مؤخرا مع مجموعة من تيار الـ36 وناقشهم في كثير من الموضوعات والقضايا الهامة وقال: "اتفقت معهم على بعض القضايا واختلفنا على كثير من المحاور ".
الاستراتيجيات العابرة للحكومات
لا يخفي البخيت قلقه من غياب الاستقرار والديمومة عن السياسات العامة. ولتجاوز ذلك، يرى الرئيس الأسبق ضرورة ايجاد آلية لتبنّي استراتيجيات عابرة للحكومات وبغير ذلك سنظلّ "نتقدم خطوة للأمام ونتراجع أخرى للخلف؛ حيث لا تراكم في الخبرات والعمل".
وأضاف "الآلية الموجودة تتيح لوزير أن يلغي القرارات والاستراتيجيات التي تنبتها الحكومة السابقة، للأسف هناك بعض الحكومات تذهب باتجاه اجترار الحلول والصيغ، ومباشرة العمل من المربع الأول".
الكونفدرالية.. دولة كاملة فاستفتاء
يعي الرئيس الأسبق تماما حجم المسؤولية الملقاة على كاهل الأردن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ويؤكد على ان الشعب الأردني بكافة أطيافه ومكوناته يسعى لإقامة الدولة الفلسطينية.
هذا التماسك وهذه الوحدة بين الأردنيين، قال البخيت: "هي الجدار الذي يستند عليه الفلسطينيون لإقامة دولتهم؛ فهناك التزام أخلاقي وقانوني أردني بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقّ العودة، كما أن قرار وحدة الضفتين أكد على الحق التاريخي للفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم، إلا أن الحقّ شيء والتنفيذ شيء اخر، وتحصيل الحقوق القانونية والمالية يتطلب موقفا متماسكا وصلبا"، وحول ذلك، أشار البخيت إلى أن موقف الأردن أصلب من موقف السلطة الفلسطينية، بخاصة فيما يتعلق بملف "حقّ العودة".
الكونفدرالية بين الأردن وفلسطين شغلت الأردنيين والفلسطينيين على حدّ سواء، بخاصة في ظل تحليلات أكدت انها تأتي ضمن خطة لتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يدركه البخيت تماما ويؤكد على ان "مناقشة هذا الأمر غير ممكنة قبل اقامة دولة فلسطينية بكامل رموزها السيادية وعلى التراب الوطني الفلسطيني، ولا يجوز أن يتحقق هذا إلا بعد استفتاء الشعبين".
"مراكز قوى عملت ضدي في الكازينو"
خلال حديثه عن الملف الذي أثار جدلا واسعا في الشارع الأردني حوله، لم يكن الرئيس الأسبق متحفظا على أي سؤال فيما يتعلق بمشروع الكازينو، بل أبدى ثقة مطلقة بسلامة موقفه ونظافة حكومته وبراءتها، بما فيهم وزير السياحة أسامة الدباس، وجدد البخيت ترديد مقولته الشهيرة "إن وجدتم فائدة عادت على أي مسؤول رسمي، فاعدمونا على باب المسجد الحسيني"، مشيرا إلى ان الدولة الأردنية لم تخسر شيئا جراء ذلك المشروع.
وعبّر البخيت عن فخره واعتزازه بتأسيسه تقليدا جديدا في المساءلة والمحاسبة، "فلم أعارض طرح ملف القضية على مجلس النواب لمناقشته والتحقيق فيه"، وتمكن بذلك من "تفويت الفرصة على بعض المتصيدين في الماء العكر".
وكشف البخيت عن وجود مراكز قوى عملت ضده في هذه القضية، وجرى تضخيمها بالتزامن مع حملة اعلامية مضللة ومبرمجة.