هل يجري بشر الخصاونة الانتخابات القادمة؟
محمد أبو رمان
جو 24 :
ملخص تنفيذي
بالرغم من أنّ ملف الانتخابات النيابية قد حُسم بصورة نهائية وتحديد العاشر من شهر أيلول/سبتمبر القادم موعدًا لإجرائها، إلاّ أنّ هنالك ملف كبير ورئيس لم يُحسم بعد في أروقة القرار يتعلّق بمصير حكومة بشر الخصاونة.
الترجيح الكبير، هو أنّ الخصاونة سيجري الانتخابات القادمة، ثم يأتي رئيس جديد ليشكل الحكومة بعد الانتخابات.
يرى أنصار "الحكومة الانتقالية” أنّها مرحلة "عازلة” ضرورية بين مرحلة تقليدية سابقة ومرحلة قادمة ذات سمات جديدة – حزبية مختلفة. لكن على الأغلب الأعم، فإن هذا السيناريو تم استبعاده.
بينما أنصار خيار رئيس جديد للحكومة قبل الانتخابات، يتحدثون عن أهمية أن يأتي رئيس ويأخذ وقتًا كافيًا في الحكم، ويتعوّد على الأجواء السياسية، ويجري الانتخابات بما يعطيه قوة "الصورة” أمام النواب الجدد، ويسهل عملية إعادة تكليفه بعد الانتخابات
ثمة عوامل مهمة في ترجيح كفّة أيّ من السيناريوهين السابقين؛ الأول هو فيما إذا كان هنالك بديل في ذهن الملك يثق به في خوض الانتخابات القادمة، والثاني فيما إذا كان هنالك تواطؤ في مؤسسات القرار المعنية بتقديم المشورة في هذا المجال على توحيد الرأي.
تمهيد
بالرغم من أنّ ملف الانتخابات النيابية قد حُسم بصورة نهائية مع زيارة الملك إلى الهيئة المستقلة للانتخاب ودعوته لإجراء الانتخاب، ثم تحديد الهيئة العاشر من شهر أيلول/سبتمبر القادم لهذا الموعد الدستوري؛ إلاّ أنّ هنالك ملف كبير ورئيس لم يُحسم بعد في أروقة القرار يتعلّق بمصير الحكومة، فيما إذا كانت ستبقى حكومة بشر الخصاونة وتجري الانتخابات أم ستأتي حكومة جديدة ورئيس يجريها ويبقى بعدها، أم رئيس انتقالي يجري الانتخابات ويغادر بعد ذلك مباشرةً؟
حكومة الخصاونة وسؤال المصير
تموضعت الخيارات والنقاشات الداخلية حول نقاط مفصلية؛ في حين تم تأجيل حلّ مجلس النواب إلى ما بعد انتهاء مرحلته الدستورية (أي 16 تموز/يوليو القادم) فإنّ الترجيح الكبير -إن لم يكن الحاسم-، أنّ الخصاونة سيجري الانتخابات القادمة، ثم يأتي رئيس جديد ليشكل الحكومة بعد الانتخابات، أمّا إذا استقرّ الأمر على أن يُحل مجلس النواب قبل ذلك (منتصف تموز/يوليو) فإنّ الحكومة مجبرة على تقديم الاستقالة، وبالتالي سيكون هنالك خياران رئيسان؛ الأول هو أن يأتي رئيس انتقالي (وغالبًا من الشخصيات التوافقية ذات الخبرة السياسية) يجري الانتخابات ويغادر، أو أن يأتي رئيس ويشكل حكومة، ويجري الانتخابات، ثم يقوم بإجراء تعديل حكومي بعد الانتخابات، بعد استشارة واستمزاج الكتل النيابية، التي من المفترض أن تكون ذات طابع حزبي، وربما استدخال بعض النواب والشخصيات الحزبية في التعديل الجديد.
النقاشات الداخلية تشي -حتى الآن- باستبعاد فكرة "الرئيس الانتقالي” لمحدودية النتائج والإيجابيات المترتبة عليها، ولأنّ القناعة ستكون بأنّها حكومة تسيير أعمال، وبالتالي ستكون شبه مشلولة في مرحلة تاريخية مهمة، وتتطلب حكومة قوية لديها القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية، وربما يرى أنصار "الحكومة الانتقالية” أنّها مرحلة "عازلة” ضرورية بين مرحلة تقليدية سابقة ومرحلة قادمة ذات سمات جديدة – حزبية مختلفة، وبالتالي لكي يأتي رئيس الوزراء بعد الانتخابات القادمة ولديه مساحة كاملة للاشتباك مع البرلمان، والتشاور مع الكتل، من دون أن يكون هنالك سجل سلبي له أو حمولة وزارية غير مبررة لمدة أشهر قليلة!
على أيّ حال يبدو، وهذا على الأغلب الأعم، أن سيناريو الرئيس الانتقالي تم استبعاده، لأنّه باختصار يمكن للحكومة الحالية أن تكمل حتى إجراء الانتخابات دون الحاجة إلى "صداع” تشكيل حكومة جديدة وما يرتبط به من غلبة وإزعاج، مما يبقي المشهد السياسي أمام خيارين اثنين؛ أن يُحل مجلس النواب قبل 16 يوليو/تموز ويأتي رئيس جديد ويجري الانتخابات، أو بعد 15 يوليو/تموز ويستمر رئيس الوزراء الخصاونة ليجري الانتخابات ويسجل تفرّد حكومته بإجراء انتخابات نيابية لمرتين، لكن بعد أن يجري تعديلًا وزاريًّا في ضوء ما يترشّح من تسريبات بنية وزير أو اثنين خوض الانتخابات النيابية القادمة.
بين خياري الإبقاء أو ضخ دماء جديدة
لكل سيناريو من السيناريوهين السابقين أنصار ومؤيدون "داخل السيستم” وخارجه؛ أنصار خيار رئيس جديد للحكومة قبل الانتخابات، يتحدثون عن أهمية أن يأتي رئيس ويأخذ وقتًا كافيًا في الحكم، ويتعوّد على الأجواء السياسية، ويجري الانتخابات بما يعطيه قوة "الصورة” أمام النواب الجدد، ويسهل عملية إعادة تكليفه بعد الانتخابات، وربما تعديل حكومته وتطويرها بما يتناسب مع المشاورات النيابية المتوقع أن تكون مختلفة مع المجلس الجديد، ذي الطابع الحزبي.
من يقفون ضد هذا الخيار يرون بأنّ البرلمان القادم ستكون له مطالب فيما يتعلّق بالحكومة وتركيبتها وعلاقتها بالأحزاب، وهو ما يضع الرئيس أمام معضلة التخلي عن أغلب طاقمه الوزاري، الذي قد يكون لم يمض عليه إلاّ أشهر قليلة، فيما يُردّ على هذه الدعوى بموقفين اثنين؛ الأول أنّه يمكن أن تكون الحكومة القادمة ذات طابع رشيق، وطاقم وزاري محدود، قبل الانتخابات، لفسح المجال أمام الرئيس للقيام بالتعديلات المطلوبة بعد المشاورات النيابية، أو أنّ وجود حكومة ودورها قبل الانتخابات وأفضلية الرئيس بإجراء الانتخابات سيعطيه القوة في التفاوض مع الكتل النيابية، بل وعدم الخضوع لمحاولات الضغط على الرئيس لمصالح حزبية، طالما أنّ الخطة المتوافق عليها للتحديث لا تربط الحكومات القادمة بإطار زمني قريب، بل الحديث الواضح هو عن إطار زمني من عشرة أعوام، وعدم الاستعجال على التجربة الحزبية كي لا يتم إحراقها قبل أن تنضجّ في حال تم إقحام الأحزاب السياسية في الحكومات على المدى القصير.
أما فيما يتعلّق بالسيناريو الآخر بأن تبقى الحكومة وتجري الانتخابات القادمة، ثم يأتي رئيس جديد، فيستند أصحابه إلى فكرة أنّه لا داعي للتعجل في حلّ مجلس النواب والدخول في صداع تشكيل الحكومة وما يتعلق به بطموحات ومعضلة اختيار الرئيس البديل، في ضوء الاعتراف الضمني في أوساط سياسية واسعة بمحدودية البدائل الممكنة اليوم، وبالتالي فإنّ التريّث لما بعد الانتخابات القادمة وأن يأتي رئيس جديد بكاملة صلاحياته وقدرته على التفاوض مع الكتل البرلمانية وتشكيل الحكومة من الصفر هو السيناريو الأفضل، ولا يوجد أمر مُلحّ لحل مجلس النواب، طالما أنّ هنالك أشهر قليلة حتى يوليو/تموز، وبعدها يمكن حلّه والبدء بالعد العكسي للانتخابات القادمة.
على الجهة المقابلة يرى خصوم هذا السيناريو، داخل "السيستم” وخارجه، أنّ الحياة السياسية بحاجة إلى دفعة جديدة قوية، قبل الانتخابات القادمة، كما أنّ السياسات الاقتصادية لا تقل أهمية، وهنالك ضرورة اليوم لديناميكيات جديدة، بخاصة مع الحرب على غزة، والخشية من غياب الرواية الرسمية والحكومية عن الشارع وتأثير ذلك على الانتخابات القادمة، لذلك المطلوب أن يكون هنالك رئيس وزراء جديد بحكومة جديدة ورسالة جديدة، وأن تعطى الحياة السياسية قبلة الحياة قبل الانتخابات القادمة، لا أن نضعها في مرحلة الموت السريري بانتظار الانتخابات، ثم يأتي رئيس جديد من دون أن يكون له رصيد سابق ولا تجهيز أو تحضير قبل الانتخابات.
خاتمة
حتى وقتٍ قريب كان سيناريو رحيل الحكومة هو الأقوى والأقرب؛ إلاّ أنّ أوساط رسمية عادت لطرح فكرة استمرار الحكومة كخيار أفضل مؤخرًا، بل وترجيحه، ولعلّ المسألة برمتها اليوم بين يدي الملك، لكن بالضرورة ثمة عوامل مهمة في ترجيح كفّة أيّ من السيناريوهين السابقين؛ الأول هو فيما إذا كان هنالك بديل في ذهن الملك يثق به في خوض الانتخابات القادمة، والثاني فيما إذا كان هنالك تواطؤ في مؤسسات القرار المعنية بتقديم المشورة في هذا المجال على توحيد الرأي، لجعله الأفضل على مكتب الملك، أم ستكون هنالك حالة من الانقسام والاختلاف في الرأي، مما يجعل كلا السيناريوهين في تنافس أمام القرار الأخير!
* معهد السياسة والمجتمع