الحل: ثلاث كلمات
ثمة ضرورة لبناء نتائج مهمة على إعلان الديوان الملكي، أمس، عن تعديل أسس مكرمته في القبول الجامعي، ليتم تقديم 1350 منحة للطلبة المتفوقين (وفق أسس واضحة، تم اعتمادها وتحويلها إلى وزارة التعليم العالي) بعد القبول، بدلاً من القوائم الاستثنائية التي كانت تأتي خارج قوائم القبول الموحّد، وتتراوح في السنوات الأخيرة ما بين 1300-1400 مقعد جامعي.
قرار الديوان الملكي عكس توصيات جادّة قدّمتها لجنة "استراتيجية الحد من العنف في الجامعات الأردنية"، والتي شكّلت بتوجيهات ملكية، من قبل وزارة التعليم العالي، وقدّمت تحليلاً لأسباب العنف الجامعي، وتوصيات محدّدة، على رأسها ضرورة إلغاء الاستثناءات التي تأتي خارج قائمة القبول الموحّد.
تقرير الحدّ من العنف أشار إلى أنّ الاستثناءات خارج القبول الموحّد (وإن كانت لأسباب إنسانية)، تكرّس شعوراً بعدم المساواة والظلم. وكشف التقرير أنّ تحليل حوادث العنف الجامعي يؤكّد على وجود خلفيات أكاديمية (ضعف التحصيل العلمي، وممّن أتوا عن طريق الاستثناءات في القبول)، واجتماعية (عائلات كبيرة؛ نتيجة إعلاء هذا المعيار على المعايير الأخرى). وأشار معدو التقرير إلى خطورة "الفراغ المنهجي" و"اللامنهجي" الذي يسود في الجامعات، وتحديداً في الكليات الإنسانية والاجتماعية، التي يمثّل طلبتها -عادةً- الشريحة الأساسية في أعمال العنف.
وإذا كان الحديث عن أسباب العنف الجامعي ومظاهره متشعّبا، فإنّه مرتبط بمثلث محدّد متساوي الأضلاع، يمثّل مفتاح الحل، ويتكوّن من ثلاث كلمات: القانون، والمواطنة، والاستقلالية. وهو الحل ليس فقط لأزمة الجامعات، بل لجميع الأزمات والملفات الأخرى الشائكة، وفي مقدمتها العنف الاجتماعي، والتطاول على هيبة الدولة.
إذا شعر الطلبة أنّ الأساس الوحيد لعلاقة الدولة بالأفراد، وعلاقتهم ببعضهم، هي المواطنة، وأنّه لا تمييز لعرق أو لوجاهة أو لدين أو لأي اعتبار آخر، سواء في أسس القبول أو حتى في داخل الجامعة، أو في الغرفة الصفية أو في العلامات، أو في التعيينات في مختلف درجات السلّم الوظيفي، وأنّ المحسوبية والواسطة والتمييز بمثابة جريمة، فإنّ هذا سيدشّن مساراً عكسياً للخط البياني الحالي التنازلي، ما يساعد على ترميم السلطة الأخلاقية والرمزية للدولة، ويضع حدّاً للتدهور الذي أصاب المؤسسة التعليمية، ومؤسسات الدولة المختلفة، خلال العقود الماضية، بسبب تجاوز هذه المبادئ والقيم.
لا يجوز أن تكون الجامعات ومعايير القبول فيها عرضة لعوامل خارجية، وتابعة لتغير سياسات الدولة؛ فاحترام المؤسسات وقيمتها يكمن في استقلاليتها وبنائها تقاليد محترمة تتكرّس مع الوقت، فلا يجرؤ وجيه أو شيخ أو نائب أو مسؤول في الدولة على التدخل في عمليات القبول، أو التوسط في مشاجرة عشائرية وعائلية، أو مراضاته عبر التعيينات داخل الجامعة؛ فهذه السياسات هي التي ضربت التعليم العالي في الصميم، وهزّت مخرجاته وسمعته داخلياً وخارجياً.
استبدال الاستثناءات بالمنح الجامعية خطوة مهمة ونوعية. وما نرجوه أن تكون الأولى ضمن الالتزام بتطبيق استراتيجية الحد من العنف الجامعي، وأن نصل إلى مرحلة قادمة تتحول فيها جميع المكرمات والاستثناءات الأخرى -التي توسّعت خلال الأعوام الأخيرة، لتصبح نسبتها مضاهية لنسبة القبول الموحّد نفسه- إلى مِنَحٍ للطلبة المتفوقين والفقراء داخل الجامعات.
نأمل أن تكون أحداث مؤتة الأخيرة آخر الأحزان، وأن نبدأ مشوار إصلاح الجامعات؛ وهو مسار تتجاوز أهميته باقي المسارات، لأنّنا إذا فقدنا الجامعات خسرنا الأجيال القادمة وكل شيء، فلا بد أن تكون قلاعا حصينة للمستقبل، لا مؤشرا على الانهيار والتراجع!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)








