jo24_banner
jo24_banner

"العتمة الالكترونية"!

محمد أبو رمان
جو 24 : بالضرورة لا يوجد صحافي أو سياسي أردني ضد مبدأ تنظيم حقل الموقع الالكترونية، بما يخدم تطوير المهنية الإعلامية وصيانة الحرية من الإساءة إليها عبر عمليات ابتزاز واغتيال للشخصية وتصفية للحسابات، كانت موجودة لدى "البعض"، وعانينا منها جميعاً!

هذا الهمّ الإعلامي والأخلاقي لا علاقة له من قريب أو بعيد بمشروع قانون المطبوعات والنشر المعدل الجديد، فهو قانون مصمّم لاغتيال الحرية الإعلامية، لا حمايتها، وهو خارج سياق الاستراتيجية الإعلامية الوطنية التي أطلقناها في "احتفال مهيب" قبل أيام فقط، بل هو معاكس تماماً لاتجاهها وأهدافها، ويحمل في طيّاته "احتقاناً" رسمياً متراكماً من الإعلام وما وصله من سقوف، أو ما يلعبه من دور في ظل غياب الأحزاب السياسية والقوى القادرة على خلق حالة من الضغط الشعبي للإصلاح!

هي، إذاً، ليست "رمانة، بل قلوب مليانة"، ورغبة بالانتقام من الإعلام، وإعادتنا إلى عصر "القبضة الأمنية"، وإغلاق الفضاء الالكتروني، أسوة بالإعلام الورقي، وهذا القانون ترجمة صادقة أمينة دقيقة لقناعة المسؤولين (الخاطئة) لدينا بأنّ الإعلام هو المسؤول عن تسليط الضوء على قضايا الفساد وملفاته، وهو المسؤول أيضاً عن الصورة السودادية لقانون الانتخاب وعن عجز الدولة في تمريره بوصفه "مشروعاً إصلاحياً تقدمياً"، والإعلام هو المسؤول عن "تضخيم الحراك المحدود في الشارع"..الخ.

ربما لو استرسلنا لذكرنا لكم عشرات التهم التي نسمعها من المسؤولين اليوم بحق الإعلام، وفي النهاية يكاد البعض (منهم) يصل إلى اتهام الإعلام - الذي يرفض التدجين والتجييش والتطبيل- بأنّه "معادٍ" وغير وطني، ويسيء لصورة البلاد، ويضخّم الجانب السودادي والسلبي، ولا يعترف بالإنجازات، وفي نهاية اليوم هو أحد أسباب حالة الاحتقان الشعبي!

أحسب أنّ الرد على هذه التهم هو مضيعة للوقت! فعلى النقيض من ذلك؛ الإعلام لا يقوم بدوره المطلوب في التحرر من القيود الذاتية والموضوعية وتقديم الأراء المختلفة وعرضها ونقل الخبر والمعلومة والصورة وفقاً لقيمه المهنية لا ما تسمح به "الخطوط الحمراء" أو ما يمكن تمريره بألف طريقة ملتوية وملولبة حتى لا يدفع الكاتب أو الصحافي ثمناً باهظاً لغضب المسؤولين!

في الحقيقة، إعلان المواقع الالكترونية بأنّ صدورها يوم الأربعاء سيكون بصفحة متشحة بالسواد، فيما يسمى في الأدبيات الإعلامية بـ"العتمة الالكترونية"، هو تعبير دقيق عن حالة الإعلام الأردني اليوم، بل ربما متآخر كثيراً، فالعتمة، بدأت سابقاً، على هذا القانون، هي في عجز إعلامنا الأردني عن اللحاق بركب التحديات المحيطة، وعن تطوير نفسه، والسبب قبل كل شيء فيما وصلنا إليه هي تلك السياسات الرسمية، ليست فقط المتحسسة كثيراً من الحريات الإعلامية، بل التي لا تدرك أهمية الإعلام والرواية الإعلامية، ولا تعرف شيئاً عن التطورات النوعية والقفزات الهائلة في مفهوم الإعلام ودوره الكبير في الحياة العامة والتأثير على الناس.

منذ سنوات تراجع ترتيب الأردن على سلّم الحريات الإعلامية في العالم، وانتقلنا من دولة "فيها حرية جزئية" للإعلام إلى "دولة غير حرّة"، هذا على صعيد الحرية الإعلامية فقط؛ أمّا على الصعيد الآخر، وهو "القوة الناعمة" للدولة؛ فحدّث ولا حرج، فإعلامنا الوطني، وتحديداً الرسمي، في حالة تقهقر وتراجع مستمر، وعجز مزمن عن تقديم صورة حضارية للدولة والمجتمع، أو عن ملء الفراغ لتقديم الرواية الإعلامية الأردنية داخلياً وخارجياً.

من المؤسف حقّاً أن تحاول دول شمولية تطوير أدواتها الإعلامية والفنية لتقديم رواية مزورة عما يحدث، ولتواجه القنوات الفضائية العالمية، وتستطيع هذه الدول بالفعل منافسة الروايات الإعلامية الأخرى، بينما لا يفكّر مسؤولونا إلاّ في اغتيال الإعلام المحلي وإضعافه أكثر وأكثر عبر إجراءات عرفية وعقلية تجاوزتها العصور الوسطى نفسها!

هل هنالك من يفكّر في عصر التويتر والفيس بوك والفضائيات واليوتيوب في اعتقال الكلمة والخبر والمعلومة والسقف إلاّ...!
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير