المخدرات الرقمية (Digital Drugs)
المخدرات الرقمية أو المذهبات السمعية أو تشويش الدماغ مهما كانت التسمية فإن المعنى واحد، وهي آفة جديدة لمجتمعنا، المقصود منها تغييب العقول والخروج عن المألوف بالهروب بالعقل إلى حالة غير طبيعية تجعل مستخدميها في حالة من اللاوعي كما هو الحال تقريباً في تعاطي الحبوب المخدرة.
بدأت الفكرة بحسن نية، وكان المقصود منها العلاج، اكتشفها العالم الألماني الفيزيائي هينريش دوف عام 1839م، واستخدمت لأول مرة عام 1970م لعلاج بعض الحالات النفسية لشريحة من المصابين بالاكتئاب الخفيف في حالة المرضى الذين يرفضون العلاج السلوكي (الأدوية)، ولهذا تم العلاج عن طريق تذبذبات كهرومغناطيسية، لفرز مواد منشطة للمزاج.
واستخدمت موسيقى "المخدرات" في مستشفيات الصحة النفسية، نظراً لأن هناك خللاً ونقصاً في المادة المنشطة للمزاج لدى بعض المرضى النفسيين، ولذلك يحتاجون إلى استحداث الخلايا العصبية لإفرازها، تحت الإشراف الطبي الحديث، بحيث لا تتعدى عدة ثوانٍ، أو جزء من الثانية، على ألا تستخدم أكثر من مرتين يومياً. وتوقف العلاج بهذه الطريقة - آنذاك – نظراً لتكلفتها العالية.
يتم إعداد الملفات الصوتية بشكل مدروس لخداع الدماغ وإيهامه عن طريق بث أمواج صوتية مختلفة التردد بشكل بسيط لكل أذن على حده، ونظراً لأن هذه الأمواج غير مألوفة للدماغ ومختلفة بالتردد، يقوم الدماغ بتوحيد التردد من الأذنين للوصول إلى مستوى تردد واحد، مما يؤدي إلى وصول الدماغ إلى أن يكون غير مستقر كهربائياً، وحسب نوع الاختلاف في كهربائية الدماغ يتم الوصول لإحساس معين يحاكي إحساس أحد أنواع المخدرات أو المشاعر التي تود الوصول إليها كالنشوة.
مثلاً لو تعرضت الأذن اليمنى إلى موجة 325 هرتز واليسرى إلى موجة 315 هرتز فإن الدماغ سيعمل على معالجة الموجتين لتشكيل صوت وموجة جديدة لتكون موجة 10 هرتز، وهي نفس الموجة التي ينتجها الدماغ أثناء الارتخاء والتأمل.
كل نوع من الأمواج الصوتية والترددات تقوم باستهداف نمط معين من النشاط الدماغي، ويتعلق الأمر بمدة التعرض والظروف المواتية له، وأحياناً يتم الاستعانة بالبصر لزيادة تحفيز الدماغ.
وحسب المنظمة العربية للمعلومات والاتصالات فإن تلك المخدرات عبارة عن ذبذبات صوتية تتراوح أمواجها ما بين ألفا ثم بيتا وثيتا وصولاً إلى دلتا. يؤدي الاستماع إليها لفترة طويلة عدة أحاسيس كالنعاس أو اليقظة الشديدة أو الدوخة أو الارتخاء أو الصرع والانزعاج.
هناك عدة مواقع على الإنترنت تقدم المخدرات الرقمية وتسوقها على أنها آمنة وشرعية، بحيث تعرض تلك المواقع ملفات صوتية بأسعار زهيدة حيث تقدم شرح عن كيفية استخدام تلك الملفات والوضعية المناسبة لسماع تلك الملفات، حيث أن هناك ملفات تتطلب أن يكون المتعاطي في وضعية معينة من الهدوء والاسترخاء، مثل أن يكون مغمض العينين.
وتتوفر المخدرات على المواقع الإلكترونية بعدة أسعار وجرعات حسب الشعور المراد الحصول عليه، كما أن هناك بعض الجرعات تتطلب الاستماع إلى عدة ملفات تمت هندستها لتسمع في وقت وترتيب معين حتى تصل إلى الشعور المطلوب، كما أن هناك امتيازات لتصميم مخدر رقمي يناسب الشخص بسعر مختلف.
يجب الإشارة هنا إلى أنه لا توجد دراسات كافية لإثبات إدمان الأشخاص المتعاطين للمخدرات الرقمية، أو الخطورة المستقبلية من استخدامها.
وأخيراً، فإنني لن أتعرض إلى قانونية الموضوع أو حرمته، لأنني أترك القرار لأهله في اتخاذ قانون يمنع تداول المخدرات الرقمية وعقوبة مروجيها وإصدار فتوى فيها أو اتخاذ إجراءات وقائية عن طريق نشر الوعي عن مخاطرها وآثارها على الإنسان.
*مدير مركز الحاسوب- جامعة جرش