صندوقُ دعم البحث العلميّ: إنجازاتٌ جادّة
د. عبد الله محمد القضاة
جو 24 : يلحظُ المُطّلع على المشهد النّقدي أنّ النّقاد في بلدنا اعتادوا نقدَ السلبيات وتشريحها واتّخاذ المواقف منها، وهو أمرٌ محمود إذا كان في موضعه؛ إذ يؤثر حينئذٍ إيجابًا في مناحي الحياة جميعها، وغيرُ مقبول إذا كان منطلقًا من تحامل الناقد على الآخر أو مجاملاً له؛ فبذا يفقد النقد قيمته، ويصبح موجّهًا إلى مكاسب شخصيّة ومصالح آنيّة. في هذا السياق، ينبغي القول إنّ العمل الجادّ يبقى مثار احترام الجميع، ويثير كوامن النفس وأسئلتها المنطقيّة أمام هذا الجهد الذي يسجّل للقائمين عليه؛ خاصّة إذا كان جماعيًّا. وعليه، فإنّ الأفراد الذين يمتلكون قدراتٍ علميّةً وبحثيّة وإداريّة جادّة وصارمة يسجّلون النجاح تلو الأخر من غير أن ينتظروا من أحد شهادة أو يتوقّعوا مدحًا أو إطراء؛ وما ذاك إلا لأنّ هدفهم المصلحة العامّة. قلت إنّ الشخص الجادّ والموضوعيّ في أيّ موقع يثير احترامي ويحفّز قلمي ويستفزني للكتابة عنه بإيجابيّة وعلميّة من غير أن أنتظر منه جزاء، قلتُ ذلك وقد وصلنا إلى مرحلة تفرض علينا معطياتها ألا نجامل أحدًا على حساب الحقيقة والموضوعيّة. وعلى الرّغم من أنّ الكتابة الجادّة لا تعجب في بعض الأحيان بعض القُرّاء من المسؤولين؛ لأسباب عدّة، منها أنهم حريصون على محاربة النجاح؛ إذ تراهم يبذلون قصارى جهدهم في سبيل وَأْدِهِ أو حتى قتله وهو في رحم أمّه، كما انهم يسعون إلى نسبة نجاح الآخر إليهم، فضلاً عن كبحهم جماحَ الصدق. وفي هذا المقام، أذكر أنني شخصيًّا أمقت هذا النوع من الأشخاص، سواء أرؤساء كانوا أم مرؤوسين، الذين يجرّوننا دائمًا إلى الخلف، والحقَّ أقول: إنه قد مرّت بي منذ عقدين من الزّمان تجاربُ كثيرةٌ، عاصرتُ فيها مشاهداتٍ عديدةً كنت في أثنائها أحزان على واقعنا المزري، واستهجن مواقفَ أناسٍ كان ينبغي لهم أن يكونوا فاعلين في مجتمعهم ومؤثرين في من يحوط بهم، من مثل: العلماء ورؤساء الجامعات ونوّابهم وعمداء الكليّات والأساتذة و...، الذين باتوا يوسمون بالضعف، وأضحى إحجامهم عن قول الحقّ والرياء والنفاق و... ديدنَهُم الذي لا يحيدون عنه قيد أنملة.
بناءً على ما سلف، فإنني أسلّط الضوء في هذا السياق على الحديث عن البحث العلمي؛ إذ يثور في هذه الآونة غيرُ سؤال كبير: لماذا تتقاعس الجامعات والأساتذة عن هذا الواجب العلميّ، الذي يؤهّل الجميع للمنافسة ويبني قاعدة المعرفة والتمّيز والإبداع؟ لماذا يبخل القائمون على الجامعات فيُقتّرون على الباحثين والجادّين في هذا الشأن (دعم المشروعات البحثيّة والمؤترات العلميّة و...)، بينما تراهم يبذخون في كلّ شيء؟ حتى إنك تجد الأساتذة ساخطين يولولون إذ يطلب منهم ألا تتحمّل الجامعة أيّة نفقات! فسبحان الله، كيف يستقيم تعيين الجامعات أعدادًا غفيرة في أقسام تكتظّ بمن فيها، وفي الوقت نفسه تأبى تلك الجامعات أن تعين باحثًا على متطلبات بحثه أو تسهّل له وسائل المشاركة في مؤتمر ما؟!
نعم، يحدث هذا في بلدنا، وقد أوردت المقدّمة سالفة الذكر عن قصد كي يقرأ الزملاء رأي الشارع فيهم، وهو رأي من النادر أن يسمعوه مباشرة بسبب النفاق الذي يتسيّد حياتنا الأكاديميّة. وحين أتوقف عند صندوق دعم البحث العلمي الذي يفتح أبوابه سنويًّا لدورتين بحثيّتين يستقبل فيهما مشروعات البحوث العلميّة المتنوّعة والإنسانيّة، فإنني أشعر بالأسف والأسى إذ أرى الباحثين يقدّمون مشروعاتهم على استحياء، وكأنهم يخشون سياسة الرفض، معَ أنّ لجان الصندوق وإدارته في غاية الشوق للمشروعات الجادّة التي تنهض بالأردنّ ومؤسساته وتقدّم حلولاً ناجعة لمشكلاته. وللحقّ، فقد اطّلعت إدارة الصندوق وناقشتُ مرّات ومرّات سياساتِ البحث العلميّ في الصندوق والفرص المتاحة أمام الباحثين، فوجدتها جادّة وعمليّة وعلميّة؛ إذ تنظر إلى الباحثين بموضوعيّة، تحدوها الرغبة الصادقة في خدمتهم على اختلاف توجّهاتهم. علمًا أنّ الصندوق يملك المال الذي يفي بحاجة الراغبين في خدمة البحث العلميّ ضمن أسس واضحة لا لَبس فيها، وهذا أمر ما كان ليتمّ لولا تلك الإرادة الحقيقيّة التي تملك إدارة الصندوق، التي ما تفتأ يبحث على نحوٍ مستمرّ عن الموارد المالية من مصادرها الحقيقيّة في مؤسسات الدولة وجامعاتها؛ لكي يبقى البحث العلميّ في قمّة مسوؤلياتها. وهنا، ينبغي لي أن أسجّل للقائمين على صندوق البحث العلميّ عبارات الاحترام المشفوعة بالتقدير والعرفان على الجهد الكبير الذي يبذلونه لأجل تخطي الصعوبات وتجاوز العثرات، سعيًا منهم إلى تحقيق الأمنيات وتنفيذ الخطط والوصول إلى مراحلَ متقدّمة من التطبيق، والشاهد الدّالّ على ذلك أنّ هناك عشرات المشروعات التي تجاوزت النور إلى الحياة، وها هي ندوة الشباب في مواجهة الفكر المتطرّف خيرُ مثال على المشاركة في إيجاد حلول للمشكلات التي تواجه أمْنَنا الوطنيّ وتهدِّدُهُ، فضلاً عن بَدْءِ الصندوقِ باستقبال طلبات المنافسة على جائزة الصندوق لأفْضَلِ بحث في مواجهة الفِكْرِ المُتَطَرِّف حتّى نهاية هذا الشهر. آملاً أن يشارك الباحثون في هذه المنافسة على نحوٍ حَسَن، ومؤمّلاً في الوقت نفسه أن يستمرّ الصُندوق في عطائه المتميّز على الصُّعُد جميعها، وأن يحظى بدعم المخلصين من أبناء وطننا الحبيب.
mohamadq2002@yahoo.com
بناءً على ما سلف، فإنني أسلّط الضوء في هذا السياق على الحديث عن البحث العلمي؛ إذ يثور في هذه الآونة غيرُ سؤال كبير: لماذا تتقاعس الجامعات والأساتذة عن هذا الواجب العلميّ، الذي يؤهّل الجميع للمنافسة ويبني قاعدة المعرفة والتمّيز والإبداع؟ لماذا يبخل القائمون على الجامعات فيُقتّرون على الباحثين والجادّين في هذا الشأن (دعم المشروعات البحثيّة والمؤترات العلميّة و...)، بينما تراهم يبذخون في كلّ شيء؟ حتى إنك تجد الأساتذة ساخطين يولولون إذ يطلب منهم ألا تتحمّل الجامعة أيّة نفقات! فسبحان الله، كيف يستقيم تعيين الجامعات أعدادًا غفيرة في أقسام تكتظّ بمن فيها، وفي الوقت نفسه تأبى تلك الجامعات أن تعين باحثًا على متطلبات بحثه أو تسهّل له وسائل المشاركة في مؤتمر ما؟!
نعم، يحدث هذا في بلدنا، وقد أوردت المقدّمة سالفة الذكر عن قصد كي يقرأ الزملاء رأي الشارع فيهم، وهو رأي من النادر أن يسمعوه مباشرة بسبب النفاق الذي يتسيّد حياتنا الأكاديميّة. وحين أتوقف عند صندوق دعم البحث العلمي الذي يفتح أبوابه سنويًّا لدورتين بحثيّتين يستقبل فيهما مشروعات البحوث العلميّة المتنوّعة والإنسانيّة، فإنني أشعر بالأسف والأسى إذ أرى الباحثين يقدّمون مشروعاتهم على استحياء، وكأنهم يخشون سياسة الرفض، معَ أنّ لجان الصندوق وإدارته في غاية الشوق للمشروعات الجادّة التي تنهض بالأردنّ ومؤسساته وتقدّم حلولاً ناجعة لمشكلاته. وللحقّ، فقد اطّلعت إدارة الصندوق وناقشتُ مرّات ومرّات سياساتِ البحث العلميّ في الصندوق والفرص المتاحة أمام الباحثين، فوجدتها جادّة وعمليّة وعلميّة؛ إذ تنظر إلى الباحثين بموضوعيّة، تحدوها الرغبة الصادقة في خدمتهم على اختلاف توجّهاتهم. علمًا أنّ الصندوق يملك المال الذي يفي بحاجة الراغبين في خدمة البحث العلميّ ضمن أسس واضحة لا لَبس فيها، وهذا أمر ما كان ليتمّ لولا تلك الإرادة الحقيقيّة التي تملك إدارة الصندوق، التي ما تفتأ يبحث على نحوٍ مستمرّ عن الموارد المالية من مصادرها الحقيقيّة في مؤسسات الدولة وجامعاتها؛ لكي يبقى البحث العلميّ في قمّة مسوؤلياتها. وهنا، ينبغي لي أن أسجّل للقائمين على صندوق البحث العلميّ عبارات الاحترام المشفوعة بالتقدير والعرفان على الجهد الكبير الذي يبذلونه لأجل تخطي الصعوبات وتجاوز العثرات، سعيًا منهم إلى تحقيق الأمنيات وتنفيذ الخطط والوصول إلى مراحلَ متقدّمة من التطبيق، والشاهد الدّالّ على ذلك أنّ هناك عشرات المشروعات التي تجاوزت النور إلى الحياة، وها هي ندوة الشباب في مواجهة الفكر المتطرّف خيرُ مثال على المشاركة في إيجاد حلول للمشكلات التي تواجه أمْنَنا الوطنيّ وتهدِّدُهُ، فضلاً عن بَدْءِ الصندوقِ باستقبال طلبات المنافسة على جائزة الصندوق لأفْضَلِ بحث في مواجهة الفِكْرِ المُتَطَرِّف حتّى نهاية هذا الشهر. آملاً أن يشارك الباحثون في هذه المنافسة على نحوٍ حَسَن، ومؤمّلاً في الوقت نفسه أن يستمرّ الصُندوق في عطائه المتميّز على الصُّعُد جميعها، وأن يحظى بدعم المخلصين من أبناء وطننا الحبيب.
mohamadq2002@yahoo.com