تهافت الخطاب الإصلاحي في الوطن العربي
رعد تغوج
أسقطتْ الشعوب الأوروبية في هذه المرحلة ما يزيد عن أربعين ملكية شمولية ،وأسهمتْ في تدشين الجمهورية ، كمُفردة يتم فيها تداول سِلميّ للسلطة – إنتخابياً ودورياً – بينَ عِدة تيارات تكونُ الأفضلية فيها للكفاءة السياسية والعمل التطوريّ ، ومِنْ هنا تختلفُ مصائر الإصلاح الأوروبيّ عنْ نظيرتها العربية ، في كونِ الأخيرة بشّرتْ بجمهورياتٍ سُرعانَ ما تحولتْ إلى ملكيات شمولية وديكتاتورية ، تُؤمنُ بالتوارث كسُنة مِنْ سُنن التطور المُحتجز (على حد تعبير الصديق المفكر سلامة كيلة) .
هذا ما حدثَ مع انحرافات فكر النهضة العربية عَنْ مساراتِها التنويرية ، وجاء أول إعلان للإنحارف بتأسيس جماعة الإخوان المُسلمين ، كقوة دينية سياسية تمزجُ عنْ سابق إصرارٍ وترصد بالأفكار القروسطية مع مُعطيات الواقع السياسيّ المُعقد ، دُونَ منهجية واضحة في قراءة التراث وتأويله عقلانياً ، أو النظر إليه كصيغة قديمة قابلة للتطور والتجاوز ، وإنما كملفوظ يصلحُ لكلِّ زمانٍ ومكان ، ويُمكنُ تطبيقه ولو بالقوة على السياسة الإقليمية والدُولية ، ولنا أنْ نُشير بأنَّ تطور العلاقات الدولية والقانون الدوليّ العام ، كانَ بكُليته – ونحنُ مسئولون عن هذا الكلام – بعيداً كلَّ البُعد عَنْ المُساهمة العربية في تدشينه ، فلا وجودَ لمفكر حقوقيّ واحد ، مِنْ أصلٍ عربيّ ، قام بالمساهمة في وضع القانون الدوليّ العام ، وهذا ما لاحظه الدكتور رشاد السيد أيضاً . ( لنا أنْ نأخذ مُحاولة الأزهر البائسة في صياغة قوانين دُولية ، لكنَ دون أنْ نحمل تلك المحاولة بالجدية اللازمة).
لقد نشأت سرديات حقوق الإنسان وبروتوكلات السلام والحرب وفض النزاعات وترسيم الحدود ، وقوانين الدُول ، أو قوانين الشعوب كما كانت تُسمى في القرن التاسع عشر ، بمنأى عن المساهمة العربية ، وهي في جزء كبير منها الآن ، تدخلُ حيزَ المسكوت عنه واللامفكر فيه عند النخبة العربية ، وعلى العكس مِنْ ذلكَ أخذ خِطابُ الردّة يزدادُ اتساعاً عندَ شريحة واسعة مِنْ الإنتلجنسيا العربية ، وشكلتْ نماذج مُحتداة عندَ الجماهير العربية ، مثل خالد محمد خالد ، الماركسيّ السابق الذي ألف كتباً سماه "رجال حول الرسول" دُونَ أدنى مُساءلة معرفية، وكذلك محمد عمارة الذي كان نصيراً للمعسكر الشرقي والسوفيتي ، ويسارياً ماركسياً مِن الطراز المعرفيّ ، والذي فاجأ الجميع وأبهرهم عندما تمَّ تكفير نصر حامد أبو زيد بسبب كتابه "نقد الخطاب الدينيّ " وطلبتْ الجزيرة مِنْ أبو زيد ومحمد عمارة أنْ يُشاركا في برنامج الاتجاه المُعاكس ، ليأتي المفكر الماركسيّ محمد عمارة لابساً العمة والعباية ، وبيده مسبحة ويرد على نصر حامد أبو زيد ويتهمه بالكفر البواح ، واستباحة ما حرمه الفقهاء !!!
ويُصبحُ الحديث عن الديمقراطية الآن – وفي ظل الربيع العربي – كالحديث عن الأندلس ، فهي أعز مفقود وأهونُ موجود ، وسطَ الدولاب الدمويّ الذي يشتعلُ في المنطقة مِن أقصاها إلى أقصاها .