jo24_banner
jo24_banner

رؤية شرعية في «الإرهاب»

حلمي الأسمر
جو 24 : أكثر ما استوقفني في دراسة «الإرهاب الدّولي» للدكتور»علي محيي الدين القرة داغي» الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث، مفهوم الإرهاب في الإسلام، وتصنيف الجماعات التي تمارسه باسم الإسلام.
الدراسة الفقهية التحليلية الوازنة، أعدت للمشاركة في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي افتتح يوم الأحد في مكة المكرمة تحت عنوان «الإسلام ومحاربة الإرهاب»، وقد أكرمني الاتحاد فبعث لي بنص الدراسة، التي تعد فريدة من نوعها، كونها التزمت الأسلوب العلمي المنصف، دون ميل أو تحزب، بل ثمة نشدان واضح للوصول إلى الحقيقة المجردة، حتى ولو كانت مؤلمة...
يقول الباحث حول مرجعية جرائم الإرهاب في ضوء مبادئ الشريعة، إن جريمة الإرهاب الدولي ترجع إلى جريمتين في الشريعة الإسلامية، وهما: جريمة الفساد والحرابة - بمعناها الواسع - ، وجريمة قتال الدولة الشرعية والإضرار بها وبمؤسساتها من خلال العنف المسلم الموجه إليها، وهي التي تسمى في الفقه الإسلامي بجريمة البغاة. وبناء عليه، يعرف
الإرهاب الدولي بأنه: العنف المسلح غير المشروع الموجه نحو المجتمع ومؤسساته الأهلية، أو الدولة بأي وسيلة تحقق الإضرار، ثم إذا كان له طابع دولي - بأن يكون قد وقع في أكثر من دولة، أو أن ضحاياه ينتمون إلى أكثر من دولة - فيسمى إرهاباً دولياً، ويلاحظ هنا إن التعريف لم يحدد مصدر العنف، ولذلك ليبقى على إطلاقه ليشمل الدولة والفرد والجماعة، كما يقول، وبالتالي فالدولة حينما تتعامل بالعنف غير المشروع نحو مواطنيها، أو مؤسسات المجتمع الأهلي (مثل الأحزاب السياسية والجمعيات الخيرية والحقوقية) فهي داخلة في الإرهاب أو الإرهاب الدولي، وكذلك الأفراد والجماعات حينما تتعامل مع الدولة أو المجتمع، أو مؤسساته بعنف فهي داخلة في الإرهاب، وكذلك حينما يوجه العنف غير المشروع إلى المؤسسات الدولية، أو الخدمات العامة مثل خطف الطائرات، وتدمير السفارات، واحتجاز الرهائن، أو اختطافهم، والتفجيرات في الأماكن العامة، كل ذلك داخل في الإرهاب الدولي، أو حسب مصطلحنا الفقهي الخاص بمفهوم الحرابة والفساد في الأرض.
أما فيما يخص عقوبة الحرابة والفساد في الأرض، فيقول، أن الله عز وجل شرع لقطع دابر الفساد في الأرض، ولمنع الاعتداء على أمن المجتمع عقوبة تعد على الاطلاق أشد العقوبات إذ يقول تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .
أما عقوبة الاعتداء على الدولة وأمنها، فهذه العقوبة تسمى في الشريعة بحد البغاة، وهم الذين يخرجون عن الإمام (الدولة الشرعية) خروجاً مسلحاً بتأويل، جاء في بدائع الصنائع: ( فالبغاة هم الخوارج ، وهم قوم من رأيهم أن كل ذنب كفر، يخرجون على إمام أهل العدل، ويستحلون القتال والدماء والأموال بهذا التأويل، ولهم مَنعة وقوة ) ولكن الراجح هو ان البغاة أعم من الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين واموالهم وسب نسائهم، ويكفرون علياً وأصحابه وعثمان وطلحة والزبير، أما البغاة فهم الخارجون خروجاً مسلحاً ضد الدولة بتأويل، مطلقاً، ولذلك قال ابن عابدين : ( الظاهر ... أن البغاة أعم) وعلى عموم جمهور الفقهاء قال ابن قدامة: ( وجملة الأمر أن من اتفق عليه المسلمون على إمامته ، وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته وأن من خرج عليه يعتبر باغياً وجب قتاله ) .
والخلاصة أن هؤلاء البغاة الذين خرجوا على الدولة الشرعية بتأويل يجب بذل كل الجهود لتحقيق المصالحة العادلة، والسعي لاستجابة مطالبهم المشروعة فإن أبو ذلك ، أو قاموا بأعمال إرهابية وجب قتالهم بالاجماع قال تعالى : (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) .
وحول الخيارات التي يتيحها الإسلام لمواجهة هؤلاء البغاة، يقول أن قتالهم مشروط بما يأتي:
1- أن تدعوهم الدولة إلى الحوار والمصالحة وأن تستجيب لمطالبهم المشروعة، وان ترفع عنهم الظلم البيّن إنْ وجد .
2- أن يرفعوا السلاح في وجه الدولة ، إما بالمنع من أداء واجبها، أو بالإقدام على القتل والنهب، والإرهاب والتخويف.
3- أن يمتنعوا عن الحوار، أو المصالحة والسمع والطاعة، بأن يريدوا فرض رأيهم بالقوة. وحينئذ يجب قتالهم حماية للأمن والأمان ووحدة الدولة والمصالح العامة .
هذه وقفات ومقتطفات سريعة جدا، من تلك الدراسة الهامة، التي أتمنى أن يقرأها كل من يتصدى لمعالجة ظاهرة الإرهاب، وكيفية تعامل الإسلام معها، قبل أن يطلق أي أحكام بهذا الخصوص، كونها شاملة وجامعة، وتأخذ بعين الاعتبار النصوص الشرعية، وتسقطها بذكاء على واقعنا المعاش.
تابعو الأردن 24 على google news