jo24_banner
jo24_banner

ورد «بوذي» على نعش الشهيد!

حلمي الأسمر
جو 24 :

-1-
سواء اعترفوا صراحة أم لا، فقد كانوا هم القتلة، تلميحا أو تصريحا، فهم أعداء الحياة، وقتلة الطيبين، وسجل جرائمهم مفتوح، فقد جاءوا إلى بلادنا لهذا الغرض، ومن يفلت منهم من هذا الإجرام مجرد استثناء لا يقاس عليه، إنهم يتعقبون كل بقعة ضوء يمكن أن تنير عتم هذه البلاد فيسارعون لإغلاقها بكل قوة، ولا ننتظر منهم غير هذا، فهم العدو فاحذرهم، ومن يتوقع منهم غير هذا فهو إما منهم أو مضلل أو ضال، عن سبق إصرار وترصد!
قتلوا فادي البطش رحمه الله غيلة، تعقبوه ليلا نهارا، كما خفافيش الظلام، وأودعوا في رأسه كل ما يحملونه من سواد وحقد في قلوبهم لكل نظيف، فإن لم يكن هذا القاتل هو الإرهابي، أفيكون الضحية؟ أنى لذي بصيرة أن يبرئ القاتل ويدعوه لطعامه وشرابه، ويخلع عليه لقب الجار والصديق، ويرمي الشقيق البريء بتهم الإرهاب والمروق، إلا أن يكون قلبه قلب مجرم قاتل؟
-2-
«الورد الأبيض على نعش فادي» هكذا كان عنوان شهادة عبد الله الأسمر، صديق الفيسبوك، وهو يصف قصة باقة الورد الأبيض التي رافقت نعش فادي البطش من ماليزيا إلى غزة، حين تقرأها تعلم سر هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم، وزادهم هدى، وتعرف سر استهدافهم من الأخ القريب قبل العدو البعيد!
من منا لم ير الباقة البيضاء التي رافقت فادي إلى غزة؟ هكذا شهد عبدالله، كيف لا..وقلبه كان أنصع بياضاً من ثوبه. وعيناه كانتا تتلألآن بياضاً ونوراً. لم يكن غريباً أن يحزن أصدقاء فادي وطلابه والمصلون خلفه كل هذا الحزن. فادي في خلقه وأدبه وتواضعه وعلمه كان أعظم من ذلك.
وما أن ارتفع الخبر وسقط صاحب الثوب الأبيض.. حتى أوت أفئدة من الناس إليه...إلى بيته إلى مسجده إلى يوم شهادته...كل العيون كانت دامية..كل القلوب كانت وجلة..صدمة وأي صدمة. وفي هذا المشهد الكئيب، كانت جارة فادي «الصينية البوذية» تنظر يميناً.. إلى كل هذا الحزن وإلى كل هذه القلوب وإلى كل هذه الجموع التي أمت منزل جارها الطيب فادي...وتنظر شمالاً إلى ما تنقله بعض الصحف من شائعات عن الطيب فادي وتصوره كما لو أنه صانع للموت... فتقف المرأة في حيرة يراودها الخوف ويراودها الحزن.. «من هذا الرجل...ما سره... من أصدق يميني أم شمالي...عيناي التي تعرفه...أم عيناي التي تقرأ عنه في هذه الصحف الصفراء... أنا أعرف عينيه البراقتين اللامعتين...وفي عرفنا الصيني.. هاتان العينان لا يمكن أن يحملهما إلا قلب أبيض...».

وتتذكر الجارة الحائرة ابتسامته التي كان يقابلها بها...وهي التي كان يقابلنا بها ويؤمنا للصلاة بعد أن يهديها إيانا كأنها ركن من الصلاة، وهي الابتسامة التي ودعنا بها وتتذكر الجارة سؤاله عن أحوالها وأولادها...وتتذكر جيرته التي لم يمسها منها إلا كل ذكرى طيبة وإحسان نادر، وعشرة حسنة، فيسوقها قلبها وقدميها يميناً إلى بيت فادي وقلب فادي وحقيقة فادي...مستئذنة بقليل من استفهام ومعتذرة بكثير من ألم «لا يمكن أن يكون هذا الرجل كما تقول عنه بعض الصحف..لقد كان ودوداً كما الود...كان يبادرني التحية..لم يمنعه اختلاف دين أو دم أو لون...كان يسأل عن أطفالي كما أطفاله، لا يمكن أن يكون هذا البياض وهذا الحب وهذا الحزن أيضاً..إلا علامة خير وجمال، فاسمحوا لي أن أقدم هذه الباقة البيضاء...علها تجد نفسها بين كل هذا البياض» وها هو النعش يُحمل ويُنقل وتموج به الأيدي وتحمله الأجواء آلافاً من الأميال، إلا أن الورد الأبيض أبى أن يفارق أصله كمن يعتز به...كما غريب عاد إلى وطنه كما حبيب في حضنه حبيبه.
كم أنت محظوظ أيها الورد...أي شرف هذا الذي حظيت به...أي رفقة تلك التي نلتها...أي عناية تلك التي حمتك على ضعفك..لتحملك إلى حيث أنت، أي سر فيك يا فادي لتتجاوز محبتك أفئدة المسلمين أي قلب ذلك الذي حملت ليحمل معه كل هذا الحب؟
-3-
ورد بوذي صيني على نعش فادي!
هكذا كتب صديقي في شهادته، بكلمات تستحق أن تقرأ مليا، فأي سر فيكم يا معشر أبناء غزة هاشم؟ ترى أي دلالة عميقة تحملها تلك الباقة البوذية من الورد الأبيض، على نعش الشهيد؟

 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير