عاصفة في الجنوب
ماهر أبو طير
جو 24 : يبدو المشهد مثيراً للغرابة، فالناس الذين حمّلوا الدولة مسؤولية السكوت على مؤسسات البورصة التي احتالت على الناس، هم ذات الناس الذين يرفضون التدخل المبكر لمنع كارثة أخرى خصوصا في جنوب المملكة وبعض المناطق الأخرى، فعمان مسؤولة في الحالتين!.
والقصة تكرر نفسها، لكننا لا نتعلم، فضيحة البورصة التي تفجرت بعد عجز مؤسساتها عن الدفع، كانت تأخذ أموال الناس، وتشغلها وتدفع أرباحا مغرية شهريا للمودعين، وكانت كل القصة فعليا،تقوم على نقطتين تشغيل الاموال في بورصات خارجية، والاستفادة من فروقات الفوائد بين الخارج والداخل، بالاضافة الى دفع الارباح من ذات اموال المودعين، عبر نقل المال فقط، من مودع الى مودع- منهم واليهم- والهدف استقطاب اكبر مبالغ ممكنة، من اجل الاحتيال لاحقا.
عندما انهارت الشبكات، تم وضع اللوم على الدولة، التي سكتت على هذه النشاطات،ولم تتدخل لمنعها، وهي تعرف أن هناك نصبا واحتيالا.
اليوم نحن أمام قصة شبيهة، ولإيلام الذين يغضبون من ناحية محددة، زاوية مالهم الشخصي كأفراد، وامامنا في الجنوب آلاف الضحايا، لما يسمى ظاهرة «الترميش» أي أنك تبيع سيارتك بأكثر من سعرها بكثير وبسعر مغر، مقابل شيك مؤجل الدفع الى اربعة شهور، والتاجر الذي يشتري السيارة ويمنحك الشيك يقوم ببيعها بأقل من سعرها بكثير وفورا من اجل توفير سيولة نقدية بين يديه، والأمر ينطبق على ممتلكات وعقارات اخرى.
هكذا نمت هذه التجارة المريبة مثل الفقاعة، وسط التزام التجار بالدفع ، لأنهم فعليا يحصلون على السيولة بهذه الطريقة ويقومون بترحيلها من واحد الى آخر، حتى تأتي لحظة لاحقا، ويصبح هؤلاء عاجزين عن الدفع، وهي لحظة لم تحدث فعليا حتى الآن، فجاءت الدولة وتدخلت قبل انهيارهم وحجزت على أموال التجار، تحوطا من لحظة النهاية المقبلة بلا شك، لأن التجار هنا سيصلون الى مرحلة يعجزون فيها عن الدفع، أو يجمعون اكبر مبلغ مالي ويهربون فجأة، بعد أن ينجحوا بإيقاع الآلاف.
المواطنون قبل التجار غضبوا،بشدة في جنوب البلاد، لأن الحجز على اموال وعقارات التجار، يعني فعليا انهم لن يدفعوا حقوق المواطنين، كما أن كل الشيكات التي بحوزة المواطنين باتت حاليا مجرد ورق،وعليهم ان ينتظروا سنوات لأخذ حقوقهم، إن توافرت كليا في الاساس، وهذا امر مستبعد.
يالها من مفارقة، فعمان الرسمية تتخوف من النهايات المقبلة على الطريق، أي هروب التجار أو انهيارهم، فتضيع حقوق الناس، وبالمقابل الناس يعتقدون هنا أن الحجز على اموال وعقارات التجار، سيؤدي الى عدم دفع مستحقاهم في وقتها، وربما عدم كفاية الاموال المحجوزة لدفع كل مستحقاتهم، وقد يأخذون ربعها او نصفها كما حدث في قصة البورصة.
هي عاصفة تهب على الجنوب، ويعرف كثيرون أن هذه الظاهرة وصلت الى الوسط والشمال، لكنك تحتار بصراحة كيف يصدق اناس هذه الخدعة، رغم أنهم شاهدوا قصة البورصة بأمِّ اعينهم، وهي ايضا دليل على الطمع الذي يسري في عروقنا، والذي تنامى بفعل رؤية كثيرين يقبضون فعلا ثمن سياراتهم مضاعفة، او عقاراتهم، وهذا كان الفخ لاستدراج اخرين، بل ان التشوهات الاقتصادية في حياتنا وصلت حد بيع الشيكات، وتجييرها، مقابل الحصول على جزء من قيمة الشيك.
ما يراد قوله هنا، ان الكارثة الأخرى تتعلق بجعل المواطنين والتجار، متضامنين، في كفة واحدة، رغم أن قصد عمان الرسمية، انقاذ المواطنين من انياب التجار، لكن توقيت الحجز المبكر، اشعل المشكلة، وكأن اغلبنا يريد الاستمرار في المقامرة الى النهاية، فيما يقول المواطنون ان على الدولة تركهم في حالهم، وانهم سيتدبرون امورهم مع التجار!!.
لابد من فك عقدة القضية سريعا، فأما تستجيب الحكومة لرغبة المواطنين، وعلى مسؤوليتهم، بالبقاء مخدرين لإغراءات التجار، وليحتالوا عليهم دون تحميل الحكومة أي مسؤولية رسمية لاحقا، واما على الحكومة الإسراع فورا بدفع حقوق الناس، وعدم التسبب بإيذاء الناس، عبر تأخير حقوقهم، لأن الحكومة هنا، تكون قد وقعت في ذات الفخ الذي أوقعنا فيه التجار، اي ضياع حقوق الناس، وبدلا من النصب المتأخر، كان الانهيار المبكر بصناعة حكومية ولدوافع طيبة وحسنة، لا تغني عن الأمر شيئا.
عاصفة تهب على الجنوب وكل المملكة، وضحاياها آلاف المواطنين، وعائلاتهم، وعلى ما يبدو فإن قدرنا ان نخسر دوما، أما بمعالجة مبكرة أو حتى عبر المعالجة المتأخرة.
يبقى السؤال.....لماذا لا نتعلم ولماذا نقع كل مرة أسرى لذات الطريقة في الاحتيال؟!.
(الدستور)
والقصة تكرر نفسها، لكننا لا نتعلم، فضيحة البورصة التي تفجرت بعد عجز مؤسساتها عن الدفع، كانت تأخذ أموال الناس، وتشغلها وتدفع أرباحا مغرية شهريا للمودعين، وكانت كل القصة فعليا،تقوم على نقطتين تشغيل الاموال في بورصات خارجية، والاستفادة من فروقات الفوائد بين الخارج والداخل، بالاضافة الى دفع الارباح من ذات اموال المودعين، عبر نقل المال فقط، من مودع الى مودع- منهم واليهم- والهدف استقطاب اكبر مبالغ ممكنة، من اجل الاحتيال لاحقا.
عندما انهارت الشبكات، تم وضع اللوم على الدولة، التي سكتت على هذه النشاطات،ولم تتدخل لمنعها، وهي تعرف أن هناك نصبا واحتيالا.
اليوم نحن أمام قصة شبيهة، ولإيلام الذين يغضبون من ناحية محددة، زاوية مالهم الشخصي كأفراد، وامامنا في الجنوب آلاف الضحايا، لما يسمى ظاهرة «الترميش» أي أنك تبيع سيارتك بأكثر من سعرها بكثير وبسعر مغر، مقابل شيك مؤجل الدفع الى اربعة شهور، والتاجر الذي يشتري السيارة ويمنحك الشيك يقوم ببيعها بأقل من سعرها بكثير وفورا من اجل توفير سيولة نقدية بين يديه، والأمر ينطبق على ممتلكات وعقارات اخرى.
هكذا نمت هذه التجارة المريبة مثل الفقاعة، وسط التزام التجار بالدفع ، لأنهم فعليا يحصلون على السيولة بهذه الطريقة ويقومون بترحيلها من واحد الى آخر، حتى تأتي لحظة لاحقا، ويصبح هؤلاء عاجزين عن الدفع، وهي لحظة لم تحدث فعليا حتى الآن، فجاءت الدولة وتدخلت قبل انهيارهم وحجزت على أموال التجار، تحوطا من لحظة النهاية المقبلة بلا شك، لأن التجار هنا سيصلون الى مرحلة يعجزون فيها عن الدفع، أو يجمعون اكبر مبلغ مالي ويهربون فجأة، بعد أن ينجحوا بإيقاع الآلاف.
المواطنون قبل التجار غضبوا،بشدة في جنوب البلاد، لأن الحجز على اموال وعقارات التجار، يعني فعليا انهم لن يدفعوا حقوق المواطنين، كما أن كل الشيكات التي بحوزة المواطنين باتت حاليا مجرد ورق،وعليهم ان ينتظروا سنوات لأخذ حقوقهم، إن توافرت كليا في الاساس، وهذا امر مستبعد.
يالها من مفارقة، فعمان الرسمية تتخوف من النهايات المقبلة على الطريق، أي هروب التجار أو انهيارهم، فتضيع حقوق الناس، وبالمقابل الناس يعتقدون هنا أن الحجز على اموال وعقارات التجار، سيؤدي الى عدم دفع مستحقاهم في وقتها، وربما عدم كفاية الاموال المحجوزة لدفع كل مستحقاتهم، وقد يأخذون ربعها او نصفها كما حدث في قصة البورصة.
هي عاصفة تهب على الجنوب، ويعرف كثيرون أن هذه الظاهرة وصلت الى الوسط والشمال، لكنك تحتار بصراحة كيف يصدق اناس هذه الخدعة، رغم أنهم شاهدوا قصة البورصة بأمِّ اعينهم، وهي ايضا دليل على الطمع الذي يسري في عروقنا، والذي تنامى بفعل رؤية كثيرين يقبضون فعلا ثمن سياراتهم مضاعفة، او عقاراتهم، وهذا كان الفخ لاستدراج اخرين، بل ان التشوهات الاقتصادية في حياتنا وصلت حد بيع الشيكات، وتجييرها، مقابل الحصول على جزء من قيمة الشيك.
ما يراد قوله هنا، ان الكارثة الأخرى تتعلق بجعل المواطنين والتجار، متضامنين، في كفة واحدة، رغم أن قصد عمان الرسمية، انقاذ المواطنين من انياب التجار، لكن توقيت الحجز المبكر، اشعل المشكلة، وكأن اغلبنا يريد الاستمرار في المقامرة الى النهاية، فيما يقول المواطنون ان على الدولة تركهم في حالهم، وانهم سيتدبرون امورهم مع التجار!!.
لابد من فك عقدة القضية سريعا، فأما تستجيب الحكومة لرغبة المواطنين، وعلى مسؤوليتهم، بالبقاء مخدرين لإغراءات التجار، وليحتالوا عليهم دون تحميل الحكومة أي مسؤولية رسمية لاحقا، واما على الحكومة الإسراع فورا بدفع حقوق الناس، وعدم التسبب بإيذاء الناس، عبر تأخير حقوقهم، لأن الحكومة هنا، تكون قد وقعت في ذات الفخ الذي أوقعنا فيه التجار، اي ضياع حقوق الناس، وبدلا من النصب المتأخر، كان الانهيار المبكر بصناعة حكومية ولدوافع طيبة وحسنة، لا تغني عن الأمر شيئا.
عاصفة تهب على الجنوب وكل المملكة، وضحاياها آلاف المواطنين، وعائلاتهم، وعلى ما يبدو فإن قدرنا ان نخسر دوما، أما بمعالجة مبكرة أو حتى عبر المعالجة المتأخرة.
يبقى السؤال.....لماذا لا نتعلم ولماذا نقع كل مرة أسرى لذات الطريقة في الاحتيال؟!.
(الدستور)