تداعي وتعالي التعليم العالي
عندما يتعلّق الأمر بالتعيينات في مناصب الدولة القياديّة، أو بتسلّم حقيبة تنفيذيّة، الأصل مراعاة عدم تضارب المصالح. مثلا يفضّل أن لا يكون وزير التعليم العالي مالكا أو مستثمرا في قطاع الجامعات الخاصّة، فمن الصعب تخيّل شدّة الصراع الداخلي نتيجة التناقض بين متطلّبات الربح التي تؤرّق القطاع الخاصّ، والجانب الأكاديمي المتصل برفع أداء ومخرجات الجامعات الرسميّة.
هل يمكن لمستثمر في التعليم الجامعي الخاصّ أن يحول دون تحوّل هذه الجامعات إلى ماكينات تدرّ النقود بصرف النظر عن المخرجات التعليميّة ؟ أوليس الربح هو محور اهتمام هذا القطاع ؟ ألا يمكن وصف لسان حال الطالب الذي يدفع الكثير مقابل شهادته بعبارة "من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن ؟ لم لا وكلّ ما يشغل بال جامعته ما يحمله من دراهم ؟
مهمّة صعبة للغاية، سيحملها مثل هذا المستثمر على كاهله في حال تولّى منصبا حكوميّا يفرض عليه اتّخاذ قرارات تناقض مصلحته الخاصّة، وتجعل الارتقاء بالتعليم الحكومي في أعلى سلّم أولويّاته، ليعيد إلى الجامعات الحكوميّة ألقها الذي كان الأردن يفاخر به الدنيا.
ولكن رغم هذا التناقض في المصالح، تفاءلنا كغيرنا بتعيين د. أمين محمود وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، فالرجل معروف بجديّته، سيما وأنه تبوّأ كثيرأ من المواقع والمراكز الأكاديميّة، وتوقّعنا أن يقدّم شيئا مختلفا، يسهم في الارتقاء بواقع التعليم العالي في الأردن.. فما الذي تغيّر ؟ باختصار: لا شيء.
المشكلة أن المسألة لم تقف عند حدود غياب التطوير وإبقاء واقع التعليم العالي على ما هو عليه، دون أن يترك الوزير بصماته عبر تقديم أنموذج يحتذى به، بل يتجاهل صاحبنا الملاحظات والاستفسارات الواردة إليه حول القضايا التي يفترض أن تكون وزارته معنيّة بها.
بالأمس، حاولت JO24الاتّصال بوزير التعليم العالي للاستفسار عن قضيّة في غاية الخطورة، تتعلّق بوجود أكثر من خمسين مركز غير مرخّص، وغير معروف الأجندة ولا المرجعيّة، بالتعامل مع الجامعات وإرسال طلبتنا للتعلّم خارج البلاد. لا رسوم ولا ضرائب تستوفيها الدولة من هذه المراكز، التي لا يعلم إلا الله والراسخون في علم الخفايا حقيقة "المؤسّسات التعليميّة" التي يتم إرسال أبناءنا للدراسة بها، بعد استيفاء آلاف الدنانير من جيوب آبائهم.
حاولنا الاتّصال مرارا وتكرارا، وأرسلنا الرسائل، دون جدوى.. وبعد 24 ساعة وردنا اتّصال من مكتب الوزير الذي لم يكلّف نفسه عناء الردّ على هاتفه النقّال، للاستفسار عن استفسارنا الذي لم نتلقّ إجابته !!
يا معالي الوزير، هلاّ تواضعت قليلا ونزلت من برجك العاجيّ للردّ على استفسارات الإعلام، بالعربي البسيط "معلش"، فمن تواضع لله رفعه، ولا يضيرك الردّ على "الموبايل"، فلم نطلب منك إحضار "الذيب من ذيله" والارتقاء بدور وزارتك، كلّ ما نسأله أن تردّ على استفسارات من يملك حقّ الحصول على المعلومة.
مسلسل الفشل الذي غرقت فيه وزارتك أوصل التعليم العالي إلى القاع، مخرجات يخجل منها حامل الشهادة الجامعيّة، بعد أن كان الأردن منارة للتعليم الجامعيّ، وقطاع خاصّ بات أشبه بـ "المولات" التي تضع فيها الدراهم لتحصل على "البضاعة".
الشهادة ليست بضاعة يا معالي الوزير، كيف وصل واقع جامعاتنا إلى هذا المستوى.. الذي يصبح فيه التعليم تجارة ليس إلاّ ؟! وفوق كلّ هذا تعدّ نفسك "أعلى" من الردّ على السلطة الرابعة.. وكأن ما سجّلته من "نجاحات" و"إنجازات" لم نراها، يضعك في هذا الموقع المتعالي !!
التعالي بات على ما يبدو سمة كلّ أعضاء الفريق الوزاري الذي يقوده د. عبدالله النسور، فبداية كان وزير الصحّة يرى أنّه "أعلى" من الردّ على الإعلام، واليوم وزير التعليم العالي.. قد يكمن السبب في اعتقاد الحكومة -التي طال أمدها- أنّها باقية وتتمدّد، فتكبّرت على الجميع، ولسان حال سلوكها يقول: فليذهب الإعلام والبرلمان وكلّ المؤسّسات إلى الجحيم !!