ذكرى تعريب قيادة الجيش العربي
د. فيصل الغويين
جو 24 : في صباح يوم 1 آذار 1956 دق الهاتف في مكتب سمير الرفاعي رئيس الوزراء، وقال له متحدث من القصر الملكي :"سيدنا في طريقه الآن إلى مكتب رئيس الوزراء". وصل الملك حسين مع رئيس وزرائه إلى مكتبه، وهناك اخرج من جيبه ورقة سلمها إلى الرفاعي قائلا :"هذا أمر ملكي وأريد تنفيذه على الفور".
وقرأ الرفاعي الأمر الملكي :" قررنا إنهاء خدمة الفريق السير "جون باجوت غلوب" باشا ابتداء من هذه اللحظة، وعليه أن يغادر البلاد فورا"، وغادر الملك مقر رئاسة الوزراء.
وطلب سمير الرفاعي استدعاء وزير الدفاع فلاح المدادحة، وأخطره بأمر الملك، ثم طلب دعوة (غلوب) لمقابلته، ووصل غلوب إلى مكتب رئيس الوزراء الذي ابلغه بالأمر الملكي، وخرج غلوب من مكتب رئيس الوزراء متوجهاً إلى السفارة البريطانية ليقابل السفير ويخبره بما جرى. وبعد استعراض لكل التطورات طرح السفير تشارلز جونستون تساؤلا ألحّ عليه "من تظنه وراء هذا الأمر أو على علم مسبق به : المصريون أو غيرهم؟ هل تظن أن أصدقائنا الأمريكان على علم بهذا الموضوع؟
وجلس السفير البريطاني يكتب برقية إلى وزارة الخارجية في لندن التي وقع عليها النبأ وقع الصاعقة، وأسرع السفير عند منتصف الليل برسالة من أنتوني إيدن إلى الملك يقول فيها مهددا :" إن العواقب ستكون وخيمة جدا عليك شخصيا وعلى الملكية، وعلى مستقبل الأردن كله".
وقد نص قرار مجلس الوزراء رقم 698 على ما يلي:
1- إنهاء خدمات الفريق غلوب من منصب رئيس أركان الجيش العربي الأردني.
2- ترقية العقيد راضي عناب إلى رتبة لواء، وتعيينه بمنصب رئيس أركان الجيش العربي الأردني.
3- إنهاء خدمة العقيد (وليم هاتون) مدير دائرة الخدمات.
4- إنهاء خدمة العقيد (باتريك كوجهل) رئيس دائرة الاستخبارات العسكرية.
وكانت حركة التنظيم السري للضباط الوطنيين في الجيش العربي التي تأسست عام 1950 لطرد القيادة الأجنبية من الجيش العربي، قد تضاعفت جهودها هذه بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر عام 1952، وتم تغيير اسم الحركة من التنظيم السري للضباط الوطنيين إلى حركة الضباط الأحرار الأردنيين، وذلك تيمناً بالحركة المصرية. وكان للمد القومي الذي شهدته الدول العربية بعد الثورة المصرية الأثر الأكبر في إصرار أعضاء حركة الضباط الأحرار على السير على خطى مصر في التحرر من الهيمنة البريطانية على الأردن، وذلك من خلال انجاز نفس المهمة الثورية التي نفذها الضباط الأحرار في مصر، غير أن هدفهم لم يكن الملك حسين بل غلوب، الذي كان يمثل رمزا للسيطرة الأجنبية على الجيش، والحياة السياسية والاقتصادية في الأردن.
وحول الدوافع التي حدت بالملك حسين لاتخاذ هذا القرار، يقول الحسين :" لقد كان السبب الرئيسي في عزل غلوب يقوم على عدم التفاهم بيننا، وعلى خلافنا حول مسالتين جوهريتين هما : دور الضباط العرب في جيشنا، وإستراتيجيته الدفاعية، فأحد واجباتي كملك هو تحقيق الأمن لشعبي وبلادي، لو لم أقم باستبداله لما كنت قد مارست أعباء مسؤولياتي، إن ما تم كان من الواجب أن يتم... لقد كنت وغلوب مختلفين تمام الاختلاف حول موضوع أساسي؛ فقد كنت ارغب في ترفيع الضباط الأردنيين إلى المناصب العليا في الجيش، وفي أن يتولى قيادته طبقا لخطة واقعية... وقد كان عليّ أن أعطي الأردنيين مزيداً من المسؤوليات، وكان وجود غلوب يقف عائقاً أمامي دون تحقيق ذلك... وقد أصبح غلوب احد الرجال الأوسع سلطة في البلاد"
وفي رده على استيضاح السفير البريطاني في عمان حول الأسباب التي حملت الملك على اتخاذ مثل هذا القرار، أشار الملك الحسين إلى الجهود التي بذلها للدفاع عن غلوب ضد الدعاية المصرية، ولكنه لم يظهر أي تعاون معه لتفادي مثل هذه الدعاية، لذا كان لابد من القيام بما هو ضروري لشرف الأردن وسلامته. وفي حديث آخر عبر عن شعوره بقوله :" طالما بقي غلوب في القيادة بالأردن فان كل حكومة أردنية سوف تستشيره أو تستشير السفارة البريطانية قبل ملكها عندما تواجه بقرار سياسي هام"
وكان الملك حسين يشعر بالحرج لكون رئيس أركان جيشه أجنبيا، ويزعجه أن تذكر الدعايات في الخارج والداخل أن غلوب هو السيد المطلق، أو الحاكم الفعلي والدكتاتور في الأردن. كما كان غلوب يتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وخاصة الانتخابات النيابية، وكان قانون الانتخاب يسمح للجيش بالاقتراع في ثكناته، مما جعل مصير المرشحين بين يدي غلوب، فكان يوعز إلى الضباط بالاقتراع لمصلحة المرشحين الذين يختارهم، وكانت نتائج الاقتراع تصل إليه فيبلغها بدوره إلى الحكومة.
وقد اتهمت بريطانيا عبد الناصر انه وراء هذه العملية. وكان (سلوين لويد) وزير الخارجية البريطاني قد وصل القاهرة في بداية آذار، ولم يكن لدى احد علم بما كان يجري في نفس الوقت في عمان. وعندما علم بالقرار اعتقد لويد أن عبد الناصر كان يعلم بالقرار، وانه رتب ذلك بحيث يتوافق مع يوم وجوده في القاهرة. وكان عبد الناصر قد أخبر الوزير البريطاني في أول اجتماع لهما بان أيام غلوب في الأردن باتت معدودة، الأمر الذي رجّح قناعته بان عبد الناصر رتّب موعد الاستغناء عن كلوب بحيث يتوافق مع موعد زيارته للقاهرة، امعاناً في إهانته وإهانة الحكومة البريطانية. وهاجمت الصحافة البريطانية عبد الناصر بشدة، وقام غلوب بدور في ذلك. وبينما شنت الصحافة المصرية حملتها على بريطانيا، مدحت الملك حسين لعزله غلوب.
وأثار قرار التعريب ردود فعل ايجابية على الصعيد المحلي؛ فقد شهدت البلاد مظاهرات طلابية سلمية، اشتركت فيها الأحزاب السياسية في الأردن، وأخذت تهتف ضد حلف بغداد والاستعمار، كما هتفت بحياة جمال عبد الناصر. أما الصحف الأردنية فقد تصدر صفحاتها في الأيام الثلاث التالية ليوم الإعفاء، وبعناوين بارزة أخبار إعفاء غلوب، وقيام المظاهرات، ثم تعليقات وافتتاحيات تشيد بموقف الملك حسين، وتشكره على قراره التاريخي.
كما بدأ دور القوى والأحزاب الوطنية يتعاظم في الأردن، وتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإيقاف محطة التشويش على إذاعة صوت العرب، وإلغاء قانون الإشراف على البدو؛ لان غلوب كان هو المشرف الحقيقي على قوات البادية.
وعلى المستوى العربي كانت ردود الفعل ايجابية وفورية، وخاصة في مصر وسوريا والسعودية، وزادت هذه الخطوة من التقارب العربي؛ فقد عقد عبد الناصر وشكري القوتلي والملك سعود مؤتمراً في القاهرة، صدر عنه بيان جاء فيه :" تم الاتفاق على التأييد الكامل للأردن ومساندته ضد أي ضغط أجنبي أو أي عدوان صهيوني، بما يكفل للشعب الأردني الباسل تحقيق غايته، وقد اتصل المؤتمر بحضرة صاحب الجلالة الملك حسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية لإبلاغه بذلك، وتأييد ما سبق الإعراب عنه من الاستعداد التام الأكيد بمعاونة الأردن والوقوف بجانبه"
وقرأ الرفاعي الأمر الملكي :" قررنا إنهاء خدمة الفريق السير "جون باجوت غلوب" باشا ابتداء من هذه اللحظة، وعليه أن يغادر البلاد فورا"، وغادر الملك مقر رئاسة الوزراء.
وطلب سمير الرفاعي استدعاء وزير الدفاع فلاح المدادحة، وأخطره بأمر الملك، ثم طلب دعوة (غلوب) لمقابلته، ووصل غلوب إلى مكتب رئيس الوزراء الذي ابلغه بالأمر الملكي، وخرج غلوب من مكتب رئيس الوزراء متوجهاً إلى السفارة البريطانية ليقابل السفير ويخبره بما جرى. وبعد استعراض لكل التطورات طرح السفير تشارلز جونستون تساؤلا ألحّ عليه "من تظنه وراء هذا الأمر أو على علم مسبق به : المصريون أو غيرهم؟ هل تظن أن أصدقائنا الأمريكان على علم بهذا الموضوع؟
وجلس السفير البريطاني يكتب برقية إلى وزارة الخارجية في لندن التي وقع عليها النبأ وقع الصاعقة، وأسرع السفير عند منتصف الليل برسالة من أنتوني إيدن إلى الملك يقول فيها مهددا :" إن العواقب ستكون وخيمة جدا عليك شخصيا وعلى الملكية، وعلى مستقبل الأردن كله".
وقد نص قرار مجلس الوزراء رقم 698 على ما يلي:
1- إنهاء خدمات الفريق غلوب من منصب رئيس أركان الجيش العربي الأردني.
2- ترقية العقيد راضي عناب إلى رتبة لواء، وتعيينه بمنصب رئيس أركان الجيش العربي الأردني.
3- إنهاء خدمة العقيد (وليم هاتون) مدير دائرة الخدمات.
4- إنهاء خدمة العقيد (باتريك كوجهل) رئيس دائرة الاستخبارات العسكرية.
وكانت حركة التنظيم السري للضباط الوطنيين في الجيش العربي التي تأسست عام 1950 لطرد القيادة الأجنبية من الجيش العربي، قد تضاعفت جهودها هذه بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر عام 1952، وتم تغيير اسم الحركة من التنظيم السري للضباط الوطنيين إلى حركة الضباط الأحرار الأردنيين، وذلك تيمناً بالحركة المصرية. وكان للمد القومي الذي شهدته الدول العربية بعد الثورة المصرية الأثر الأكبر في إصرار أعضاء حركة الضباط الأحرار على السير على خطى مصر في التحرر من الهيمنة البريطانية على الأردن، وذلك من خلال انجاز نفس المهمة الثورية التي نفذها الضباط الأحرار في مصر، غير أن هدفهم لم يكن الملك حسين بل غلوب، الذي كان يمثل رمزا للسيطرة الأجنبية على الجيش، والحياة السياسية والاقتصادية في الأردن.
وحول الدوافع التي حدت بالملك حسين لاتخاذ هذا القرار، يقول الحسين :" لقد كان السبب الرئيسي في عزل غلوب يقوم على عدم التفاهم بيننا، وعلى خلافنا حول مسالتين جوهريتين هما : دور الضباط العرب في جيشنا، وإستراتيجيته الدفاعية، فأحد واجباتي كملك هو تحقيق الأمن لشعبي وبلادي، لو لم أقم باستبداله لما كنت قد مارست أعباء مسؤولياتي، إن ما تم كان من الواجب أن يتم... لقد كنت وغلوب مختلفين تمام الاختلاف حول موضوع أساسي؛ فقد كنت ارغب في ترفيع الضباط الأردنيين إلى المناصب العليا في الجيش، وفي أن يتولى قيادته طبقا لخطة واقعية... وقد كان عليّ أن أعطي الأردنيين مزيداً من المسؤوليات، وكان وجود غلوب يقف عائقاً أمامي دون تحقيق ذلك... وقد أصبح غلوب احد الرجال الأوسع سلطة في البلاد"
وفي رده على استيضاح السفير البريطاني في عمان حول الأسباب التي حملت الملك على اتخاذ مثل هذا القرار، أشار الملك الحسين إلى الجهود التي بذلها للدفاع عن غلوب ضد الدعاية المصرية، ولكنه لم يظهر أي تعاون معه لتفادي مثل هذه الدعاية، لذا كان لابد من القيام بما هو ضروري لشرف الأردن وسلامته. وفي حديث آخر عبر عن شعوره بقوله :" طالما بقي غلوب في القيادة بالأردن فان كل حكومة أردنية سوف تستشيره أو تستشير السفارة البريطانية قبل ملكها عندما تواجه بقرار سياسي هام"
وكان الملك حسين يشعر بالحرج لكون رئيس أركان جيشه أجنبيا، ويزعجه أن تذكر الدعايات في الخارج والداخل أن غلوب هو السيد المطلق، أو الحاكم الفعلي والدكتاتور في الأردن. كما كان غلوب يتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وخاصة الانتخابات النيابية، وكان قانون الانتخاب يسمح للجيش بالاقتراع في ثكناته، مما جعل مصير المرشحين بين يدي غلوب، فكان يوعز إلى الضباط بالاقتراع لمصلحة المرشحين الذين يختارهم، وكانت نتائج الاقتراع تصل إليه فيبلغها بدوره إلى الحكومة.
وقد اتهمت بريطانيا عبد الناصر انه وراء هذه العملية. وكان (سلوين لويد) وزير الخارجية البريطاني قد وصل القاهرة في بداية آذار، ولم يكن لدى احد علم بما كان يجري في نفس الوقت في عمان. وعندما علم بالقرار اعتقد لويد أن عبد الناصر كان يعلم بالقرار، وانه رتب ذلك بحيث يتوافق مع يوم وجوده في القاهرة. وكان عبد الناصر قد أخبر الوزير البريطاني في أول اجتماع لهما بان أيام غلوب في الأردن باتت معدودة، الأمر الذي رجّح قناعته بان عبد الناصر رتّب موعد الاستغناء عن كلوب بحيث يتوافق مع موعد زيارته للقاهرة، امعاناً في إهانته وإهانة الحكومة البريطانية. وهاجمت الصحافة البريطانية عبد الناصر بشدة، وقام غلوب بدور في ذلك. وبينما شنت الصحافة المصرية حملتها على بريطانيا، مدحت الملك حسين لعزله غلوب.
وأثار قرار التعريب ردود فعل ايجابية على الصعيد المحلي؛ فقد شهدت البلاد مظاهرات طلابية سلمية، اشتركت فيها الأحزاب السياسية في الأردن، وأخذت تهتف ضد حلف بغداد والاستعمار، كما هتفت بحياة جمال عبد الناصر. أما الصحف الأردنية فقد تصدر صفحاتها في الأيام الثلاث التالية ليوم الإعفاء، وبعناوين بارزة أخبار إعفاء غلوب، وقيام المظاهرات، ثم تعليقات وافتتاحيات تشيد بموقف الملك حسين، وتشكره على قراره التاريخي.
كما بدأ دور القوى والأحزاب الوطنية يتعاظم في الأردن، وتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإيقاف محطة التشويش على إذاعة صوت العرب، وإلغاء قانون الإشراف على البدو؛ لان غلوب كان هو المشرف الحقيقي على قوات البادية.
وعلى المستوى العربي كانت ردود الفعل ايجابية وفورية، وخاصة في مصر وسوريا والسعودية، وزادت هذه الخطوة من التقارب العربي؛ فقد عقد عبد الناصر وشكري القوتلي والملك سعود مؤتمراً في القاهرة، صدر عنه بيان جاء فيه :" تم الاتفاق على التأييد الكامل للأردن ومساندته ضد أي ضغط أجنبي أو أي عدوان صهيوني، بما يكفل للشعب الأردني الباسل تحقيق غايته، وقد اتصل المؤتمر بحضرة صاحب الجلالة الملك حسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية لإبلاغه بذلك، وتأييد ما سبق الإعراب عنه من الاستعداد التام الأكيد بمعاونة الأردن والوقوف بجانبه"