jo24_banner
jo24_banner

تحت طائلة اليأس والإحباط!

محمد أبو رمان
جو 24 :

لا تقتصر تداعيات "الأحداث" السورية محليّاً على مئات الآلاف من الأشقاء اللاجئين، وما يزال العدد في ازدياد، وما يشكّله هذا الملف من تحدٍّ كبير، أو على خطر الفوضى على حدودنا الشمالية، وما تحمله الأيام القادمة من تطورات إقليمية، أو حتى الاشتباكات المحدودة التي وقعت بين البلدين.

ولا تقف التداعيات، أيضاً، عند حدود الانقسام الحاد بين النخب السياسية تجاه ما يحدث هناك، وما ينجم عنه من "تفجير" أزمة داخل "بيت المعارضة" التقليدية ذاته، وظهور انقسامات شديدة، وصلت ببعض أطراف المعارضة إلى التخلي عن مطلب الإصلاح السياسي والديمقراطية، خشيةً من هيمنة إسلامية مشابهة على اللعبة الديمقراطية، كما حدث في أغلب الدول العربية التي شهدت انتخابات بعد نجاح الثورات والإصلاحات الجذرية فيها!

كل ذلك يؤثّر -بلا ريب- على المشهد السياسي الداخلي. ويمكن أن نضيف إليه الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. إلاّ أنّ "الظلال القاتمة" الثقيلة التي تلقيها "الأحداث" في سورية اليوم تقع على "وجدان" المواطن الأردني نفسه، لما يشاهده ويقرأه من آلاف التسجيلات المصورة والصور والأخبار المرعبة التي تتدفق يومياً لتغرقنا وجدانياً وعاطفياً، وحتى فكرياً، في الأزمة السورية.
لا أبالغ في القول إنّ المواطن الأردني اليوم هو أيضاً أسير الأزمة السورية، في شق أعمق من المستوى السياسي والاقتصادي؛ إذ تغوص هذه الأحداث والصور إلى قاع وعيه، وتخلق لديه قلقاً كبيراً مما يراه ويقرأه، وتقوده إلى تخوم حيرة شديدة في قراءة المعادلة أو الموازنة بين الحق في الحرية والديمقراطية والكرامة والتحرر والدخول في دورة التاريخ من جهة وبين الكلفة الإنسانية الباهظة التي يمكن أن يدفعها الإنسان، بما يتجاوز القتل إلى التعذيب والإهانة والتشريد والطرد، والتآمر والتواطؤ الدوليين، وأخيراً القلق بألاّ يتحقق "الحلم الديمقراطي" بالحرية والكرامة، بعد كل هذه التضحيات التي تفوق كثيراً طاقة البشر!

"المثال السوري" يتبدّى في وعي الشارع الأردني في الفترة الطويلة التي قضتها الثورة السورية إلى الآن، وانتقالها من السلمية إلى العسكرة، وحجم الكلفة الإنسانية الهائلة التي تمّ دفعها، مقارنةً بالثورات الديمقراطية العربية الأخرى التي لم تستغرق هذا الوقت، ولم تصل إلى جزء بسيط من "الفاتورة" السورية. وبالرغم من ذلك، فإنّ النظام مستمر في مجازره، بتواطؤ دولي مخجل وكاشف عن حجم النفاق والدجل الغربي والأميركي تجاه الإنسان العربي!
بالضرورة، ثمة أسباب متعددة لضعف الحراك الشعبي المحلي المطالب بالإصلاح السياسي، منها أسباب ذاتية-من داخل الحراك، وموضوعية-طبيعة المجتمع ومعادلته؛ لكن أحد أبرز أسباب تراجع الحراك وذبوله الملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، هو بسبب ما تلقيه "الأحداث" السورية في روع المواطن الأردني من استنتاجات مقلقة ومرعبة، وما تبثه من حالة إحباط شديد لدى شريحة واسعة، تحت وقع الصور والأخبار التي أصبحت مشهداً يومياً يلازم الأردنيين.

دعك ممن يعتقدون أنّ كل ما يحدث مؤامرة من الشعب السوري على نفسه! فإنّ المشهد السوري يحتل اليوم زوايا الرؤية كاملة لدى المواطن الأردني، فكثير من الناس أضافت لهم الثورة السورية أسباباً جديدة للاستنكاف عن الواقع السياسي والهروب من معايشته، ولعلّ ما يفسّر التراجع في الحراك ليس قبولاً بما تمّ داخلياً في "ملف الإصلاح"، بقدر ما هو "وقوع" نسبة كبيرة تحت طائلة اليأس والإحباط، والاحتجاج الصامت عبر روح سلبية من كل ما يجري!

m.aburumman@alghad.jo


(الغد)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير