jo24_banner
jo24_banner

قبائل وفصائل

ماهر أبو طير
جو 24 : انهارت دول عربية مثل العراق وسورية واليمن وليبيا، ووريث كل دولة لم يكن أبدا دولة أفضل، بل باتت السيادة اليوم، للقبائل المتقاتلة والفصائل المتناحرة. تتابع نشرات التلفزة، ولاتسمع عن اي تحركات سياسية او عسكرية على الارض، الا وعنوانها القبائل، في هذه الدول، وحتى تلك الفصائل الموجودة تتغذى على خزان الدم من القبائل والعشائر الموجودة، وكأننا عدنا الف عام الى الوراء او اكثر. المفارقة ان الانظمة السياسية التي انهارت على خرابها ارادت في عز انهيارها ان تسجل مثلا اعلى، فيصير الترحم على الدولة المنهارة بكل آفاتها، سنة حميدة، لان وريثها أسوأ بكثير. غير ان المستبصر يعرف ان هذه الدول لم تبن مؤسسات ولا شخصية وطنية، ولا حاضنات سياسية او فكرية، لقيادة الناس في تواقيت مختلفة، فقد تعمدت ان تبقى دولة هشة، وتعمد العالم، تركها هشة اسيرة للخوف والجوع والتجهيل، وعدم الايمان بالمؤسسات الا من زاوية الافراد وتعريفاتهم الاجتماعية. في هذه الدول تتقاتل القبائل، تحت عناوين مختلفة، والسلاح في يد الجهلة الباحثين عن نفوذ، وانموذج القبائل خطير، ليس لان المطلوب ألاّ ينتمي الانسان الى عائلة او عشيرة او قبيلة، بل لان الانظمة البائدة لم تمح من نفوس الناس القبيلة في تلك الدول، لصالح الوطنية الجامعة، او الشخصية الوطنية، وهانحن نسمع كيف تقتل القبائل بعضها البعض في اليمن، وكيف يتم تسليح العشائر في سورية والعراق، وكيف تنقسم القبائل في ليبيا وتقاتل بعضها البعض، في صراع يتحول الى صراع ثأري مرير وصعب وخطير. كيف يمكن ان نوازن بين معادلة الانتماء إلى عائلة صغيرة او كبيرة، والانتماء الى الدولة او الايمان بالقانون والمؤسسات، ولماذا باتت فكرة القبيلة نقيضا للدولة او مضادا لها، يساعد في قيامها ثم هدمها، ثم استحالة عودتها ...الا بعد مذابح طويلة. في الاسلام فخر بالقربى والعشيرة الاقربين، لكنه اسلام لم يخلُ من عنصر التوازن الاساس، اي التنوع، والاحتكام الى معايير مثل التقوى، في ...لافرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى، وفي فسيفساء التنوع حول النبي صلى الله عليه وسلم، من العربي الى الرومي مرورا بالفارسي والحبشي، وهذه تنويعات اذابت اللون الواحد، وعززت فكرة الانتماء الجمعي لما يتجاوز فكرة الدم، او القبيلة، دون ان يتنكر ذلك المجتمع لاصوله او عائلاته، بأي حال من الاحوال، فليس مطلوبا من الانسان التبرؤ من اهله. لاتسمع في الدول المبتلاة كلاما عن حلول سياسية، او قتال هنا او هناك، الا وتسمع عن مجالس عسكرية عشائرية، وتسمع عن قبائل تحارب او تقاوم، وقبائل اخرى تتحالف او تفك تحالفها، وفي المشهد تفكيك لبنية الانسان العربي الراشدة، فوق تفكيك فكرة الاسلام التي اذابت القبيلة بمعناها السلبي، ولم تتنكر لها بمعناها الايجابي. ثم يأتي السؤال عن هذه الدول الاربع حصريا، حول قدرتها بعد هدم الدولة واحلال القبيلة المقاتلة مكانها، في اعادة بناء دول جديدة، في ظل مانعرفه أساسا عن ارتباط الثأر بالقبيلة في هذه الدول، واستحالة الصفح، امام بحار الدم والضحايا، وكأننا نقول اننا امام حرب من الف عام جديدة مما تعدون.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news