فقط نريد أن نفهم!
الرابط المتين في وجبات التعيينات الأخيرة للمواقع المهمة، وفق الانطباع السائد والبادي للعيان في المواقع الالكترونية والمجالس الاجتماعية وأحاديث النخب، أنّها تهدف إلى استرضاء الشخصيات النافذة والمؤثرة في مواقع القرار والنفوذ، وأنّ المعيار الرئيس فيها هو أن تكون شقيقاً أو ابناً أو نسيباً أو زميل دراسة لأحد هؤلاء المسؤولين أو صديقاً له!
الارتجالية والمزاجية في التعيينات، يضاف إليها معيار "الولاء" (بدلاً من الكفاءة) ليست بالأمر الجديد، لكن الجرعة زادت كثيراً في التعيينات الأخيرة، وتجاوزت ذلك إلى تكريس شعور عام بأنّ هذه المناصب والمواقع، وجميعها مهمة، خضعت لمعيار أكثر خطورة، وهو "تبادل المنافع" في داخل هذه النخبة، وتمّ الضرب بعرض الحائط بمبدأ ضرورة وجود لجنة عليا مختصة للنظر في التعيينات في المواقع المهمة والحساسة واختيار الأنسب لها، فهذا القرار لم نشهد تفعيلاً ملموساً له في المواقع المهمة، سوى في عهد حكومة معروف البخيت الأولى، وتحديداً في اختيار مدير عام الضمان الاجتماعي حينها، د. عمر الرزاز.
مثل هذه القرارات تأخذ في دول أخرى نقاشاً كبيراً وتخضع لمساءلة معمّقة بين السلطات المعنية وفي أوساط الإعلام، وينبش المعنيون في مدى تطبيق المعايير ودقة ملاءمتها لاختيار الأشخاص ولقدراتهم وأهليتهم وأماناتهم، بخاصة عندما نجد علامات استفهام مقلقة حول شخصية مدير الوحدة الاستثمارية الجديد في الضمان، بعد أن أوقفت حكومة البخيت الثانية تعيينه في هذا الموقع سابقاً، لوجود شكوك حوله في قضايا أخرى، فكيف إذا كان هذا الموقع يرتبط بأكثر قضية حساسة اليوم، وهي أموال الناس المتبقية لهم ومصدر الأمان الوحيد للمستقبل!
لا ندّعي أن التعيينات كافة – بالضرورة- غير عادلة، لكن من حقنا أن نفهم وأن نطالب الرئيس والحكومة أن يواجهوا الرأي العام ويقدموا مرافعتهم للأسباب التي تقف وراء اختيار الأمين العام للمجلس الأعلى للشباب وأمين عام وزارة التنمية الاجتماعية ومدير عام الضمان الاجتماعي، وأعضاء آخرين في مجالس إدارات، تدور علامات استفهام حولها.
رئيس الوزراء لا يعترف بالربيع العربي ولا بالشارع كفاعل مهم، في أغلب مواقفه وقراراته، هذا واضح؛ لكن من الخطورة بمكان ألا ينتبه (أيضاً) إلى أنّ أحد أهم أسباب انفجار الاحتجاجات في العالم العربي والحراك الشعبي الأردني، هو الشعور بأنّ المناصب العليا والمواقع المهمة، وتقاسم السلطة والثروة يخضع لمبدأ الاحتكار والتوريث والعلاقات الخاصة، داخل النخب الحاكمة أو التي تملك أزمّة القرار! أي الشعور بالظلم وغياب القانون وتجاهل مبدأ تكافؤ الفرص، وهو - بقصد أو غير قصد- كرّسته التعيينات الأخيرة!
خطورة ما تحمله التعيينات من دلالات وتداعيات أنّها جاءت متزامنة مع قرار رفع أسعار المحروقات، في ظل أزمة اقتصادية خانقة لدى الناس (على أبواب المدارس والشتاء)، ضمن بنود اتفاقية مع صندوق النقد الدولي تفرض على الحكومة
- للحصول على القرض وحل مشكلتها المالية المزمنة - رفع الدعم عن أغلب الخدمات والسلع خلال العامين القادمين، ومن ضمنها الكهرباء، ما يعني أنّ أسعارها ستتضاعف خلال الأعوام القليلة القادمة!
تلك الاتفاقية تحمل في طياتها تحولات بنيوية مهمة في صيغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتدفع بـ"مطبخ القرار" إلى ترميم الثقة المتصدّعة كثيراً بين الدولة والشارع، فإذا كانت الدولة تؤكّد أنّه لا بديل لحماية الاقتصاد الوطني من سلوك هذا الطريق، فإنّ المواطن ينظر إلى التعيينات الأخيرة وغياب العدل والشفافية وتدمير مبدأ سيادة القانون بوصفها دليلاً على أنّ الحكومات لا تتعلّم من أخطاء وخطايا الماضي، وأنّ المواطن - في نهاية اليوم- هو من سيدفع أثماناً جديدة لذلك!
(الغد)