خطة الأزمات الغائبة في عمّان
علينا ألا نتورط في المبالغات سواء كانت الإيجابية، او السلبية، لكننا بكل صراحة امام وضع حساس جدا، بسبب طبيعة الوضع القائم في العالم.
لا بد ان تهرع الحكومة وكل مؤسسات القرار من اجل عقد اجتماع موسع لوضع خطة طوارئ لإدارة الازمات على صعيد الأثر الاقتصادي لتداعيات كورونا، وما يتعلق بسعر النفط، إذ إن كل هذه الحلقات مرتبطة ببعضها البعض، ولا يمكن فصلها عن بعضها، وإذا تواصل إيقاع العام 2020 بهذه الطريقة فسنجد انفسنا امام مفاجآت غير متوقعة، فيما المناخ النفسي يزيد من حدة التوقعات السلبية.
تأثيرات كورونا خطيرة، وربما ردود الفعل طبيعية، او مبالغ بها، لكن لاحظوا ان الدول تنعزل وتغلق حدودها، وهذا يعني تراجعا حادا في حركة الطيران، والسياحة، وربما التصدير والاستيراد والصناعة، وصولا الى الذعر في الأسواق المالية، وأسعار الأسهم، والنفط، عدا الذهب الذي بات الملاذ الآمن لدى الافراد والدول، ثم وضع النظام المصرفي العالمي، وتأثيره الإقليمي والمحلي، وما يرتبط بالقروض والفوائد، على مستوى الافراد والدول.
العالم يخضع لموجة كبيرة جدا من الرعب والحذر، أدت وستؤدي الى نتائج سيئة على الاقتصاد العالمي، من حيث محو مليارات الدولارات من أسعار البورصة، واقتصاديات الدول، وسيكون نصيب الأردن منها مؤكدا، برغم ان اقتصاد الأردن صغير، ولديه مشاكله الصعبة، ولا يقارن باقتصاديات كبرى أساسا.
خفض أسعار النفط له تأثيرات سلبية، إذ على الرغم من اهتمام الناس في الأردن بخفض سعر الوقود لاعتبارات شخصية، الا انه ليس من مصلحة احد، ان تتضرر أي دولة عربية منتجة للنفط، فهذا الضرر سيؤدي الى نتائج على اقتصاديات تلك الدولة وعلى مئات آلاف الأردنيين الذين يعيشون فيها، وعلى برامج المساعدات للأردن، وعلى الاستيراد والتصدير، وفوق هذا لا بد ان يقال ان الجانب الأخلاقي والعروبي يفرض علينا ان نتمنى لهذه الدول وشعوبها ألا يلحقها أي ضرر، وأن تبقى قوية ومزدهرة لأجل ذاتها ثم لكل المنطقة التي تتأثر ببعضها البعض.
حتى الآن لم نسمع عن خطة اقتصادية جاهزة للتعامل مع تداعيات المشهد، اذ لو بقي خط الازمة في العالم بهذا المستوى من الانحدار، فلا يمكن ألا يتأثر الأردن، الذي يعاني اقتصاده من الضعف، وما يمكن قوله ان الإجراءات الأردنية الاحترازية على أهميتها في ملف كورونا تثبت تأثرنا بالأزمة مثل غيرنا، من حيث منع وصول رحلات معينة من دول محددة، او حتى انفضاض الشعوب والدول الأخرى عن الحركة الاعتيادية، ويضاف الى ما سبق الاغلاقات مع العراق وسورية وفلسطين.
الأردن ليس دولة عظمى حتى ينجو من النتائج، ولا احد يفترض ذلك، لكن بكل وضوح نحن امام خيارات صعبة، اذ لو استغرق الأردن بمزيد من الإجراءات الاحترازية بسبب كورونا فسيكون مثل الذي يخنق نفسه بنفسه، ولو لم يأخذ هذه الإجراءات لتسبب ربما بكارثة صحية، كما ان ملف أسعار النفط اذا استمر بهذه الطريقة، فسيكون أثره حادا جدا، على كل المنطقة، وعلى الأردن أيضا، بسبب اعتبارات كثيرة، يعرفها السياسيون والمختصون والخبراء الاقتصاديون.
هذه الأوضاع، وغيرها تؤشر على مناخ عالمي سيئ، والأردن دولة صغيرة ولديها ازماتها الاقتصادية، وسط حالة معنوية متوسطة، وهذا يفرض على الجهات التي تدير الازمات ان تجتمع من اجل الملفات المطروحة، وكلفتها على الأردن، وكيفية تخفيف الاضرار على الدولة، والقطاع الخاص، وقطاع المصارف، وعلى عموم الناس، بدلا من ترقب المشهد، دون أي جلسة عصف ذهني على الأقل، او حتى اتخاذ قرارات واعلانها، او حتى تركها طي الكتمان والسر، حتى التوقيت المناسب.
القصة نهاية المطاف، ليس تنفير الناس، ولا التهويل، ولا محاولة خفض الروح المعنوية، هي دعوة مباشرة للتنبه الى ما يجري، والى ضرورة الاستعداد لما هو اصعب، وهذا مجرد سيناريو محتمل، قد يزول، اذا تجاوز العالم ازمة كورونا، وأزمة أسعار النفط، اللتين لهما أثر على كل العالم الذي يدخل توقيتا فاصلا، تتداعى فيه الأمم على بعضها البعض، ويلد كل شهر ازمة جديدة، اصعب من سابقتها.