دور الكتاب الورقي في تظاهرة ثقافية تشهدها العمارة
استقبلت مدينة العمارة (ميسان) جنوب العراق دائرة المعارف الحسينية ومقرها المملكة المتحدة، في ندوة ثقافية حوارية خاصة بالعمل الموسوعي، دعت إليها "مؤسسة الرسالة للثقافة والتطوير الفكري" بمحافظة العمارة بالتنسيق مع المركز الحسيني للدراسات بلندن يوم السابع عشر من تموز يوليو 2012 تحت شعار "مدينة العمارة والولاء تعانق دائرة الحسين وكربلاء"، تحدث فيها الدكتور نضير الخزرجي رئيس وفد الدائرة عن دور الكتاب الورقي بعامة والنتاج الموسوعي بخاصة وأصالتهما في ظل عالم الثورة المعرفية وعولمة المعارف وهيمنة شبكة الإتصالات الدولية (النت).
في البدء تساءل الدكتور الخزرجي: هل نحن بحاجة الى موسوعة خاصة بهذه الشخصية المثالية أو تلك مع وجود الكتب والمؤلفات ووسائل الإعلام المتنوعة والثورة الكبيرة في عالم الإتصالات؟ وهل يحتاج الإمام الحسين(ع) إلى موسوعة مع صدور آلاف الكتب وبأحجام مختلفة عن هذه الشخصية الإصلاحية المثالية في عالم التضحية والفداء؟ ثم وهل البشرية بحاجة إلى كتب أصلا مع القفزة النوعية في عالم شبكة الإتصالات الدولية (النت)؟ ووجد المتحدث أن لا غنى عن الموسوعات كما لا غنى عن الكتاب الورقي أبداً، وتطور الغرب في عالم الإنترنت إنما هو حصيلة الكتاب الورقي وإشاعة ثقافة القراءة في المراحل العمرية الدراسية كلها، ولاسيما في مرحلتي الإبتدائية والثانوية، من خلال إقامة المكتبات العامة في كل حي ودائرة سكنية إلى جانب المنشئات الترفيهية والرياضية، وعند المفاضلة المعرفية فإن الإعتبار يكون للكتاب أولاً لا شبكة النت، وعند المقارنة بين الكتاب والموسوعة تتقدم الموسوعة في سوح المعرفة، من هنا فإن المجتمعات المتحضرة لا تستغني عن الكتاب كما لا تستغني عن الموسوعات.
وتأتي دائرة المعارف الحسينية لمؤلفها الشيخ الدكتور محمد صادق الكرباسي في سياق غربلة التراث الحسيني ومستجداته كما أكد على ذلك المتحدث، لأن الذين كتبوا عن النهضة الحسينية منذ عام 61 للهجرة حتى يومنا كثيرون، وبعضهم كتب من باب التبرك فجاءت الكتابات مكرورة مستنسخة عن أخواتها، وبعضهم كان ناقلاً ينتقي ما يرغب دون تحقيق.
وتطرق الخزرجي إلى جوانب من فوائد العمل الموسوعي، وبخاصة ما يتعلق بالأطاريح والرسائل الجامعية، مستشهداً بعدد منها نهل طلابها من معين دائرة المعارف الحسينية ذات الستين باباً من أبواب المعرفة الإنسانية المتوزعة على الأدب والعمارة والفن والمسرح والشريعة والتاريخ والقرآن والحديث، وغيرها، وفضلا عن ذلك قام عدد من الأدباء وأساتذة الجامعات بالكتابة عن الموسوعة الحسينية وإجراء التحقيقات في جوانب منها، فكتب فيها أو عنها أعلام من جنسيات ومذاهب مختلفة لما وجدوا فيها من ثراء معرفي لا محيص للأمة من الإطلاع عليه، وختم موفد الدائرة كلمته بالتأكيد على دور الموسوعات بعامة والحسينية بخاصة في حفظ تراث الأمة من الضياع أو المصادرة والتحريف، وأهمية الكتابة والتحقيق والتدوين بقطع النظر عن العمر والسن مستشهداً بشخصية فقيه أهل العراق سعيد بن جبير الأسدي المستشهد عام 95هـ الذي رفع شعار "مع المحبرة إلى المقبرة".
الدكتور سعيد الموسوي رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس محافظة ميسان عبر في كلمة قصيرة عن قناعته التامة بأهمية الموسوعات في عالم المعرفة، ونقل السيد الموسوي الذي أدار الندوة أيضا والتي عقدت في "قصر مؤتمرات ميسان" سرور مدينة العمارة (ميسان) وهي تحتضن دائرة المعارف الحسينية ومقرها المملكة المتحدة، وقال أنها لحظات هامة أن تقام مثل هذه الندوة، وهي من جهة النوع تكون الأولى في محافظة ميسان، داعياً الجهات المعنية إلى تكرار إقامة مثل هذه الندوات من أجل تحريك العجلة الثقافية، مؤكداً أن أحد مظاهر نصرة الرسالة الإسلامية والترجمة العملية لمواجهة المشاريع الهدامة هو الحضور الفاعل في ميادين المعرفة والعطاء العلمي.
من جانبه أشار الشيخ عماد الشمري أحد أساتذة الحوزة العلمية في مدينة ميسان إلى أهمية عقد الندوات الثقافية والتثقيفية لبيان علوم أهل البيت(ع) التي يتعطش إليها المسلمون، وبخاصة علوم الإمام الحسين(ع) حيث تبنت دائرة المعارف الحسينية تدوينها وتوثيقها والتحقيق فيها، مؤكداً على أهمية إطلاع المجتمعات الإنسانية على المفاهيم السمحة للإسلام التي ترجمها أهل بيت النبي محمد(ص) حتى تقف على حقيقة الإسلام المحمدي الناصع.
وعبر الشيخ ياسر الحميداوي مدير مؤسسة الرسالة للثقافة والتطوير الفكري، في "كلمة الشكر"، عن كبير امتنانه لوجود دائرة المعارف الحسينية في مدينة العمارة بوصفها الموسوعة الأكبر حتى اليوم، معتبراً أن ذلك مبعث فخر عظيم لمحافظتنا وتاج نضعه على رأسنا.
وانتهت الندوة التي بدأت بآي من الذكر الحكيم تلاها المقرئ باسم الكناني، بمداخلات عدة، ومجموعة أسئلة حول الموسوعة الحسينية وشخصية المؤلف الدكتور الشيخ محمد صادق الكرباسي أجاب عليها رئيس وفد دائرة المعارف الحسينية، كما دعا الأستاذ هاشم الطرفي إلى التواصل بين أصحاب الشأن الحسيني ودائرة المعارف الحسينية لتوثيق نتاجاتهم، وقرئت في الندوة قصيدتان واحدة من إنشاء الشاعر صالح الفاضلي بعنوان (بلسم)، وأخرى من إنشاء الشاعر الجزائري عبد العزيز شَبين ألقاها بالنيابة عضو وفد الموسوعة الحسينية الأديب العراقي الدكتور حسين أبو سعود. وتميزت الندوة الحوارية بحضور فاعل للشباب الذين لم تسعهم مقاعد قاعة قصر المؤتمرات فافترشوا مدرجاتها.