سـُـقيا الحليب
ماهر أبو طير
جو 24 : أيام قليلة تفصلنا عن العيد، ورمضان ُيودّعنا، بعضنا تدمع عيناه عليه، وبعضنا ينتظر رحيله ساعة بساعة، لاعتباراته، وما بينهما غنم من غنم في هذه الأيام، وخسر من خسر، ويبقى الله هو العفو الكريم.
لا يريد الله في رمضان منا صيام الجائعين، اغلبنا صيامه جوع بجوع، اما القلب والجوارح فلا تصوم عما تفعله طوال عام، وما هو اهم، هو تلك الاثقال التي يحملها كثيرون على ظهورهم فلا يرفعونها في شهر مثل رمضان.
تسمع حكايات كثيرة عن عقوق الأب أو عقوق الأم، وبعضنا لا يتفقد والديه، او احدهما، إلا مرة في الاسبوع، وان دعاهما الى الافطار، يدعوهما مرة واحدة فقط، ولايتذكر والديه بقية الشهر، يبقى منغمساً في الصوم عن الطعام، حارما نفسه مما هو اهم.
بعضنا يرى حقوق الوالدين، بعد الزوجة والابناء، وبعضنا يتصدق على والديه مما يتبقى من دخله، بدلا من ان يعطيهما من رأس الكوم في دخله، قبل الإيجار والمصاريف.
عطية «رأس الكوم» للوالدين تسدد ما بعدها من التزامات بسر البركة والسعة والبسط الرباني على الناس، واغلبنا قلب المعادلة، فيعطي والديه، مما تبقى، فتعطيه الدنيا ايضا مما تبقى، بدلا من رأسها!.
بعض العلماء يقولون ان عقوق الوالدين بالذات لا تؤجل عقوبته الى الاخرة، إما تتم العقوبة في الدنيا مباشرة، ولا تأخر، والذي يعق والديه او احدهما، يأتيه ابن او ابنة، يعقه بذات الطريقة، ان لم يكن اسوأ.
رجل عجوز ذات مرة في احدى ضواحي عمان، سمع الجيران صوت أينه ليلا، وخرجوا بحثا عن مصدر الصوت، فوجدوا عجوزا تم رميه قرب حاوية نفايات، والذين رموه هم اولاده، الذين ملوا امراضه وعجزه، فخرجوا بعد منتصف الليل ليرموه عند الحاوية.
شعر الجيران بالذهول، فأي اولاد هم أولئك هل هم بشر !! حاولوا حمل العجوز الثمانيني، والقصة حقيقية، من اجل اعادته الى بيته، او اخذه الى احد بيوت الجيران، غير ان العجوز بكى بشدة، طالبا تركه عند الحاوية فهذا مكانه الطبيعي حتى يموت.
احتار الجيران في امر العجوز، ولماذا يريد البقاء عند الحاوية، واذ سكت روى لهم انه قبل اربعين عاما، وحين كان في عز قوته وصحته وماله، حمل امه قرفاً من مرضها ورماها انذاك عند «مزبلة القرية» بذات الطريقة.
اضاف ان هذا هو عقاب طبيعي من الله، فقد فعل ذات الفعلة مع امه، التي رماها قبل اربعين عاما عن المزبلة، فجاء اولاده، دون اخلاق ليرموه عند الحاوية، ودون ان يعرفوا ان كل هذه اقدار تجري لسداد الفواتير المعلقة بين السماء والأرض.
في قصة اخرى معروفة في التراث الاسلامي، فإن رجلا دخل الجنة، لسبب بسيط لا يخطر على بال احد، برغم سوء اخلاقه، وشربه للخمر، وزيارته لبائعات الهوى، واعتياده السرقة وايذاء الناس.
الرجل كان يعود الى منزله وقد ترنح من فرط السكر، واذ يدخل الى غرفتهم الوحيدة، وفيها والده ووالدته، وزوجته واولاده، فقد كان يحلب الماعز الوحيد في بيته، ويحمل اناء الحليب ويدخل الى البيت.
اولاده يستيقظون ويشدونه من ثيابه يريدون شرب الحليب، فلا يقبل، يبقى واقفا عند رأس والده ووالدته، من اجل ايقاظهما، ليشربا اولا قبل اولاده الصغار والجياع، وبعد ان يرتوي الوالدان، كان يسمح لأولاده بالشرب.
بالرغم من كل خطاياه، ولأن الله عفو وكريم، فقد ادخلته «سقيا الحليب» الى الجنة، وادخله بر والديه الجنة، وادخله تقديمه لوالديه على اطفاله الجنة، وهذا يقول ان الدين ليس نصا حرفيا فقط، بل هو روح، وإذ لا نبرّ والدينا في رمضان، فما نفع الجوع والصيام؟!.
في الايام الاخيرة لضيفنا الكريم، نقول ان كل واحد فينا بحاجة لجردة حساب مع نفسه حول علاقته مع والديه، والمال ليس كل شيء، فإن عدمت المال، فإن الحنان وحسن المعاملة والشفقة والبر عسل تسكبه في قلب والديك.
الدستور
لا يريد الله في رمضان منا صيام الجائعين، اغلبنا صيامه جوع بجوع، اما القلب والجوارح فلا تصوم عما تفعله طوال عام، وما هو اهم، هو تلك الاثقال التي يحملها كثيرون على ظهورهم فلا يرفعونها في شهر مثل رمضان.
تسمع حكايات كثيرة عن عقوق الأب أو عقوق الأم، وبعضنا لا يتفقد والديه، او احدهما، إلا مرة في الاسبوع، وان دعاهما الى الافطار، يدعوهما مرة واحدة فقط، ولايتذكر والديه بقية الشهر، يبقى منغمساً في الصوم عن الطعام، حارما نفسه مما هو اهم.
بعضنا يرى حقوق الوالدين، بعد الزوجة والابناء، وبعضنا يتصدق على والديه مما يتبقى من دخله، بدلا من ان يعطيهما من رأس الكوم في دخله، قبل الإيجار والمصاريف.
عطية «رأس الكوم» للوالدين تسدد ما بعدها من التزامات بسر البركة والسعة والبسط الرباني على الناس، واغلبنا قلب المعادلة، فيعطي والديه، مما تبقى، فتعطيه الدنيا ايضا مما تبقى، بدلا من رأسها!.
بعض العلماء يقولون ان عقوق الوالدين بالذات لا تؤجل عقوبته الى الاخرة، إما تتم العقوبة في الدنيا مباشرة، ولا تأخر، والذي يعق والديه او احدهما، يأتيه ابن او ابنة، يعقه بذات الطريقة، ان لم يكن اسوأ.
رجل عجوز ذات مرة في احدى ضواحي عمان، سمع الجيران صوت أينه ليلا، وخرجوا بحثا عن مصدر الصوت، فوجدوا عجوزا تم رميه قرب حاوية نفايات، والذين رموه هم اولاده، الذين ملوا امراضه وعجزه، فخرجوا بعد منتصف الليل ليرموه عند الحاوية.
شعر الجيران بالذهول، فأي اولاد هم أولئك هل هم بشر !! حاولوا حمل العجوز الثمانيني، والقصة حقيقية، من اجل اعادته الى بيته، او اخذه الى احد بيوت الجيران، غير ان العجوز بكى بشدة، طالبا تركه عند الحاوية فهذا مكانه الطبيعي حتى يموت.
احتار الجيران في امر العجوز، ولماذا يريد البقاء عند الحاوية، واذ سكت روى لهم انه قبل اربعين عاما، وحين كان في عز قوته وصحته وماله، حمل امه قرفاً من مرضها ورماها انذاك عند «مزبلة القرية» بذات الطريقة.
اضاف ان هذا هو عقاب طبيعي من الله، فقد فعل ذات الفعلة مع امه، التي رماها قبل اربعين عاما عن المزبلة، فجاء اولاده، دون اخلاق ليرموه عند الحاوية، ودون ان يعرفوا ان كل هذه اقدار تجري لسداد الفواتير المعلقة بين السماء والأرض.
في قصة اخرى معروفة في التراث الاسلامي، فإن رجلا دخل الجنة، لسبب بسيط لا يخطر على بال احد، برغم سوء اخلاقه، وشربه للخمر، وزيارته لبائعات الهوى، واعتياده السرقة وايذاء الناس.
الرجل كان يعود الى منزله وقد ترنح من فرط السكر، واذ يدخل الى غرفتهم الوحيدة، وفيها والده ووالدته، وزوجته واولاده، فقد كان يحلب الماعز الوحيد في بيته، ويحمل اناء الحليب ويدخل الى البيت.
اولاده يستيقظون ويشدونه من ثيابه يريدون شرب الحليب، فلا يقبل، يبقى واقفا عند رأس والده ووالدته، من اجل ايقاظهما، ليشربا اولا قبل اولاده الصغار والجياع، وبعد ان يرتوي الوالدان، كان يسمح لأولاده بالشرب.
بالرغم من كل خطاياه، ولأن الله عفو وكريم، فقد ادخلته «سقيا الحليب» الى الجنة، وادخله بر والديه الجنة، وادخله تقديمه لوالديه على اطفاله الجنة، وهذا يقول ان الدين ليس نصا حرفيا فقط، بل هو روح، وإذ لا نبرّ والدينا في رمضان، فما نفع الجوع والصيام؟!.
في الايام الاخيرة لضيفنا الكريم، نقول ان كل واحد فينا بحاجة لجردة حساب مع نفسه حول علاقته مع والديه، والمال ليس كل شيء، فإن عدمت المال، فإن الحنان وحسن المعاملة والشفقة والبر عسل تسكبه في قلب والديك.
الدستور