غاز الاحتلال.. بين الغضبة المضريّة و"الزعلة" النيابيّة
تامر خرمه- تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها.. عبارة عرفها العرب قبل أن تنطلق فتوحاتهم من الصحراء إلى مشارق الأرض ومغاربها. ذات زمن كان رجل الصحراء يؤمن بشيء يدعى "الكرامة". كانت العرب تردّد آنذاك قول بشار ابن برد: "إذا ما غضبنا غضبة مضريّة.. هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما".
تخيّل لو أن زعيما من بني تميم –على سبيل المثال- عمد في ذلك الوقت إلى رهن مياه قبيلته بمشيئة بني قينقاع، وقرّر استيراد ما يحتاجه من "واحاتهم".. ماذا كانت ستقول فيه العرب ؟
نفهم أن الوضع تغيّر كثيرا في هذا الزمن البشع، وأن بني قينقاع وبني قريظة وخيبر بات لهم دولة تهيمن على سياسات العالم بأسره، وأن العرب الذين ما عاد كثير منهم يعرف عنترة أو ابن كلثوم، يتباهون الآن بالقدرة على التحدّث بلسان أعجمي، ويحلمون بالهجرة إلى بلاد الفرنجة.. ولكن هل يعني هذا أن كلمة الكرامة لم يعد لها محل من الإعراب في القواميس الحديثة ؟!
رئيس حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، د. عبدالله النسور، الذي رفضت حكومته كافّة عروض "الغاز" وكلّ بدائل الطاقة، يصرّ على تمكين الإرهاب الصهيوني من فرض الاحتلال الاقتصادي على بلاده.. "يا عين يا ليل".
تحدّ سافر للإرادة الشعبيّة، ولكافّة القوى السياسيّة ومؤسّسات المجتمع المدني الوطنيّة، ندت عن الرئيس الجهبذ الذي "طنّش" الجميع، ومضى في تمكين الاحتلال وفرض قبضته على عنق الاقتصاد الوطني، حتّى نشرت صحف العدو أنباء تؤكّد البدء بمدّ أنبوبين لتصدير غاز فلسطين المحتلّة، الذي تتحكّم به "اسرائيل"، إلى الأراضي الأردنيّة.. ما كان كان.. ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.
طيّب، نوّاب الشعب الذين أشبعونا لطماً واستعراضاً برفع اليافطات تحت قبّة البرلمان حينا، وإحراق العلم الاسرائيلي أحيانا، هل سينتصرون للكرامة الوطنيّة ويحجبون الثقة عن الحكومة ؟ أو ينفّذون تهديد الاستقالة من المجلس على الأقلّ ؟ أم أن صفقات ستعقد تحت الطاولة وفوقها، ومكالمات هاتفيّة ستصدح "موبايلات" النوّاب بنغماتها، لتقود إلى نجاة الحكومة بفعلتها بعد توقيع صفقة الذلّ والعار، في مسرحيّة رديئة الإخراج والتمثيل ؟
على أيّة حال، يبدو أن الحكومة قد قامت فعلا بإبرام الصفقة، والحديث عن انتظار تقارير اللجان ومناقشتها ما هو إلاّ محاولة لـ "تبهير الطبخة"، وإلاّ كيف يمكن تفسير شروع "اسرائيل" بالإجراءات العمليّة لضخّ غاز الاحتلال ؟
ولكن لتجنّب تهمة "العدميّة"، قد يكون من المفيد انتظار ذوبان ثلج الصراخ النيابي، وترقّب ما تخبّؤه لنا الأيّام.. ونترككم الآن للاستمتاع بمعزوفة الصمت بانتظار الغضبة النيابيّة، التي -ربّما- تهتك حجاب الذلّ.