برنارد لويس والرؤية الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط
د. فيصل الغويين
جو 24 : ولد برنارد لويس في لندن عام 1916، وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، صهيوني الانتماء، أمريكي الجنسية. تخرج من جامعة لندن، وعمل فيها مدرساً في قسم التاريخ للدراسات الشرقية الإفريقية.
كتب لويس كثيراً، وتداخل في تاريخ العرب والمسلمين، حيث أعتبر مرجعا فيه، فكتب عن كل ما يسيء للتاريخ الإسلامي متعمداً، وكتب في التاريخ الحديث نازعاً النزعة الصهيونية التي يصرّح بها ويؤكدها. وفّر برنارد لويس الكثير من الذخيرة الأيديولوجية لإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط، والحرب على الإرهاب؛ حيث يعتبر بحق منظراً لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية في المنطقة.
طوّر لويس روابطه الوثيقة بالمعسكر السياسي للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة منذ سبعينات القرن الماضي، حيث ظل طوال سنوات رجل الشؤون العامة، كما كان مستشاراً لإدارتي بوش الأب والابن. وقد شارك في وضع إستراتيجية الغزو الأمريكي للعراق.
كان يرى أنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية الى وحدات عشائرية وطائفية، وإعادة احتلال المنطقة على أن تكون المهمة المعلنة هي تدريب شعوبها على الحياة الديمقراطية، والعمل على استثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية.
والواقع أن مشروع برنارد لويس هو الأكثر جدية وعملية في آن واحد، كما أن مرتكزاته الفكرية خطيرة وخبيثة، وتلعب على الأوتار المذهبية والطائفية بناء على فهم عميق من مفكر ضليع في فهم النفسية الإسلامية، ومن خلال قراءة واعية للتاريخ الإسلامي.
ونحن إزاء مشروع خطير، التقطته القوى الكبرى في الغرب لاسيما أمريكا بكل أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، فضلا عن الكيان الصهيوني الذي لا يمل في محاولاته لاختراق الدولة الوطنية العربية، وبالتركيز على مثلث القوة العربي العراق وسوريا ومصر، فضلا عن دول الأطراف السودان واليمن والمغرب.
ومن المفيد توضيح حقيقة هامة هي أن مشروع برنارد لويس لتقسيم المنطقة يتقاطع مع مشروعات عديدة، ومماثلة، ربما استلهمت النموذج أو السياق العام من لويس، وربما هناك تقارب فكري بين المنظّرين الكبار، وما تنتجه مراكز دراسات ذات طبيعة عسكرية واستخباراتي، لكن المهم هنا أن فكرة تقسيم الوطن العربي تحتل مكانة مركزية في البيت الأبيض والبنتاغون، ومراكز صنع القرار الأمريكي.
ومشروع برنارد لويس لتقسيم الدول العربية والإسلامية، والذي اعتمدته الولايات المتحدة لسياستها المستقبلية له مؤيدوه والمتحمسون له، والذين سعوا إلى تحويله من مجرد تأمل أو عصف فكري إلى واقع عملي ملموس.
ففي عام 1980 وبعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية صرّح بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي، انه من الضروري تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش حرب الخليج الأولى تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس – بيكو.
وعقب إطلاق هذا التصريح، وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" بدأ المؤرخ الصهيوني المتأمرك برنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعا كلا على حدة، ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي ...الخ، وتفتيت كل منها الى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تشمل الدول المرشحة للتفتيت.
وفي عام 1983 وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس، وبذلك تم تقنين هذا المشروع، وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة. ولأن التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة لا يكفي وحده من أجل تحقيق الرؤية الأمريكية المستقبلية للشرق الأوسط، فان عناصر ثلاثة يتوجب توفرها بشكل متلازم مع الوجودين العسكري والأمني:
1- تغيير التركيبة السياسية القائمة في معظم دول العالم الإسلامي لتصبح مبنية على مزيج من آليات ديمقراطية وفيدراليات إثنية أو طائفية، وهذا هو جوهر المشروع.، فالديمقراطية لو تحققت دون التركيبة الفيدرالية، يمكن أن توجد أنظمة وحكومات تختلف مع الإدارة أو الرؤية الأمريكية، كما أن إثارة الانقسامات الإثنية أو الطائفية، دون توافر سياق ديمقراطي ضابط لها، يمكن أن يجعلها سبب صراع مستمر يمنع الاستقرار السياسي والاقتصادي المنشود بالرؤية الأمريكية، إضافة إلى أن التركيبة الفيدرالية القائمة على آليات ديمقراطية ستسمح للولايات المتحدة بالتدخل الدائم مع القطاعات المختلفة في داخل كل جزء من ناحية، وبين الأجزاء المتحدة فيدرالياً من ناحية أخرى.
2- التركيز على هوية شرق أوسطية كإطار جامع للفيدراليات المتعددة المنشودة، لهذا يدخل العامل الإسرائيلي كعنصر مهم في الشرق الأوسط الكبير المنشودة، إذ بحضوره الفاعل تغيب الهويتان العربية والإسلامية عن أي تكتل إقليمي محدود أو شامل.
3- ضرورة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إعطاء الأولوية لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، مما سيدفع الأطراف كلها إلى التسوية والقبول بحدود دنيا من المطالب والشروط، كما أنه سيسهّل إنهاء الصراعات المسلحة، ووقف أي أعمال مسلحة سواء أكانت تحت شعار مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، أم ضد التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة.
ومن ضمن الدول التي شملها مشروع برنارد لويس للتفتيت:
1- السودان، التي تقسم الى أربع دويلات، للنوبة، والشمال السوداني الإسلامي، والجنوب السوداني المسيحي، ودويلة دارفور.
2- دول الشمال الإفريقي، يتم تفكيك ليبيا والجزائر والمغرب بهدف إقامة دويلة البربر، ودويلة البوليساريو، والباقي دويلات المغرب والجزائر وتونس وليبيا.
3- العراق، تفكيك العراق على أسس عرقية ومذهبية، فتنشأ دويلة شيعية في الجنوب حول البصرة، ودويلة سنية في وسط العراق حول بغداد، ودويلة كردية في الشمال.
4- سوريا، تقسيمها الى أقاليم متمايزة عرقيا أو دينيا أو مذهبيا، فتنشأ دويلة علوية على امتداد الساحل، ودويلة سنية في منطقة حلب، وأخرى سنية حول دمشق، ودويلة الدروز على أجزاء من سوريا ولبنان.
5- الأردن، تصفية الأردن، ونقل السلة للفلسطينيين.
6- فلسطين، ابتلاعها بالكامل، وهدم مقوماتها، وإبادة وتهجير سكانها.
وقد يرى البعض أن هذا المشروع مثل غيره مجرد تخيلات فكرية يقوم بها باحث أو دارس ليس له علاقة بطبيعة الأوضاع في الشرق الأوسط، غير أن المغطيات التي جرت بدءا بتقسيم السودان،وتسارع وتيرة تقسيم اليمن، فضلاً عن دخول مشروع تقسيم العراق مرحلة واقعية، وتفجّر الأزمة السورية، وتداعياتها في لبنان، قد نبّه كثيرون إلى جدية، وواقعية، وعملية مشروع برنارد لويس لتقسيم الوطن العربي، وتمكين "إسرائيل" من الوجود والقيادة في المنطقة التي سيكون اسمها الجديد الشرق الأوسط الكبير.
إن قبول "إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط كدولة معترف بها من جيرانها العرب أولا، وكقوة عسكرية واقتصادية ثانيا، هو هدف برنارد لويس الاستراتيجي، وهو بهذا يقترب من أطروحة "شمعون بيريز" الذي أطلق عليها "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، حيث تكون فيه" إسرائيل صاحبة القوة العسكرية والاقتصادية، مدعومة بالرأسمال الخليجي، واليد العاملة العربية.
إن تمكين "إسرائيل من الوجود على المدى الطويل يستلزم تفكيك الكيانات السياسية الكبيرة في الوطن العربي، وخاصة دول مثلث القوة العربي (مصر – سورية – العراق) إلى كيانات أصغر تنهمك في صراعات الحدود والثروة. ولعل أخطر ما في هذا المشروع هو تغيير كيمياء الصراع العربي الصهيوني إلى صراع عربي عربي على أسس مذهبية أو طائفية، وإدخال إيران بدلا من "إسرائيل" في دائرة الصراع
إن أفكار برنارد لويس هي فكرة إنهاء "الوطن العربي"، وتفكيك الدولة، وتكريس نهج التفتيت كبديل لشروع سايكس بيكو، مع تطوير آخر هو أن يكون التفتيت شاملا للوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وأن يضم إليه تركيا وإيران في إطار خريطة للنفط والغاز قد تتطور وتصل إلى قلب موسكو، مع اعتبار أن الصراع مع النفط "الطاقة القديمة" ستكون حامي الوطيس مع دول الطاقة الجديدة وهي الغاز، وهذه الخريطة تعكس الصراع بين سيطرة أمريكا والغرب القديمة على مناطق النفط، وسيطرة روسيا الجديدة على خريطة الغاز.
وفي النهاية لا بد من الإقرار بالحقائق الآتية:
1- أن وجود مخططات أجنبية لتقسيم الوطن العربي لا يخفي حقيقة وجود عوامل داخلية تشجع على تمرير وتنفيذ هذه المخططات، فاللعب على النعرات الطائفية أو الخلافات المذهبية لا يمكن أن يتحقق إلا في وجود عناصر ومؤثرات تدفع في اتجاه التفتيت والتقسيم والترهل في بنية الدولة، وليس هناك إلا حل واحد هو اعتماد أسس بناء الدولة الحديثة،وحماية مقومات الدولة الوطنية التي تتعرض إلى كافة أشكال الهدم والتقويض.
2- ومن ثم فإن بناء المجتمع العربي الديمقراطي، وإقرار مبادئ العدالة الاجتماعية، وحماية حقوق الإنسان تشريعيا وتنفيذيا، والحرص على تطوير التعليم، والبحث العلمي، كلها مقومات أساسية لبناء الدولة العربية الحديثة، التي تعلي من شأن مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وترسخ قيم سيادة القانون.
• عضو رابطة الكتّاب الأردنيين
كتب لويس كثيراً، وتداخل في تاريخ العرب والمسلمين، حيث أعتبر مرجعا فيه، فكتب عن كل ما يسيء للتاريخ الإسلامي متعمداً، وكتب في التاريخ الحديث نازعاً النزعة الصهيونية التي يصرّح بها ويؤكدها. وفّر برنارد لويس الكثير من الذخيرة الأيديولوجية لإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط، والحرب على الإرهاب؛ حيث يعتبر بحق منظراً لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية في المنطقة.
طوّر لويس روابطه الوثيقة بالمعسكر السياسي للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة منذ سبعينات القرن الماضي، حيث ظل طوال سنوات رجل الشؤون العامة، كما كان مستشاراً لإدارتي بوش الأب والابن. وقد شارك في وضع إستراتيجية الغزو الأمريكي للعراق.
كان يرى أنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية الى وحدات عشائرية وطائفية، وإعادة احتلال المنطقة على أن تكون المهمة المعلنة هي تدريب شعوبها على الحياة الديمقراطية، والعمل على استثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية.
والواقع أن مشروع برنارد لويس هو الأكثر جدية وعملية في آن واحد، كما أن مرتكزاته الفكرية خطيرة وخبيثة، وتلعب على الأوتار المذهبية والطائفية بناء على فهم عميق من مفكر ضليع في فهم النفسية الإسلامية، ومن خلال قراءة واعية للتاريخ الإسلامي.
ونحن إزاء مشروع خطير، التقطته القوى الكبرى في الغرب لاسيما أمريكا بكل أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، فضلا عن الكيان الصهيوني الذي لا يمل في محاولاته لاختراق الدولة الوطنية العربية، وبالتركيز على مثلث القوة العربي العراق وسوريا ومصر، فضلا عن دول الأطراف السودان واليمن والمغرب.
ومن المفيد توضيح حقيقة هامة هي أن مشروع برنارد لويس لتقسيم المنطقة يتقاطع مع مشروعات عديدة، ومماثلة، ربما استلهمت النموذج أو السياق العام من لويس، وربما هناك تقارب فكري بين المنظّرين الكبار، وما تنتجه مراكز دراسات ذات طبيعة عسكرية واستخباراتي، لكن المهم هنا أن فكرة تقسيم الوطن العربي تحتل مكانة مركزية في البيت الأبيض والبنتاغون، ومراكز صنع القرار الأمريكي.
ومشروع برنارد لويس لتقسيم الدول العربية والإسلامية، والذي اعتمدته الولايات المتحدة لسياستها المستقبلية له مؤيدوه والمتحمسون له، والذين سعوا إلى تحويله من مجرد تأمل أو عصف فكري إلى واقع عملي ملموس.
ففي عام 1980 وبعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية صرّح بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي، انه من الضروري تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش حرب الخليج الأولى تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس – بيكو.
وعقب إطلاق هذا التصريح، وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" بدأ المؤرخ الصهيوني المتأمرك برنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعا كلا على حدة، ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي ...الخ، وتفتيت كل منها الى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تشمل الدول المرشحة للتفتيت.
وفي عام 1983 وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس، وبذلك تم تقنين هذا المشروع، وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة. ولأن التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة لا يكفي وحده من أجل تحقيق الرؤية الأمريكية المستقبلية للشرق الأوسط، فان عناصر ثلاثة يتوجب توفرها بشكل متلازم مع الوجودين العسكري والأمني:
1- تغيير التركيبة السياسية القائمة في معظم دول العالم الإسلامي لتصبح مبنية على مزيج من آليات ديمقراطية وفيدراليات إثنية أو طائفية، وهذا هو جوهر المشروع.، فالديمقراطية لو تحققت دون التركيبة الفيدرالية، يمكن أن توجد أنظمة وحكومات تختلف مع الإدارة أو الرؤية الأمريكية، كما أن إثارة الانقسامات الإثنية أو الطائفية، دون توافر سياق ديمقراطي ضابط لها، يمكن أن يجعلها سبب صراع مستمر يمنع الاستقرار السياسي والاقتصادي المنشود بالرؤية الأمريكية، إضافة إلى أن التركيبة الفيدرالية القائمة على آليات ديمقراطية ستسمح للولايات المتحدة بالتدخل الدائم مع القطاعات المختلفة في داخل كل جزء من ناحية، وبين الأجزاء المتحدة فيدرالياً من ناحية أخرى.
2- التركيز على هوية شرق أوسطية كإطار جامع للفيدراليات المتعددة المنشودة، لهذا يدخل العامل الإسرائيلي كعنصر مهم في الشرق الأوسط الكبير المنشودة، إذ بحضوره الفاعل تغيب الهويتان العربية والإسلامية عن أي تكتل إقليمي محدود أو شامل.
3- ضرورة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إعطاء الأولوية لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، مما سيدفع الأطراف كلها إلى التسوية والقبول بحدود دنيا من المطالب والشروط، كما أنه سيسهّل إنهاء الصراعات المسلحة، ووقف أي أعمال مسلحة سواء أكانت تحت شعار مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، أم ضد التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة.
ومن ضمن الدول التي شملها مشروع برنارد لويس للتفتيت:
1- السودان، التي تقسم الى أربع دويلات، للنوبة، والشمال السوداني الإسلامي، والجنوب السوداني المسيحي، ودويلة دارفور.
2- دول الشمال الإفريقي، يتم تفكيك ليبيا والجزائر والمغرب بهدف إقامة دويلة البربر، ودويلة البوليساريو، والباقي دويلات المغرب والجزائر وتونس وليبيا.
3- العراق، تفكيك العراق على أسس عرقية ومذهبية، فتنشأ دويلة شيعية في الجنوب حول البصرة، ودويلة سنية في وسط العراق حول بغداد، ودويلة كردية في الشمال.
4- سوريا، تقسيمها الى أقاليم متمايزة عرقيا أو دينيا أو مذهبيا، فتنشأ دويلة علوية على امتداد الساحل، ودويلة سنية في منطقة حلب، وأخرى سنية حول دمشق، ودويلة الدروز على أجزاء من سوريا ولبنان.
5- الأردن، تصفية الأردن، ونقل السلة للفلسطينيين.
6- فلسطين، ابتلاعها بالكامل، وهدم مقوماتها، وإبادة وتهجير سكانها.
وقد يرى البعض أن هذا المشروع مثل غيره مجرد تخيلات فكرية يقوم بها باحث أو دارس ليس له علاقة بطبيعة الأوضاع في الشرق الأوسط، غير أن المغطيات التي جرت بدءا بتقسيم السودان،وتسارع وتيرة تقسيم اليمن، فضلاً عن دخول مشروع تقسيم العراق مرحلة واقعية، وتفجّر الأزمة السورية، وتداعياتها في لبنان، قد نبّه كثيرون إلى جدية، وواقعية، وعملية مشروع برنارد لويس لتقسيم الوطن العربي، وتمكين "إسرائيل" من الوجود والقيادة في المنطقة التي سيكون اسمها الجديد الشرق الأوسط الكبير.
إن قبول "إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط كدولة معترف بها من جيرانها العرب أولا، وكقوة عسكرية واقتصادية ثانيا، هو هدف برنارد لويس الاستراتيجي، وهو بهذا يقترب من أطروحة "شمعون بيريز" الذي أطلق عليها "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، حيث تكون فيه" إسرائيل صاحبة القوة العسكرية والاقتصادية، مدعومة بالرأسمال الخليجي، واليد العاملة العربية.
إن تمكين "إسرائيل من الوجود على المدى الطويل يستلزم تفكيك الكيانات السياسية الكبيرة في الوطن العربي، وخاصة دول مثلث القوة العربي (مصر – سورية – العراق) إلى كيانات أصغر تنهمك في صراعات الحدود والثروة. ولعل أخطر ما في هذا المشروع هو تغيير كيمياء الصراع العربي الصهيوني إلى صراع عربي عربي على أسس مذهبية أو طائفية، وإدخال إيران بدلا من "إسرائيل" في دائرة الصراع
إن أفكار برنارد لويس هي فكرة إنهاء "الوطن العربي"، وتفكيك الدولة، وتكريس نهج التفتيت كبديل لشروع سايكس بيكو، مع تطوير آخر هو أن يكون التفتيت شاملا للوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وأن يضم إليه تركيا وإيران في إطار خريطة للنفط والغاز قد تتطور وتصل إلى قلب موسكو، مع اعتبار أن الصراع مع النفط "الطاقة القديمة" ستكون حامي الوطيس مع دول الطاقة الجديدة وهي الغاز، وهذه الخريطة تعكس الصراع بين سيطرة أمريكا والغرب القديمة على مناطق النفط، وسيطرة روسيا الجديدة على خريطة الغاز.
وفي النهاية لا بد من الإقرار بالحقائق الآتية:
1- أن وجود مخططات أجنبية لتقسيم الوطن العربي لا يخفي حقيقة وجود عوامل داخلية تشجع على تمرير وتنفيذ هذه المخططات، فاللعب على النعرات الطائفية أو الخلافات المذهبية لا يمكن أن يتحقق إلا في وجود عناصر ومؤثرات تدفع في اتجاه التفتيت والتقسيم والترهل في بنية الدولة، وليس هناك إلا حل واحد هو اعتماد أسس بناء الدولة الحديثة،وحماية مقومات الدولة الوطنية التي تتعرض إلى كافة أشكال الهدم والتقويض.
2- ومن ثم فإن بناء المجتمع العربي الديمقراطي، وإقرار مبادئ العدالة الاجتماعية، وحماية حقوق الإنسان تشريعيا وتنفيذيا، والحرص على تطوير التعليم، والبحث العلمي، كلها مقومات أساسية لبناء الدولة العربية الحديثة، التي تعلي من شأن مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وترسخ قيم سيادة القانون.
• عضو رابطة الكتّاب الأردنيين