تقرير:المولود الذكر "مدماك" الأسرة.. وأم البنات في دائرة الاتّهام
أمل غباين- " البنت الرابعة احكوا لإمها مبروكة عليها" بهذه العبارة ردّ أبو مريم على الطبيبة التي اشرفت على عملية ولادة زوجته وهو خارج من المستشفى، دون الاطمئنان على أم بناته ورؤية المولودة الجديدة. الطبيبة سارعت إليه وطلبت منه رؤية الطفلة وتهنئة زوجته على الاقل، فرفض.
حال ابو مريم يقاس على فئة قليلة في مجتمعنا الذي ما زال يرفض الانثى ويعتبر الذكر رصيدا للاسرة، رغم ما حققته المرأة من انجازات على كافة الاصعدة. ومازال الرجل الشرقي بطبعه يعتبر انجاب الذكور أمرا يستحق التباهي.
*** الخصاونة: رعاياة الفتيات من أسباب دخول الرجل الجنة
مفتي المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة، أكد انه من العادات الجاهلية للعرب أنهم كانوا يفرحون إذا ولد لهم الذكر، ويغتمّون ويغتاظون إذا ولدت لهم الأنثى. وعن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت:
ما لأبي حمزة لا يأتينا ... يظل في البيت الذي يلينا.. غضبان ألا نلد البنينا ... وإنما نأخذ ما أعطينا
وتابع في حديثه لـjo24 :بين الله تعالى حالهم هذه بقوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:58-59]."
واردف قائلا:"سبب الفرح بالذكر أنه يركب الخيل ويحارب الأعداء ويتحقق به النصر والعزة. وسبب الحزن بالأنثى أنها سبب في العار أو الفقر، فالبنات لا يقاتلن، وقد يقعن في السبي عند الغارات فيجلبن العار. ولا يكتسبن فيعشن كلاًّ على أهليهن فيجلبن الفقر."
واضاف الخصاونة انه جاء البيان الإلهي ليقيم ثورة في الفكر الاجتماعي عند العرب، ويغير المفاهيم والعقائد والسلوكيات، قال الله تعالى:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}[الشورى: 49] "فالأنثى هبة الله للإنسان كالذكر تماما، والحصول على هذه الهبة الإلهية ينبغي أن يقابل بالفرح والترحيب والشكر".
وأشار الخصاونة إلى ان النبي صلى الله عليه وسلم حث على الرعاية والعناية بالإناث، وجعل ذلك سببا لدخول الجنة، بل ومرافقته لها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو" وضم أصابعه. رواه مسلم.
وتابع الخصاونة: "واليوم في بعض مجتمعاتنا، نرى الأفكار الجاهلية تطل برؤوسها من جديد، فالأنثى لا تلقى من الترحيب والعناية والاحترام ما يلقاه الذكر. ولا يفرح بوجودها وولادتها كما يفرح بالذكر، وهذه جاهلية حاربها الإسلام كما بينا".
***خضر: المرأة قادرة على رعاية نفسها
الامين العام للجنة الوطنية لشؤون الأسرة السابق اسمى خضر أكدت من ناحيتها انحسار الفئة الرافضة للاناث، مشيرة في حديثها مع jo24 إلى ان نظرة المجتمع فيما يتعلق بانجاب الاناث اختلفت ،وقالت انها تعرف عائلات اكتفت بانجاب 3 فتيات، ولم تحاول الكرة بهدف انجاب ذكر.
ونوهت خضر بأن "اصحاب العقول التقليدية" يفضلون انجاب الذكور لاعتقادهم ان تربية الفتيان اهون من تربية الفتيات، وان الذكر اقل همّا واكثر فائده للاسرة ،مشيرة الى ان خوض النساء في معترك الحياة العملية والعلمية يجعل من الهواجس والمخاوف عليها اقل عند الاهل، وبالتالي لم تعد الفتاة تشكل عبئا على اهلها.
واضافت ان الفتاة اكثر اخلاصا ووفاء للوالدين حيث تواصل الاعتناء بهما حتى بعد زواجها، وهذا اصبح امر يدركه الناس ،ما اسهم بعد التجارب والقصص العديدة بان يجعل من قدوم المولودة الانثى بشرى خير للاسرة، ويتقبلها والدها بصدر رحب.
وتابعت انه يجب على الاب ادراك ان المرأة في عصرنا الحالي اصبحت قادرة على ادارة شؤونها ولم يعد لهاجس الخوف عليها من مستقبلها وحياتها اي مبرر ،كون معظم من لا يرحبون بالمولودة الانثى يتذرعون بأن الانثى عنصر ضعيف بحاجة الى الرعاية والمتابعة حتى بعد زواجها كما يقول المثل " هم البنات للممات"، مشيرة الى ان الانثى لم تعد هما على الاسرة كما كانت في السابق.
*** الحباشنة: مجتمعنا ذكوري بامتياز
أمّا اخصائي الطب النفسي د. محمد الحباشنة فقد اشار الى ان معظم فئات المجتمع الاردني على الاغلب تجاوزت هذه المسألة، الا ان فكرة ضرورة وجود مولود ذكر في الاسرة يعتبر هاجسا لدى الغالبية العظمى، باعتباره رصيد انجابي ،مؤكدا في ذات السياق ان التخوف العام من انجاب الاناث ليس نتيجة عدم الرغبة بوجود انثى بالعائلة، بل هو رد فعل نفسي لدى البعض من باب الرعاية والخوف على الانثى وما قد تواجهه من معاناة.
وقال ان شعور الاستياء بعد تكرار انجاب الاناث لدى الرجال وارد، ومنهم من يحبس الامر داخله ومنهم من يفصح عنه علانية، مبينا ان تكرار انجاب الاناث يضع الام في دائرة القلق وعدم الشعور بالأمان كونها لم تقم بتكوين اسرة مكتملة العناصر.
ويعتبر الرجل الشرقي حسب الحباشنه أن الابن الذكر "مدماك" الاسرة وبدونه لا تكتمل عناصرها، مؤكدا ان المجتمع الاردني يعتبر مجتمعا ذكوريا بامتياز رغم ما قطعه لاشواط في التقدم.
***الخزاعي:البعض لا يستقبل نبأ انجاب الانثى كما يستقبل الذكر
الاخصائي الاجتماعي د. حسين الخزاعي يرى من ناحيته أن العادات والتقاليد الموروثة والسلوكيات الاجتماعية كانت تركز فيما مضى على ان يكون الابن البكر ذكرا، وان يكون هنالك ذكور اخرين لحفظ اسم العائلة. ولم يكن هنالك من يحاسب الناس على جهلها وكانت الامية متفشية ،الا ان النظرة الآن اختلفت بعد ان حققت المرأة انجازات على كافة الصعد، لتصبح شريكا جنبا الى جنب مع الرجل.
وأكد الخزاعي انه وعلى الرغم من التطور والانفتاح ما زال بعض الناس لا يستقبلون انجاب الاناث بذات البهجة التي يستقبلون بها نبأ انجاب الذكور ، مشيرا إلى أن الاب غالبا يرمي بمسؤولية انجاب الاناث على الام على الرغم من ان الطب كشف ان الرجل هو المسؤول عن عملية تحديد جنس المولود، وليس المرأة وبالتالي فإن وضع اللوم عليها يحملها عبئا كبيرا ويجعلها في مرمى الاستهداف من قبل زوجها ،واحيانا يسانده بذلك عائلته.
وقال الخزاعي إن الافصاح عن رفض الاناث من شأنه ان يقلل من قيمة المرأة بشكل عام ويدفع الزوجة لتكرار عملية الحمل بشكل متتال كي ترضي زوجها وتنجب له الذكر، ما ينعكس على صحتها الجسدية والنفسية، خاصة عندما يتعلق الامر بالتهديد بالزواج من اخرى، اضافة لما تشعر به المولودة من مشاعر سلبية يبثها الاب بشكل مباشر او غير مباشر.