قراءة أردنية للحالة السورية
قد تكون سورية هي البلد الثاني بعد فلسطين في سلم الاهتمامات الأردنية، نظراً للتداخل الإنساني والمصلحي والجغرافي بين الأردن وسورية، فثمة حوالي نصف مليون سوري وسورية وفق معلومات رأس الدولة الأردنية، الملك عبد الله، متزوجون من أردنيين وأردنيات، يعكسون الصلة والقرابة، على طرفي الحدود وفي مسامات القرى المتاخمة، وأبناء العمومة، بين البلدين، يتأثرون بأحوال بعضهم البعض.
وثمة تباينات سياسية وأمنية بين البلدين، وتحالفات متعارضة، تملي عليهما أشكالاً من التناقض بين النظامين، مثلما تفرض رغبة واعية أو واقعية ملزمة للتعايش بينهما.
في وقت مبكر بعد أحداث آذار 2011، بادر الملك عبد الله، وأوفد لمرتين متتاليتين رئيس ديوانه خالد الكركي إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد، حاثاً إياه على ضرورة معالجة الوضع الداخلي بأساليب وأدوات مدنية سياسية، وتحاشي المعالجة الأمنية، لأنها "مطب" وفخ، سيقع فيه، ويشكل حوافز للانقضاض على نظامه، إذا اختار الحل الأمني وسقط ضحايا اعتماداً على هذا الخيار، ولكن النصيحة الأردنية لم تجد أذناً صاغية لدى أصحاب القرار في دمشق، ولذلك وصف الملك وضع الرئيس السوري على أنه أسير للحالة الداخلية ولمكونات نظام اللون الواحد والطائفة والعائلة.
في رده على سؤال تشارلي روز، من على شاشة سي . بي . إس، إلى أين تتجه الأمور في سورية، رد الملك بقوله: لا أحد يعلم تحديداً !.
منذ بداية الأحداث السورية، كان الموقف الأردني ولا يزال التطلع إلى الحل السياسي، وهو الخيار الأفضل لكل الأطراف، لتحاشي المشكلة المتفاقمة التي بدأت مظاهرها تبرز باتجاه "العنف الطائفي وبداية حرب أهلية" على حد وصف الملك عبد الله، وضرورة البحث "عن انتقال سلمي للسلطة، ومن المهم جداً إقناع المعارضة أن تمد يدها إلى العلويين، بحيث يشعرون أن لهم مصلحة ومكانة في مستقبل سورية" ولكنه يغمز في قناة من يقودون الحالة السورية من طرف المعارضة ومن يقفون معها وخلفها ويدعمونها بقوله "لا أعرف إن كنا نقوم بما يجب في هذا السياق"، أي عدم التوجه لجمع الأطراف السورية من الداخل والخارج وبين النظام والمعارضة.
الأردن يشعر بالقلق، نحو الحالة السورية، لأن ثمة دولة تنهار، قد تكون نتيجتها قيام كيان كردي شبه مستقل في شرق شمال سورية أسوة بالحالة الكردية شمال العراق، وأسوأ من ذلك تمزق سورية لكيانات متعددة، يقف في مقدمتها قيام كيان علوي إلى جانب المنطقة الكردية وضياع وحدة سورية واستقرارها لسنوات طويلة، والأردن يشعر بالقلق، لأن الحالة السورية، ستشكل حالة استقطاب عربي ودولي طاردة عن الاهتمام بالوضع الفلسطيني، ففلسطين وأمنها ومستقبلها له تبعات مؤثرة على الأردن، واستمرار البرنامج الإسرائيلي الاستعماري التوسعي يؤثر مباشرة على الأردن بعد فلسطين، وغياب الاهتمام العربي والدولي عن فلسطين، يمنح الإسرائيليين فرصة مجانية لمواصلة تمزيق الجغرافيا الفلسطينية ويحول دون قيام دولة فلسطينية، بعد استكمال تهويد القدس وأسرلتها، وتوسيع الاستيطان في قلب الضفة وبعثرتها وبدء عمليات تهويد الغور لتحول دون قيام حدود أردنية فلسطينية، بل مجرد معابر أردنية فلسطينية مسيطر عليها إسرائيلياً.
الأردن لا يسعى للتورط في الصراع السوري، ولن يكون طرفاً في هذا الصراع، ويجب أن لا يكون، لأن سورية ستتحول إلى محرقة، ستؤذي كل من يتورط فيها، فالصراع لم يعد بين نظام متسلط، وبين حركة سياسية معارضة تتوسل الديمقراطية والتعددية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ولم يعد الحل الأمني خيار النظام وحده، بل هو خيار متبادل، بين النظام وجيش المعارضة، والصراع الدموي أدواته محلية، ولكنه يعكس صراعاً عربياً دولياً، يقف في جبهته لمصلحة النظام : حزب الله وجزء من النظام العراقي وإيران ومعهم روسيا والصين، ويقف في جبهة المواجهة الأخرى : تركيا والنظام الخليجي وأميركا وأوروبا وبالباطن معهم إسرائيل، ولا حدا أحسن من حدا، كلاهما يتجاوز حقوق الإنسان ويسعى نحو السلطة، بأدواته المحلية ومعتمداً على المساعدات الخارجية، لا مصلحة للشعب السوري لها وبها، فهو الذي يدفع الثمن بالموت والدمار والإفقار واللجوء.
الأردن، لا خيار له بالانحياز لهذا الطرف أو ذاك، ليس لأنهما على باطل، أو لا يملكان الشرعية لأحدهما أو لكليهما، بل ثمة موقف سياسي ومبدئي يُفترض أن يتمسك به يقوم على العوامل التالية:
أولاً : أن لا نتدخل بشؤون الآخرين حتى لا نسمح للآخرين أن يتدخلوا بشؤوننا.
ثانياً : إن الصراع المسلح بينهما أضاع الأولويات وسيؤدي إلى تدمير قدرات سورية أمام العدو الإسرائيلي الذي ما زال يحتل أرض الجولان.
ثالثاً: إن السماح بالتدخل الأجنبي في بلد عربي سيفتح المجال للتدخل واستباحة بلد آخر، ومنذ الاجتياح العراقي للكويت، طالب الأردن بالحل العربي بعيداً عن الحروب والتدخلات الأجنبية، ولا يزال المطلب الأردني صائباً.
رابعاً: إن الحرب الدائرة على أرض سورية، ولّدت الكوارث على الشعب السوري، وها هو التهجير يعود على الأردن بالأذى، والأردن لا يستطيع إقفال حدوده أمام معاناة المتضررين من الأشقاء السوريين، ولكن الأردن في نفس الوقت، بلد فقير يُعاني من ظروف اقتصادية صعبة لا يستطيع تحمل المزيد من الأعباء وتدفق اللاجئين إلى أرضه.
خامساً : الحل السياسي هو الأمثل وجلوس طرفي الصراع على طاولة الحوار، عبر التفاهم وصولاً إلى الاتفاق، بما يخدم مصالح الشعب السوري ويحمي وطنه، من الدمار والخراب والتمزق.
الأردن يمنع مجموعات أصولية متطوعة، من الانتقال نحو سورية، ليحول دون انخراط عناصر أردنية في الصراع، وهو بذلك يمنع تورط الأردنيين في الصراع المسلح، لا مصلحة لنا فيه، ولا مصلحة لنا في تورط عناصر أو أحزاب أو مجموعات في الصراع السوري المسلح أو أن يكونوا أحد أدواته أو جزءاً من أفعاله.
الملك ردا على: إلى أين تتجه الأمور في سورية؟ بقوله لا أحد يعلم مع سلسلة الانهيارات والعنف المتبادل والحرب الأهلية !!
h.faraneh@yahoo.com