كلام عن المطران عطا الله حنا
كل السفارات الغربية تتشابه من حيث سرعة منحها لتأشيرات الهجرة للمسيحيين العرب، تحديدا، والذي يتابع يعرف أن كثيرا من المسيحيين في العراق وفلسطين ولبنان ودول أخرى هاجروا تحت وطأة ظروف مختلفة، وما يزال تهجيرهم يجري تحت اعيننا.
من مشاكلنا في التكوين الذهني، التساهل مع ما يجري مع المسيحيين العرب، من حيث خروجهم من المنطقة العربية، ولا يستفز اغلبنا الا تعرضنا كمسلمين لنوع من أنواع الاستهداف، على المستوى الشخصي، أو مستوى المقدسات، فيما تهجير المسيحيين بشكل قسري بسبب الحروب والتطرف والتمييز، أو تهجيرهم بشكل ناعم عبر تسهيلات الهجرة، لا يستفز أحدا فينا، على الرغم من انهم شركاء أساسيون في المنطقة العربية، فوق انهم العنصر الأهم في مواجهة الغرب، في ظل دعمه لإسرائيل، بالشراكة مع المسلمين، بسبب العنصر الثقافي والديني، وكون وجودهم يثبت أن هذه المنطقة منوعة ومتسامحة.
حين يقف شخص مثل رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس في القدس، المطران عطا الله حنا، طوال عمره ضد الاحتلال، ويشارك في المظاهرات دفاعا عن المسجد الأقصى، قائلا إنه الإنسان العربي المسيحي الفلسطيني، ومثله رموز مسيحية كثيرة، وقفت في وجه الاحتلال، فهو أحسن بكثير منا حين نتفرج من بعيد، فلا يكون غريبا أن تتعمد إسرائيل تسميمه، فيضطر للقدوم إلى الأردن، من اجل انقاذ حياته.
لقد هالني صراحة، ان حجم الاهتمام بحادثة التسميم هنا في الأردن وفلسطين، لم يكن مناسبا لدلالات الحادثة، باستثناء بضعة اتصالات تلقاها الرجل، وعدة زيارات، وقد كان الأولى توظيف الحادثة للتنديد بالاحتلال من جهة، ومناصرة الرجل في مواقفه، إضافة إلى دلالات ذلك على صعيد الوجود المسيحي في المشرق العربي.
شطب الوجود المسيحي في العالم العربي، سيؤدي إلى نتائج وخيمة، ولو قرأنا أرقام هجرات المسيحيين الفلسطينيين اليوم، لوجدنا أن عدد المسيحيين داخل فلسطين لا يتجاوز الواحد في المائة، وأغلبهم هاجر إلى استراليا وكندا والولايات المتحدة، وتكفينا أرقام المسيحيين في القدس ذاتها الذين لا يتجاوزون بضعة آلاف، لندرك أن هناك مأساة حقيقية تتعلق بتفريغ فلسطين لصالح المشروع الإسرائيلي الذي لا يريد مسلما ولا مسيحيا، وتساعد السفارات الغربية في عملية التفريغ عبر منح التأشيرات، وهي تخدم هنا تل ابيب بشكل مباشر، وان كانت تتعاطف معهم على أساس الدين.
الأمر ذاته ينطبق على المسيحيين في العراق، والكل يدرك ان هؤلاء تسربوا تحت وطأة الحروب واستهدافهم من جانب المتطرفين، وخرجوا تباعا، وهو أمر شهدناه في لبنان، ونشهده في سورية بدرجة اقل بكثير، وقد يكون في مصر منخفضا جدا كون عدد الاقباط كبيرا، وشعور المصريين بالحماية الجمعية يبقى مرتفعا برغم أي ظروف.
قد يأتيك من يقول إن القصة ليست قصة المسيحيين العرب، فكل المنطقة العربية مستهدفة، والمسلمون العرب ذاتهم هربوا الى كل مكان، وبيئة العيش باتت مستحيلة، على الجميع، وان قتل الملايين وتشريدهم مستمر منذ عشرات السنين، ومن الطبيعي ان يحاول كل إنسان النجاة بنفسه مسلما كان أو مسيحيا من ويلات هذه المنطقة، وقد يكون هذا الكلام صحيحا، لكنه لا ينهي مسؤوليتنا تجاه مكونات المنطقة، وتركها أمام حالة إعادة الإنتاج، والعبث بتكوينها، وتخريبها، مقابل تصنيع الفراغ.
المطران عطا الله حنا، شخصية تستحق الاحترام، فقد تصرف بروح نحض عليها، وقد رأينا قبل سنوات عندما أغلقت إسرائيل المسجد الأقصى، كيف شارك مع المسيحيين الفلسطينيين في الاعتصامات الليلية، وبعضهم شارك في صلاة العشاء، فالقصة هنا، قصة وجه المنطقة، وتكوينها، الواجب حمايته، فلا نفرط بالمسيحي، تحت مبرر ان المسلم مستهدف، أيضا، ولا نقبل حتى بمنطق الأكثرية والأقلية، فهو منطق سيئ، بل نعزز منطق الشراكة والمواطنة، كون الكل أبناء هذه المنطقة، وينتمون اليها.
المعركة على هوية المنطقة مفتوحة، ولم تنته، وهي معركة تشمل التاريخ، والتراث، والهوية، والإنسان بكل ارثه الشخصي أو الثقافي، وإذا بقينا هكذا، سنصحو على منطقة جديدة، سيفر كل سكانها تحت وطأة الحروب والفقر والفساد والتمييز والكراهية والجوع والمرض، فيما واجبنا أن نصون جذرها التاريخي، ووحدتها الاجتماعية والثقافية.الغد