ما بين "هنيّة" و"شكر": المقاومة ليست جمهورية موز عربية!
على المستوى النفسي، عنجهيّة العدو الصهيو - أمريكي وغطرسته هي التي تجعله يظنّ أنّك تستطيع أن تُخيف مُقاوِماً بالموت!
الموت هو أول قرار يتخذه المقاوم حتى يصبح مقاوماً، وهو أول عتبة نفسية يجتازها قبل أن يتّخذ من المقاومة نمط حياة وأسلوب عيش في سبيل القضية التي نذر نفسه من أجلها.
وعندها لا يعود الموت موتاً يخاف المقاوم إذا لاحت نُذُره، بل يتحوّل إلى "شهادة" يأسى المقاوم إذا تأخرت بشائرها.
وأي مكافأة "نهاية خدمة" أغلى على قلب شخص قد أمضى حياته في المقاومة والنضال من أن يموت شهيداً؟!
الموت لا يُخيف إلا من يخاف الموت، ومَنذا يخاف الموت مثل الخائن والعميل والخسيس الذي يبيع نفسه وشعبه وقضيته في سبيل "الدنيا" و"الحياة"؟!
لهذا السبب على ما يبدو يصرّ العدو بعناد وغباء أن يُسقط تجربته مع (..) مسؤولي التخاذل والهوان العرب [والمسلمين] على قادة ورموز المقاومة!
اغتيال قادة المقاومة مثل الشهيد "إسماعيل هنيّة" تقبّله الله في عليّين، والشهيد "فؤاد شكر" في حال تأكيد استشهاده، لا يخيف بقية إخوانهم في المقاومة من أكبر قائد إلى أصغر مجاهد، بمقدار ما أنّها رسالة ترتعد لها فرائص بقية (..) المسؤولين العرب، وتدفعهم إلى مزيد من الإنحناء والانسحاق والتواطؤ.. طلباً للسلامة، وحذراً من يد الربّ الصهيو - أمريكي الطايلة!
على المستوى التنظيمي، فقد تجاوزت المقاومة منذ زمن طويل فكرة هرم القيادة التقليدي الذي يتخلخل وينهار إذا تضعضع أحد أجزائه، أو فكرة "القائد الضرورة" الذي لا يمكن للمنظومة أن تستمر من دونه.
المرونة والكفاءة والفاعليّة المؤسسيّة التي أظهرتها المقاومة خلال السنوات الماضية، وبشكل مبهر بعد 7 أكتوبر، وقدرتها على الاستجابة والتفاعل مع الحدث والمتغيّرات على الأرض، وطريقة إعداد الكوادر وتهيئة القيادات الجاهزة للتقدّم فوراً وشغل أي موقع يشغر لهذا السبب أو ذاك، وقدرة الفرد الواحد أن يعمل ويؤدّي عند الإيجاب وكأنّه قائد نفسه وكادر نفسه حتى آخر رمق ورصاصة.. كلّ ذلك يمثّل نموذجاً استثنائيّا يتفوّق على جميع نظريات ومنظّري الإدارة الإحترافيّة الحديثة.
لكن مرّة أخرى، العدو بعنجهيّته وغطرسته يصرّ أن يتعامل مع المقاومة كما يتعامل مع أنظمة الموز العربية، والتي تتمحور جميعها حول شخص الزعيم المفدّى والمبجّل والمُلهَم والطاغية العادل وظلّ الله في الأرض الذي تنهار المنظومة بأكملها في حال غيابه أو موته أو سقوطه.. أو حتى سقوط خياله وفزّاعة القش الجوفاء التي يمثّلها هو ونظامه!
وحيث لا فرق بين النظام والدولة، والنظام والوطن، والنظام والمجتمع، والنظام والتاريخ، والنظام والإله.. إذ "تحلّ" جميعها في شخص الزعيم الصنم وتُختزل فيه!
على المستوى الإعلامي والدعائي، فإنّ عنجهيّة العدو وغطرسته تمنعه من الإقرار بحقيقة أنّ الشعوب العربية قد تجاوزت بفضل بركات "طوفان الأقصى" العديدة فكرة "عبادة الأشخاص" وتقديسهم، والعودة إلى مبدأ "الفكرة حجّة على الشخص وليس الشخص حجّة على الفكرة"، ومبدأ "يُعرف الرجال بالحقّ ولا يُعرف الحقّ بالرجال"، ومبدأ "خُذ القول ودع القائل"!
وحتى أولئك الذين ما يزالون يهلّلون ويزمّرون ويطبّلون لأصنامهم فإنّهم لا يفعلون ذلك إيماناً واقتناعاً وإخلاصاً، بل من باب الخسّة والطمع على طريقة "بوس الكلب على ثمّة لتاخذ حاجتك منه"، أو من باب الاستسلام والاستكانة على طريقة "إلّي بتجوّز أمي بقلّه يا عمّي"، أو من باب الخوف والخنوع على طريقة "الإيد إلّي ما بتقدر عليها بوسها وادعي عليها بالكسر"!
المؤشّر الخطير الوحيد الذي تشي به عمليتي الاغتيال القذرتين والجبانتين للقائدين "إسماعيل هنيّة" و"فؤاد شكر" هو مقدار "الاختراق الأمني" الكبير الذي أتاح للعدو تنفيذ مثل هاتين العمليتين النوعيّتين!
وهذا بدوره درس آخر ومظهر آخر من مظاهر عبقرية "طوفان الأقصى" وبركاته.
فالخرق الأمني ليس سببه التكنولوجيا الفائقة التي يمتلكها العدو الصهيو - أمريكي، والتي تتيح له رصد وتتبّع دبيب النملة وفق الأسطورة التقنيّة التي عملت ماكينة العدو الإعلاميّة والدعائيّة على تكريسها في الأذهان والوجدان على مدار عقود.
الخرق الأمني سببه الخونة والعملاء والجواسيس؛ والدليل أن تكنولوجيا العدو الفائقة لم تشفع له على مدار عشرة أشهر للخروج من حالة "العمى الاستخباراتي" التي يعاني منها في غزّة، وذلك بكون الخطوة "التعبويّة" الأولى التي قامت بها المقاومة وقام بها "السنوار" قبل كلّ التطوّر التقني والتنظيميّ والتكتيكيّ والعملياتيّ.. هي تنظيف البيت الداخلي من العملاء والجواسيس!
وعندما نقول عملاء وجواسيس، فإنّنا لا نستطيع أن نمنع أنوفنا من اشتمام الرائحة النتنة لأجهزة أمن واستخبارات "إقليميّة" ضالعة في مثل هذا النوع من المهام القذرة، تتعاون مع الكيان وحلفائه بهذا الخصوص، وتمدّهم بمداخل وعيون ما كانوا ليستطيعوا أن يحصّلوا عليها ويظفروا بها من تلقاء أنفسهم!
الشيء الأكيد في ضوء ما تقدّم أنّ الرد على عمليتي الاغتيال آتٍ لا محالة بهذا الشكل أو ذاك، لكن قبل أن يتخذ هذا الردّ شكل استهداف عسكريّ لأهداف حيويّة للكيان الصهيونيّ و/أو حلفائه وأعوانه في المنطقة، هل سيسبق ذلك أو يصاحبه تعليق بعض المشانق في "بيروت" و"طهران" لبعض العملاء والجواسيس حتى يكونوا عبرةً لمن يعتبر؟!