الأبعاد القومية لحرب 6 تشرين الأول/ اكتوبر 1973
جاءت حرب عام 1973، كنتيجة طبيعية لنتائج حرب عام 1967، وقد شهدت الفترة ما بين الحربين سلسلة من الأعمال الحربية، فيما عرف بحرب الاستنزاف على الجبهات: المصرية، والأردنية، والسورية.
وفي المدة بين حربي 67 و 73، نشطت الدبلوماسية العربية، من أجل توضيح طبيعة اسرائيل الاستعمارية والعنصرية، وتعبئة الرأي العام العالمي، لدعم انسحاب القوات الاسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب 67.
انتهت تلك الجهود إلى الفشل، وأصبح خيار الحرب هو الخيار المطروح، أمام دول المواجهة العربية، وخصوصا مصر وسورية.
رأت القيادتان السياسيتان في مصر وسورية أن العوامل والظروف العربية والدولية، إضافة إلى العوامل والاستعدادات الداخلية الخاصة بكل من القطرين، توفر لهما القدرة على التخطيط لعملية عسكرية مشتركة.
ومن أجل البدء بذلك، تم تعيين الفريق احمد اسماعيل علي، القائد العام للقوات المسلحة المصرية، قائدا عاما للقوات المسلحة الاتحادية. وبدء بدراسة الوضع في الجبهتين، والتخطيط للضربة الجوية المشتركة لإضعاف القوات الجوية الإسرائيلية.
تميزت القيادة العسكرية المشتركة، التي أقامتها مصر وسوريا، بالقدرة على الإعداد للحرب، والتخطيط لها على أساس انطلاقها من مسرحي عمليات لا رابط جغرافيا بينهما.
اجتمع الرئيسان المصري أنور السادات، والسوري حافظ الأسد في الاسكندرية في شباط 1973، واتخذا قرارا بالحرب، بغرض تحرير الأراضي المصرية والسورية المحتلة عام 1967، وتوظيف نتائج الحرب لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بدر
سميت خطة العمليات المشتركة للحرب " خطة بدر"، وتتابعت الاجتماعات العسكرية المشتركة في القاهرة ودمشق. وتقرر أن يكون يوم الهجوم هو السبت 10 رمضان 1393، الموافق يوم 6 تشرين الأول 1973.
ومن الأسباب التي دعت إلى تبني هذا القرار:
1- ملائمة هذا التاريخ للظروف المائية في قناة السويس، إذ أن التفاوت بين المد والجزر في ذلك اليوم يكون في الحد الأقصى المسموح به لنصب الجسور العائمة.
2- يتوقف الاسرائيليون في هذا اليوم عن العمل، بسبب عيد يوم الغفران لديهم.
3- وقوع هذا التاريخ في شهر رمضان الذي يستبعد الاسرائيليون قيام العرب بهجوم فيه
4-ملائمة هذا التاريخ ظروف الطقس في الجبهة السورية.
الخطة المصرية
لم يكد غبار حرب 1967 يهدأ، حتى بدأت مصر في تكوين مفهومها الاستراتيجي للمرحلة المقبلة، وبدء يرسم الخطوط الرئيسة لخطة التحرير، وإثر الانتهاء من إعداد الخطة، التي سميت " الخطة 22"، عرضت على عبد الناصر فوافق عليها، وأوصى بالتمسك بأهدافها وأسسها. وكان عبد الناصر يقدر أواخر عام 1967، أن المدة اللازمة للتدريب والتسليح تتراوح بين 3 سنوات و 5 سنوات.
وضعت القيادة العسكرية المصرية مشروعا استراتيجيا تدريبيا على مستوى الدولة. وكان من المفترض أن ينفذ هذا المشروع الشامل لاختبار "الخطة 200" اختبارا عمليا في عام 1970، غير أن وفاة عبد الناصر في 28 أيلول 1970، أدت إلى تأجيل المشروع، لينفذ في آذار 1971، ونص المشروع على أن يتم تحرير سيناء في 12 يوما.
الخطة السورية
وضعت القيادة السورية خطة تحرير الجولان، على أساس القيام بعملية واسعة خاطفة مفاجئة، تمتد على طول الجبهة، واختراق التحصينات الاسرائيلية، والاستفادة القصوى من وجود جبهتين تعملان معا.
نصت الخطة السورية " بدر " بشكل عام على مرحلة ثانية من الهجوم عبر نهر الأردن نحو الجليل الأعلى، وفي حال تدخل الأمم المتحدة لفرض وقف اطلاق النار، قبل أن يتمكن السوريون من تنفيذ هذه المرحلة، أو لاحتمال وجود السيطرة الجوية الاسرائيلية، فقد قدر السوريون أنهم إذا استطاعوا استرداد كامل الجولان أو القسم الأعظم منه، فإن ذلك يعتبر نجاحا كافيا.
الخداع الاستراتيجي
تضمنت خطة العمليات " بدر" في الجبهتين مجموعة من تدابير الخداع الاستراتيجي، هدفها خداع اسرائيل عن نية شن عملية هجومية، واخفاء توقيتها، وحجم القوات العربية المشتركة فيها، ومن هذه التدابير:
1- بناء خطوط الدفاع، حتى يبدو أن الجهد الرئيس منصب على الاستعداد للدفاع.
2- الابقاء على مظاهر الحياة والحركة اليومية العادية للقوات المعدة للهجوم حتى لحظة بدء العمليات.
3- حصر المعلومات المتعلقة بخطة وتوقيت الهجوم في أضيق إطار ممكن، ولذلك لم يبلغ قادة الفرق بموعد الهجوم إلا ليلة 5 تشرين الأول، ولم يبلغ هؤلاء قادة الألوية إلا صباح يوم 6 تشرين الأول، ثم أبلغ قادة مجموعات الاقتحام الأولى قبل الموعد بثلاث ساعات.
4- تحريك قوات في اتجاهات مختلفة وثانوية، مع التغيير المستمر في حجم القوات البرية وأوضاعها.
5- استدعاء أفراد القوات الاحتياطية على دفعات منتظمة.
6- الإعلان عن تسريح 20 ألف جندي مصري قبل بدء الهجوم بثمان وأربعين ساعة، من قبل اللتمويه.
7- الإعلان في الصحف المصرية، عن فتح باب قبول طلبات العسكريين لأداء العمرة.
8- تحديد موعد لزيارة وزير دفاع رومانيا يوم 8 تشرين الأول، وإعلان ذلك في الصحف مع برنامج الزيارة.
ويكمن القول أن هذه التدابير وغيرها، قد حققت نجاحا كبيرا، أدى إلى وصول أجهزة الاستخبارات العالمية، وعلى رأسها الأمريكية والاسرائيلية، إلى استنتاجات خاطئة، ولهذا فوجئ العالم بالهجوم العربي المباغت.
وقائع الحرب
الجبهة المصرية:
حوالي الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 6 تشرين عبرت مئات الطائرات المصرية والسورية خطوط وقف اطلاق النار، متجهة إلى مواقع العدو الاسرائيلي، وفي الوقت نفسه، فتحت ألوف المدافع نيرانها على طول جبهة قناة السويس وجبهة الجولان.
واجهت اسرائيل الهجوم المصري بهجمات جوية متتالية على مناطق العبور، فتصدى لها جدار الدفاع الجوي، وكانت النتيجة أن ثلاث طائرات من كل خمس طائرات اسرائيلية أسقطت في الغارات الأولى.
سقط خط بارليف بأيدي القوات المصرية في اليوم الثاني من القتال، إلا ان تغرة الدفرسوار كانت النقطة التي بدا عندها الخط البياني للحرب في الجبهة المصرية يتوقف عن الصعود انتصارا، ليسير في اتجاه التوازن، ثم في اتجاه تحجيم بعض المكاسب التي حققها العبور، وعلى دفع الحرب إلى الخروج من ميدان القتال وزجها في دائرة السياسة والتفاوض، وصولا إلى اتفاقيات كامب ديفيد.
الجبهة السورية: عبرت مجموعات من الطائرات السورية خط وقف اطلاق النار، وفتحت المدافع نيرانها لتصب على المواقع الاسرائيلية في الجولان، وفي إثر ذلك، اندفعت الموجات الأولى من الدبابات والناقلات المدرعة نحو "خط آلون" على طول الجبهة من مجدل شمس شملا، حتى خط وادي اليرموك جنوبا. وتمكنت طائرات عمودية من انزال قوة مغاوير على قمة جبل الشيخ، حيث هاجموا حامية المرصد الاسرائيلي، وتم الاستيلاء على المرصد بعد نصف ساعة من القتال العنيف.
حقق الهجوم السوري نجاحات أولية سريعة؛ إذ تمكنت القوات السورية من اختراق خط الدفاع الاسرائيلي إلى عمق 20 كم داخل الهضبة، حتى أصبحت على مشارف بحيرة طبرية.
ولأن الجبهة السورية كانت تمثل الخطر المباشر على القسم الشمالي من اسرائيل، أمرت القيادة الاسرائيلية القوات الجوية أن تنقل مركز ثقلها إلى هذه الجبهة، وهكذا استمر الطيران الاسرائيلي في تركيز هجومه على القوات السورية، رغم الخسائر التي لحقت به نتيجة لقوة الدفاع الجوي السوري.
أدى اشتراك القوات الجوية الاسرائيلية، مع توقف تقدم القوات المصرية داخل سيناء، إلى تدمير عدد كبير من المدرعات السورية، وهو ما ساعد القوات البرية الاسرائيلية على صد الهجوم السوري، والانتقال إلى الهجوم المضاد.
أثناء الهجوم الاسرائيلي المضاد، وصل لواء مدرع عراقي إلى سورية، بعد رحلة قطع فيها 1200 كلم، وتمركز جنوبي دمشق، ثم دخل اللواءان المدرعان (40 و 92) الأردنيان، وباشرت القوات العراقية والأردنية عملياتها، بهجمات مضادة على القوات الاسرائيلية، وخصوصا في القطاع الجنوبي.
أخذت القوات السورية التي أعيد تنظيمها وتسليحها، إضافة إلى القوات الأردنية والعراقية، تستعد لشن هجوم مضاد. وكانت القيادة العسكرية السورية قد خططت للقيام بهذا الهجوم، لمنع العدو من تحصين وضعه الدفاعي، ولتخفيف الضغط على الجبهة المصرية بعد نجاح الخرق الاسرائيلي في تغرة الدفرسوار، ومحاصرة الجيش الثالث المصري.
وهكذا وزعت في 20 تشرين الأول، المهام على القوات السورية والعراقية والأردنية، والقوات العربية الأخرى. وكان حجم القوات المشتركة في الهجوم المضاد كافيا لرد القوات الاسرائيلية المتقدمة، ثم متابعة الهجوم لتحرير كامل هضبة الجولان، على الرغم من الأسلحة الكثيرة والحديثة التي تلقتها اسرائيل آنذاك من الولايات الامتحدة الأمريكية.
في هذه الأثناء صدر قرار مجلس الأمن الدولي (338) في 22 تشرين الأول بوقف اطلاق النار. وقد فوجئت سورية بقبول مصر القرار، فاضطرت إلى وقف تنفيذ خطة الهجوم، وقيول وقف اطلاق النار.
في أثر توقف اطلاق النار على الجبهة السورية، أخذت اسرائيل تراوغ في رسم خط وقف النار، وهو ما دفع القيادة السورية إلى استئناف الأعمال العسكرية في 13 آذار 1974، على طول الجبهة.
بقيت المبادرة خلال هذه الحرب التي دامت 80 يوما، بيد القيادة السورية، التي كانت تنتقل من تصعيد إلى آخر، بحسب مقتضيات الموقف.
توقفت الأعمال القتالية مع التوقيع على اتفاقية الفصل بين القوات السورية، والقوات الاسرائيلية في نهاية شهر أيار 1974، وانسحاب اسرائيل من الجيب المحتل، ومن مدينة القنيطرة، ومن أجزاء أخرى من الأرض السورية التي احتلت عام 1967.
بلغت الخسائر الإسرائيلية نحو 2600 جندي، وقرابة 9 آلاف جريح، بينما كانت الجبهتان في سوريا ومصر قد خسرتا نحو 10 آلاف شهيد، وهو ما يعني خسائر إسرائيلية أكبر بالنظر إلى حجمها الديمغرافي.
الدور الأمريكي
هرعت الولايات المتحدة إلى نجدة اسرائيل، بعد أن قدم سفيرها في واشنطن تقريرا إلى الحكومة الأمريكية في 12 تشرين الأول 1973، جاء فيه :" إن مستقبل دولة اسرائيل في خطر". فأمر الرئيس نيكسون في اليوم التالي بإقامة جسر جوي لتزويد اسرائيل بكل ما تطلبه " حتى لو أدى ذلك إلى تفريغ المستودعات من الاحتياطات الأمريكية المعدة للحرب".
وهكذا حمل الجسر الجوي الامريكي (72900) طن من الأسلحة والمعدات، في حين نقل الجسر الجوي السوفييتي إلى مصر وسورية أسلحة وذخائر زنتها (16000) طن.
كما كانت الولايات المتحدة تزود اسرائيل بالمعلومات والصور التي تلتقطها طائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية الأمريكية. وهو ما ساعد اسرائيل على خرق الجبهة المصرية في الدفرسوار، والجبهة السورية من الجنوب.
سلاح النفط
تميزت الاستراتيجية العربية الشاملة في حرب 73 باتساع أفقها، وتنوع مجالاتها، وبذلك اشتركت " أسلحة غير عسكرية" في الحرب، كان " سلاح النفط أبرزها، وأشدها أثرا.
فقد عقد وزراء النفط العرب اجتماعا في الكويت، في 17 تشرين الأول، وأقروا خفض انتاج النفط فورا بنسبة شهرية متكررة لا تقل عن 5%، حتى يتم جلاء القوات الاسرائيلية عن جميع الأراضي المحتلة عام 67، وحتى يستعيد الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية الثابتة، وأن يكون حظر التصدير كاملا إلى الولايات المتحدة وهولندا.
وبعد وقف اطلاق النار، عاد وزراء النفط إلى الاجتماع، وقرروا الاستمرار في الحظر الذي طبقوه، مع زيادة نسبة خفض الانتاج إلى 25%، ما تسبب في صدمة نفطية عالمية.
خلاصات
1- عملت مصر وسورية لإعداد جبهة عربية واسعة تساعدهما على توفير عوامل النجاح في المعركة المنتظرة. فانطلقتا من فكرة أساسية، وهي أنه لا يمكن لبلدان المواجهة أن تخوض مرة أخرى حربا شاملة ضد اسرائيل المدعومة بقوة الصهيونية العالمية، وأسلحة الولايات المتحدة الأمريكية، وتأييد حلفائها في العالم الغربي، ما لم تكن وراء بلدان المواجهة جبهة عربية متماسكة.
2- استطاعت هذه السياسة أن تنجز أعمالا جيدة في ميدان العمل العربي المشترك، ويمكن القول أن تضامن البلدان العربية، وتوحيد الشعور القومي الشعبي، كانا من أبرز مظاهر حرب 1973. وهو مظهر لم يعتد الوطن العربي على تكوينه وابرازه إلا في اللحظات التاريخية المصيرية. على الرغم من أن الحرب جاءت – في توقيتها على الأقل – مفاجئة للأقطار العربية الأخرى، فقد سارعت هذه الدول إلى المساهمة في المعركة، كل بحسب امكاناته.
3- أعطت الحرب شعار " قومية المعركة" معنى تطبيقيا، فعلى الجبهتين المصرية والسورية، قاتلت إلى جانب الجيشين المصري والسوري، قوات من دول عبربية أخرى. وسجلت الحرب صفحة متميزة في التاريخ العسكري العربي المعاصر، حين اشتركت قوات (12) دولة في القتال.
4- ثمة ظاهرة تميزت بها حرب 73، من حيث نتائجها، وخاصة في المجال السياسي، حيث ظهرت مفارقة واضحة بين النتائج العسكرية والسياسية للحرب. وتعود أسباب هذه المفارقة إلى التوجهات والممارسات السياسية التي تميزت بها سياسة الرئيس أنور السادات، وهي سياسة نحت الحكومة المصرية إلى رسم معالم حل جزئي ومنفرد للصراع العربي الاسرائيلي، مستندة إلى مقولة السادات أن حرب 73 هي آخر الحروب، وأن 99% من أوراق الحل في يد أمريكا. وهو ما تجسد لاحقا في اتفاقيتي كامب ديفيد 1974، ثم معاهدة السلام بين مصر واسرائيل عام 1979.
في 6 تشرين الأول 1981 أغتيل أنور السادات خلال العرض العسكري الذي أقيم بمناسبة ذكرى حرب تشرين، ردا على قيامه بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، وقاد العملية خالد الاسلامبولي الذي أعدم لاحقا.