الأردن وما بعد التطبيع السعودي - الإسرائيلي
محمد أبو رمان
جو 24 :
لم تدَع تصريحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، (إلى شبكة أخبار فوكس نيوز الأميركية) قبل أيام، مجالاً للشك أو التأويل في ما يتعلق بالمفاوضات السعودية الأميركية الإسرائيلية، التي تهدف منها الإدارة الأميركية إلى الوصول إلى تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، وهو أمر لا يبدو سهلاً أو قريباً جداً، لكنّه ليس بعيداً بالكلية، فمن الواضح أنّه يمثّل مصلحة كبيرة لولي العهد السعودي وإدارة بايدين ورئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو في هذا التوقيت، ما يعزّز احتمالاته، بالرغم من العقبات التي ما تزال قائمة.
بينما كان بن سلمان صريحاً في الإقرار بوجود المفاوضات وتقدّمها، أعاد ملك الأردن، عبدالله الثاني، في خطابه في الأمم المتحدة التشديد على خطورة تجاوز القضية الفلسطينية في أي مشروعات سلام أو تطبيع في المنطقة، مؤكّداً على أهمية حلّ الدولتين من جهةٍ وعلى استيلاب حقوق الفلسطينيين من جهةٍ ثانية، وهو تطوّر مهم في خطاب الأردن الرسمي، كما يرصد وزير الخارجية الأسبق مروان المعشّر، يدلّ على أنّ هنالك استدخالاً جزئياً لمقاربة الحقوق ومواجهة سياسات الفصل العنصري ووسم النظام الإسرائيلي بذلك، كما تطالب نخبة أردنية وفلسطينية وعربية، وحتى دولية أخيرا، مع تجلّي معالم الانهيار الكامل لأي مجال لحلّ الدولتين، الذي طالما تمسّك به الخطاب الرسمي الأردني بوصفه الحل الوحيد للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ومفتاحاً لحماية الأمن الوطني الأردني وتأمين مصالحنا الاستراتيجية.
على كل الأحوال، من الواضح أنّ الجهود الديبلوماسية الأردنية تسير بعكس اتجاه الريح تماماً بالنسبة للإدارات الأميركية، وأنّ كل المحاولات لإبقاء حلّ الدولتين خياراً حيّاً لم تنجح، وأنّنا لا نستطيع إعادة عقارب الساعة إلى وراء، منذ طرح إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ما سميّت صفقة القرن، ثم الاتفاقيات الإبراهيمية الإقليمية؛ فلا مجال للحديث عن حلّ الدوليتن ولا عن مركزية القضية الفلسطينية، وحتى لو دقّقنا في تصريحات ولي العهد السعودي فقد تجنّب ذكر مصطلح "حلّ الدولتين"، واكتفى بالقول "أريد أن أرى حياة جيدة للفلسطينيين".
قام الأردن بدور هائل وكبير خلال الأعوام الماضية، ودخل في مواجهة سياسية حقيقية مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، خصوصا عند قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ولم يوافق ولم يرحّب الأردن بصفقة القرن، بالرغم من الضغوط الهائلة من جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأميركي حينها، الذي كان يصول ويجول في المنطقة، ويربّط بين الدول العربية وإسرائيل، ثم حاول إبقاء موضوع القضية الفلسطينية مركزياً. ودفع الأردن نحو بناء تحالفٍ متماسكٍ مع أطراف إقليمية وعربية، ومنسّقاً بشكل خاص مع المصريين والفلسطينيين، وقام بدور كبير في الصراع الديبلوماسي مع حكومة بنيامين نتنياهو، وفي بناء موقف أوروبي داعم لبقاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وتمويلها، وخطاب ديبلوماسي مستمر في التأكيد على حل الدولتين، وهي جهودٌ تذكر وتقدّر. ولكن آن الأوان أن تقرأ عمّان الواقع الحالي بمعطياته الحقيقية، بخاصة أنّ المسؤولين الأردنيين يدركون تماماً أنّ التطبيع السعودي - الإسرائيلي هو الجائزة الكبرى التي ينتظرها نتنياهو، لأنّه سيفتح له أبواباً كثيرة مغلقة في العالمين، العربي والإسلامي.
للتذكير فقط، لم تطرح إدارة الرئيس جو بايدن أي مشروع للتسوية للصراع، وكل ما تقوم به الاهتمام بـ"خفض التصعيد"، ولا يتجاوز مسؤولو الإدارة الحديث عن أهمية التطبيع الاقتصادي ويسيرون في ركاب المشروع الذي طرحته إدارة ترامب سابقاً، ولم يعد أحدٌ باستثناء الأردنيين والفلسطينيين يطرح حل الدولتين!
على الأردن أن يتعامل مع هذه الحقيقة المرّة، لقد أصبح خطابه الديبلوماسي الذي يؤكّد على حلّ الدولتين، خارج الإطار التاريخي لدى الإدارة الأميركية، ولدى الأغلب الأعم من الدول العربية، سواء جاء بايدين أو ترامب، أو حتى يائيير لابيد أو نتنياهو، فالنتيجة للأسف واحدة. ما المطلوب إذاً بعد الإقرار بهذه الحقائق الواقعية؟
هنالك جدل غير مباشر في عمّان بشأن الخيارات الأردنية، لما بعد انتهاء لعبة التسوية (أشار إليها بوضوح تقرير صادر عن معهد السياسة والمجتمع في عمّان، بعنوان استحقاقات نهاية اللعبة: اليوم التالي لفشل العملية السلمية" في منتصف الشهر الماضي، أغسطس/ آب)، فهنالك تيار يرى مسايرة الواقع والمضي مع الأطراف الإقليمية والرؤية الأميركية والتوقف عن "مناطحة" الجميع، ويدفع باتجاه الانفصال تدريجياً عن استحقاقات القضية الفلسطينية. في المقابل، يرى اتجاه آخر عدم وجود خيارات سوى التمسّك اللفظي بحلّ الدولتين، وبعدم التنازل عن الخطاب الديبلوماسي الأردني، وأن يترك القرار للفلسطينيين، وألا يتورّط الأردن بأيّ سياسات موغلة في الشأن الفلسطيني. بينما يرى اتجاه ثالث أن المطلوب، على النقيض مما سبق، تحريراً للمقاربة الأردنية من الارتباطات السابقة، والتوغل أكثر في الشأن الفلسطيني، والانتقال من مقاربة حلّ الصراع إلى إدارته، ومحاولة خلط الأوراق في الساحة الفلسطينية بما يدفع الأميركيين والمجتمع الدولي إلى إعادة التفكير في الشأن الفلسطيني وبالتسوية الإقليمية التي تتجاوز الفلسطينيين.
كاتب هذا السطور ممن ينادون بالخيار الثالث (السابق)، وعدم إمكانية الانفصال والفصل بين الأمن الوطني الأردني والمصالح الاستراتيجية والحيوية والدور الإقليمي الأردني وما يحدث في المشهد الفلسطيني، فهو ارتباط عضوي – تاريخي - جيو استراتيجي. وطالما أنّ خيار حلّ الصراع انتهى، فلنعد إلى إدارته والتفكير في الخيارات ومراجعة الأوراق وفتح القنوات مع اللاعبين الفلسطينيين من مختلف الألوان السياسية، بما في ذلك المستقلين والمعارضين والإسلاميين واليساريين.
على الجهة الأخرى، من الضروري أن يميّز الأردن بين مصالحه الاستراتيجية والأمنية والحيوية مع السعودية من جهة والتباين بين الدولتين في رؤية ملفات إقليمية عديدة، ومنها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بطبيعة الحال، وغيرها من ملفّات عديدة.
(العربي الجديد)