تنظيمات إسلامية عابرة للحدود- الحلقة العاشرة
حمادة فراعنة
جو 24 : مقدمة لا بد منها
كتابي السابع عشر هذا « التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود « يصدر في سياق تفاقم حالة الصراع في العالم العربي واحتدامه بشكل عبثي ودموي، بعد انفجار ثورة الربيع العربي التي توسلت البحث عن : 1- التحرر والاستقلال، وامتلاك زمام المبادرة وحرية اتخاذ القرار، 2- الطمأنينة ولقمة العيش الكريم متضمنة ثلاثة مطالب أساس يفتقدها المواطن العربي هي الراتب المناسب، التأمين الصحي، والضمان الاجتماعي عند التقاعد والوصول إلى الشيخوخة، و3- الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة والاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع، ولذلك جاءت كتبي في سلسلة قضايا ثلاث رئيسة متداخلة، سلسلة الكتب الأردنية تحت عنوان : معاً من أجل أردن وطني ديمقراطي، وسلسلة الكتب الفلسطينية تحت عنوان : معاً من أجل فلسطين والقدس، وسلسلة الكتب العربية تحت عنوان : من أجل عالم عربي تعددي ديمقراطي موحد .
وكتابي السابع عشر هذا مرتبط بكتابين، سبق نشرهما، وهما: 1- حزب الإخوان المسلمين في الميزان، و2- الدور السياسي لحركة الإخوان المسلمين، في إطار تنظيمات وأحزاب التيار الإسلامي، تأكيداً لدورهم ومكانتهم وقيادتهم للحركة السياسية في العالم العربي، في غياب أحزاب التيار اليساري، وأحزاب التيار القومي، وأحزاب التيار الليبرالي، التي تضررت بفعل الحرب الباردة ونتائجها .
كما جاء كتابي هذا على خلفية كتابي الذي صدر العام 2013 عن ثورة الربيع العربي أدواتها وأهدافها، وحصيلتها أن الثورة ما كانت لتكون لولا توافر العامل الموضوعي المحفز للاحتجاجات والدافع لها والمتمثل بغياب الاستقلال السياسي والاقتصادي عن بعض البلدان العربية، وهيمنة اللون الواحد، والحزب الواحد، والعائلة الواحدة، والطائفة، والشخص الفرد المتحكم بمفرده في إدارة الدولة، في أكثر من بلد عربي، وأخيراً بسبب غياب العدالة والطمأنينة وعدم توافر الخدمات الأساس من صحة وتعليم وضمانات اجتماعية للمحتاجين .
أما العامل الذاتي في ثورة الربيع العربي، فقد اقتصر على مؤسسات المجتمع المدني بما تحمل من مفاهيم عصرية عن الديمقراطية والتعددية واحترام مشاركة المرأة في مؤسسات صنع القرار، وبما تملك هذه المؤسسات ( مؤسسات المجتمع المدني ) من علاقات مع مؤسسات أوروبية وأميركية توفر لها الحصانة والدعم المطلوبين، ولكن بسبب غياب دور الأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية، فقد استثمرت أحزاب التيار الإسلامي حصيلة الربيع العربي ونتائجه كي تكون هي صاحبة القرار، سواء عبر تفاهمها مع الأميركيين، أو عبر حصولها على الأغلبية البرلمانية كما حصل في فلسطين والعراق ومصر وتونس والمغرب، أو لامتلاكها الخبرات القتالية على أثر دورها في أفغانستان، ورغبتها في التغيير الثوري الجوهري، فاحتكمت إلى وسائل العنف واستعمال السلاح لمواجهة الاحتلال الأميركي للعراق، او لإسقاط النظم القائمة في ليبيا وسوريا واليمن، وحصيلة ذلك إخفاق ثورة الربيع العربي للآن، رغم توافر العامل الموضوعي ونضوجه لقيام الثورة، تغييراً للواقع، نحو الأفضل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكن الإخفاق الفاقع يعود لعدم نضوج العامل الذاتي، وكثرة نواقصه، وعدم اكتماله، بصفته أداة الثورة ومحركها، وطالما أن العامل الذاتي كان ناقصاً، ولم تكتمل حلقات نضوجه، فقد انعكس ذلك على ضعف أدائه وعلى نتيجة أفعاله، فغياب أحزاب التيارات الثلاثة اليسارية والقومية والليبرالية وضعفها، جعل الوضع متروكاً لقوة ونفوذ أحزاب التيار الإسلامي، التي لا تؤمن لا بالتعددية ولا بالديمقراطية، ولا تملك البرامج الاقتصادية والاجتماعية الكافية، لجعلها أداة في يد عامة الناس، وهدفاً لها كي تلتحم مع الثورة وتلتف حولها، فانطبق على المواطن العربي المثل القائل أنه مثل الشخص الذي هرب من الدلف فوقع تحت المزراب، وغدت الأنظمة السابقة بعجرها وبجرها، هي أفضل حالاً مما وقع لاحقاً، من هيمنة ونفوذ وتأثير الأحزاب الإسلامية، وقيادتها للعمل السياسي وللتغيير الثوري، مسنودة بعواصم إقليمية، فحاضنة الإخوان المسلمين تركيا وقطر، وحاضنة ولاية الفقيه الدولة الإيرانية؛ ما خلق حالة من الصراع الإقليمي والدولي المباشر في منطقتنا، وعلى أرضنا، وعلى حساب دماء شعبنا وثرواته .
إذن هذا الكتاب، ليس فلسفة معرفية، بل هو إضافة سياسية تراكمية، لوضع ثورة الربيع العربي في سياقها من أجل إنتصار الديمقراطية في العالم العربي، وتحقيق الطمأنينة بلقمة العيش الكريم بالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، وتحرير فلسطين .
هذا الكتاب يسلط الضوء على التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، أي أنه يستهدف القوى الإسلامية الأساس القيّا تأثيراً ومكانة في العالم العربي، ولا يستهدف تنظيمات إسلامية محلية في هذا البلد العربي أو ذاك، بصرف النظر عن قوتها أو ضعفها، بل هو يستهدف التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، والتي تعمل في السياسة، ولها تأثير على صنع القرار، أو على صنع الأحداث الجارية :
1- حركة الإخوان المسلمين . 2- ولاية الفقيه الإيرانية . 3- تنظيم القاعدة . 4- تنظيم الدولة الإسلامية داعش . 5- حزب التحرير الإسلامي.
لذا أرجو أن يقدم شيئاً جديداً، للقارئ، وللمكتبة العربية، وأن ينال الاهتمام كما يستحق، وفق الجهد الذي بذل وتحقق.
حمادة فراعنة *
رب ضارة نافعة
قدمت أسرة الشهيد الطيار معاذ الكساسبة ، تضحية كبيرة لا يمكن تعويضها من قبل الدولة أو من قبل الأردنيين كافة ، فقد خسرته زوجته ووالدته ووالده واخوانه وشقيقاته ، ولن يعوضهم ما قُدم أو ما سُيقدم لهم ، مادياً أو معنوياً ، وستبقى أسرته فاقدة لعزيز عليها ، لن يعود ، وهي وحدها ستتحمل ثمن الخسارة الى الأبد ، ولكن ما سجلته أسرته ، خاصة تصريحات والده الذي احتسبه شهيداً ، فداء للأردن ، وما قالته والدته أن خبر استشهاده مزق قلبها وأثار أحزانها ، ومع ذلك فهي تشكر الله تعالى على أن ابنها مات شهيداً ، وأنها فخورة به ، انما يرفع رأس جميع الأردنيين ، ويجعلنا نتباهى أننا شركاء مع أسرة معاذ في وطن واحد ، وننتمي لشعب واحد .
أسرة الشهيد ، خسرت ابنها ، ولكن الأردنيين ، سيربحون جميعاً من استشهاده ، فقد قدم خدمة جليلة قل مثلها ، في اللحظة التاريخية الراهنة ، فقد وحد الأردنيين على قضية ربما لم يسبق لهم وأن توحدوا ، على قضية مثلها ، بهذا الزخم ، وبهذه القوة ، كما فعلوا ، مع عنوانين اثنين أولهما التعاطف والانحياز لقضية معاذ ، وثانيهما العداء للمجرمين الذين ارتكبوا حماقة اعدامه بالشكل الهجمي الذي نفذوا فيه طريقة الاعدام غير المسبوقة بحرقه .
لقد توحد الأردنيون ، بعد أن كانوا مختلفين ، على المشاركة أو عدمها ضمن قوات التحالف في التصدي لتنظيمي القاعدة وداعش ، فبعضهم قال أن هؤلاء من المسلمين لا يجوز العمل مع الأجنبي والتعاون معه لمحاربتهم ، وبعضهم قال ما لنا والحرب في سوريا والعراق ، طالما أن الأردن سالم معافى ، فلماذا نشارك في معركة لا تعنينا ، متناسين أن بلدنا سبق له وأن تعرض للأذى بسلسلة من عمليات التفجير والاغتيال ، وواجه سلسلة من المحاولات الأكثر عدداً وتنوعاً ، لادخال سيارات وأسلحة وعناصر تخريبية للأردن ، عبر الحدود الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق ، والشيء المؤكد أن محاولاتهم لم تكن دوافعها طيبة ، ولم تكن غير عداونية ضد الأردن ومؤسساته ومواطنيه .
كما اختلف الأردنيون على دوافع المشاركة الأردنية بقوات التحالف ، فهل كانت المشاركة لدوافع الاستجابة للضغوط الخليجية والمطالب الأميركية ، أم أنها تعكس الضرورة الأردنية وأولوياتها ، في اتخاذ خطوة أو خطوات استباقية لحماية الأمن الوطني الأردني .
وقدم معاذ من خلال استشهاده ، شهادة تعرية لسلوك ودوافع وممارسات تنظيمي القاعدة وداعش ، المتطرف ، وافتقادهما لأبسط معايير السلوك الانساني ، والالتزام الديني ، ولا أدل على ذلك ، أكثر من شهادة أبو محمد المقدسي ، الموصوف على أنه منظر التيار السلفي الجهادي في الأردن .
كما قدم معاذ واستشهاده غطاءاً لمواصلة خيار الدولة ، بل ودافعاً أقوى في التصدي لداعش وللقاعدة ، فالقرار السياسي لدى الدولة ، كانت تنقصه التغطية الشعبية ، وقبول مشاركة الأردن في هذا الخيار من قبل الأغلبية الشعبية والحزبية والبرلمانية والنقابية ، وها هي النتيجة ناصعة فاقعة ، في انحياز الأغلبية الساحقة من الأردنيين في دعم القرار السياسي والأمني ، عبر المشاركة الأردنية بكثافة نوعية وبزخم أقوى في تنفيذ عمليات قصف مركز واستهداف موجع لقواعد داعش والقاعدة ، وبأدوات ووسائل قتالية متعددة ، وعلنية شفافة مما يدلل على ثقة صاحب القرار ، بما توفر لديه من تغطية وقبول جماهيري من قطاعات واسعة من الأردنيين ، لخيار التصدي لداعش وللقاعدة .
مشاركة الأردن ، وبقوة ، للتصدي لتنظيمي داعش والقاعدة ، وفر له دعماً مادياً ، واسناداً قوياً من الأطراف العربية والدولية ، ستنعكس على مكانة الأردن ، وعلو شأنه ، وتحسين أوضاعه لتغطية احتياجاته في ظل ظروفه المالية والاقتصادية الصعبة ، وما سلسلة الزيارات العربية والدولية للأردن ، سوى تعبير عن هذه المكانة التي يشغلها الأردن ، ويستحقها في نفس الوقت ، وهي لا شك أنها ستعود عليه بالخير .
مطلوب سياسات مبادرة
رداً ، على استشهاد معاذ الكساسبة نفذت السياسة الأردنية سلسلة من الاجراءات العملية بدأت بتطبيق حكم الاعدام بحق ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي ، واطلاق سراح المقدسي ، وتوجيه ضربات جوية مركزة ضد قواعد ومؤسسات داعش والقاعدة ، على الأراضي العراقية والسورية عاكسة القرار الأردني ، نحو مجموعة من التوجهات العسكرية والأمنية والسياسية وربما تتسع للفكرية ولغيرها ، بهدف تطويق المداخل والمراجع والأدوات للفصيلين ، والحيلولة دون وصول عملياتهم الى الأردن .
وها هي القيادة المصرية ، رداً على اعدام المواطنين المصريين الأبرياء بشكل همجي وعنصري بغيض ، تتخذ أيضاً سلسلة اجراءات مماثلة كما فعل الأردن ، وتوجيه ضربات مكثفة ضد قواعد ومؤسسات داعش والقاعدة على الأراضي الليبية .
لنلحظ هنا أن ردود الفعل الأردنية وبعدها المصرية ، لم تكن لتتم لولا مبادرات داعش والقاعدة في توجيه الأذى للمواطنين الأردنيين وللمصريين ، ولم يكن الأردن ومصر وغيرهما من البلدان العربية أصحاب مبادرة لتوجيه ضربات احترازية موجعة لكل من القاعدة وداعش ، مع العلم أن هنالك غطاء لممارسة هذا الدور المبادر وهو اتفاقية الدفاع العربي المشترك ، مثلما يمكن توفير الغطاء الدولي من قبل مجلس الأمن للقيام بهذا العمل الهجومي والمبادر ، فقد وظفت الولايات المتحدة قرارات الأمم المتحدة ، لاسقاط نظامين عربيين بالقوة المسلحة في العراق وليبيا ، وها هي العربية السعودية مع المجموعة العربية ، قد وظفت مجلس الأمن في قراره رقم 2216 الصادر يوم 14/4 ، بشأن اليمن ، مما يتطلب العمل الحثيث لاستعمال الأمم المتحدة خدمة للمصالح العربية المشروعة وفي طليعتها القضية الفلسطينية .
تتميز داعش والقاعدة ، على أنهما من التنظيمات السياسية العابرة للحدود ، فما تفعله في العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا ، وغيرها من الأماكن ، يتم عبر سياسة مرجعية ورؤية عقائدية واحدة ، ويتم تنفيذ برامجها من قبل قيادات وأدوات محلية ، وهو المطلوب عربياً ، فالأردن ومصر والسعودية والسودان والجزائر والمغرب ، عليهم أن يوفروا الدعم المباشر ، المتعدد الأشكال للأطراف العربية الأخرى التي تحتاج للدعم والاسناد ، فاذا كان الارهاب عابراً للحدود ، عبر تنظيماته المتعددة ، فالاسناد العربي أيضاً ، يجب أن يبقى عربياً خالصاً ، وعابراً للحدود ، كما فعل الخليجيون مع مصر مالياً ، وكما فعلوا مع اليمن عسكرياً ، وكما يجب أن يفعلوا مع بعضهم البعض ، حماية للأمن القومي المشترك .
لقد نجحت القوات المسلحة الأردنية ، في توجيه ضربات قد تكون موجعة لداعش وللقاعدة ، وقد تكون القوات المصرية قامت بالعمل نفسه ، ولكن ذلك غير كاف لايلام التطرف ولجمه ، فالمطلوب كما فعلت قوات الأمن الأردنية بجلب زياد الكربولي ، مطلوب جلب قيادات وعناصر من داعش والقاعدة وتقديمهم للمحاكم الأردنية ، لأن مثل هذه العمليات النوعية ، حتى ولو كانت في مناطق رخوة ، ستؤدي الى تحقيق غرضين أولهما زعزعت معنويات المتطرفين وحشرهم ، وثانيهما رفع معنويات شعبنا وثمناً نقدمه لأهالي الضحايا والشهداء الذين فقدوا أعزاءهم ، وهذا ما يجب أن يفعله الجيش المصري ، عبر عمليات انزال خاصة ونوعية ، بالتنسيق المسبق مع الليبيين وبمشاركتهم ، كما يجب أن نفعل نحن هنا ، بالتنسيق والشراكة مع العراقيين والعشائر العراقية .
ما تفعله القاعدة وداعش ليس بعيداً عن تراث البشرية الأسود ، فمحاكم التفتيش الكنسية الأوروبية في قرون ما قبل النهضة الصناعية والفكرية والثقافية ، وحرق المفكرين وقادة الرأي هو الذي دفع أوروبا كي تنهض ، وتهزم قوى الظلام وعناصر التخلف وتتخلص من الرجعية ، وتتقدم نحو العصر وتعيش الحياة وتنتصر فيها ولها التعددية واحترام حقوق الانسان، وهو ما يجب أن يكون عندنا ولدينا ، اذ أن الثمن الذي ندفعه من دماء الضحايا والشهداء ، وعرق الشعوب الذي تم هدره في بناء المؤسسات ويجري تدميرها الأن في العراق واليمن وسوريا ومصر وليبيا على أيدي التطرف والارهاب والتخلف هو الذي سيدفع شعوبنا لأن تبحث عن البديل الديمقراطي التعددي العصري ، الذي يحتكم لنتائج صناديق الاقتراع ، فلا شرعية الا لما تفرزه صناديق الاقتراع ، وهي تقاليد ما زالت بدائية في عالمنا العربي ، نتيجة سنوات التسلط ، تسلط الفرد والعائلة والطائفة واللون الواحد ، تحت غطاءات مختلفة ومتعددة ، فالألم والقسوة والفقر هم الدوافع لرفض الواقع المأساوي ، وصولاً الى الأمن والاستقرار واحترام حياة الانسان بصرف النظر عن دينه أو قوميته أو جنسه أو لونه .
خلافات الاخوان المسلمين
في الوقت الذي صدر فيه قرار ادانة نائب المراقب العام لحركة الاخوان المسلمين في الأردن ، زكي بني ارشيد ، من قبل محكمة أمن الدولة يوم 15/2/2015 ، كانت قيادة حركة الاخوان المسلمين ، قد أصدرت قراراً بفصل عشرة من قيادات الحركة ، بما فيهم قيادات من الصف الأول ارحيل الغرايبة ونبيل الكوفحي ، وقيادات تاريخية أبرزهم عبد المجيد الذنيبات المراقب العام الأسبق للحركة ، بدون محاكمة .
قرار ادانة ومحاكمة بني ارشيد ، لا يحظى بالقبول والرضى ، من قبل الرأي العام الأردني ، ومن قبل قيادات يسارية وقومية وليبرالية ، لأنها تجد في بني ارشيد شخصية قيادية في اطار سياسي معارض ، وأن التهمة الموجهة اليه سياسية بامتياز ( تعكير العلاقات مع دولة شقيقة ) ، ولذلك حتى ولو اختلفوا معه ، ولم يتفقوا مع توجهاته وغالباً لأنها متشددة ، وأحياناً متصادمة مع التوجه الواقعي العام الذي يحكم مواقف القوميين واليساريين ، وقد أدى تشدد التيار الذي يمثله الى فرط التحالف السياسي المعارض الذي سبق وأن تشكل في بداية الربيع العربي ، بين الأطراف الأربعة : 1- الأحزاب اليسارية والقومية ، 2- النقابات المهنية ، 3- مجموعة أحمد عبيدات ، 4- الاخوان المسلمين ، ومع ذلك ، ولدوافع مبدئية ، رفضت الأحزاب القومية واليسارية محاكمة بني ارشيد واصدار حكم بحقه ، واعترضت على السياسة الحكومية التي أدت لمثل هذا الاجراء بحق شخصية سياسية بارزة .
ولكن اذا كانت محاكمة بني ارشيد ، محقة بسبب تعكير العلاقات مع دولة شقيقة ، أو مفتعلة لدوافع سياسية انعكاساً لاتساع فجوة الخلاف بين الدولة الأردنية وبين الاخوان المسلمين وتعبيراً عن الوضع المأزوم الذي اجتاح العالم العربي لصالح أحزاب التيار الاسلامي ، وتراجع مكانة حركة الاخوان المسلمين بعد سلسلة عناوين الفشل التي وقعت فيها وأبرزها 1- الانقلاب في غزة ، 2- محاولة اسقاط النظام في سوريا عبر العمل المسلح ، 3- فشل تجربتهم المصرية ، 4- فشلهم في مواجهة ولاية الفقيه الايرانية في اليمن ، وسواء تمت محاكمته لهذا الدافع أو ذاك ، فهو قرار له صياغاته القانونية ودوافعه السياسية ، باعتباره عنواناً لأكبر حركة سياسية معارضة وأقواها ، فماذا يمكن وصف قرار قيادة حركة الاخوان المسلمين بفصل عشرة من قيادات وكوادر الحركة ، بدون محاكمة ، ماذا يسمى ذلك ؟؟ واذا كان قرار الحكومة بمحاكمة بني ارشيد قرار تعسفي غير مقبول ، فماذا يمكن وصف قرار الاخوان المسلمين بحق عشرة بما فيهم المراقب العام السابق بدون محاكمة ؟؟ .
لندقق بمضمون ما كتبه د . ارحيل الغرايبة « اقدام قيادة الجماعة على اتخاذ قرار فصل مجموعة من قيادات الجماعة بطريقة الاعدام الميداني دون محاكمات ودون سؤال او جواب او مجرد اتصال هاتفي يمثل خروجاً على العرف الانساني فضلاً عن الاسلامي ، ويعبر عن عقلية عرفية مرعبة ، تسيء الى نفسها اولا وتلحق الضرر بالعاملين في الحقل الاسلامي الفكري والدعوي و السياسي عموما ، وينم القرار عن منهجية قيادية مأزومة تفتقد الى الرشد والحكمة ، في ظروف حرجة تمر بها الجماعة والمنطقة برمتها ، ويعبر عن قيادة أغمضت عينيها عن رؤية المشهد ، وأصمت اذنيها عن سماع النصيحة ، وسوف تلحق الضرر بالجماعة ومستقبلها وارثها التاريخي « ، وهي مقارنة عملية بين الموقفين ، موقف الحكومة الأردنية نحو أحد معارضيها ، وموقف حركة الاخوان المسلمين نحو عشرة من قياداتهم ، وفي كيفية التعامل مع اجتهاداتهم المعارضة لسلوكها ومواقفها وسياساتها !! .
حركة الاخوان المسلمين ، واحدة من الفصائل الاسلامية الخمسة العابرة للحدود في العالم العربي وأقدمها ، وقد تكون أكثرها انتشاراً ، واجهت مثلها مثل كل الفصائل والأحزاب اليسارية والقومية ، ظروفاً صعبة معقدة ، تتطلب الشجاعة وسرعة التكيف ، بعد سلسلة اخفاقاتها وتعثر برامجها في أكثر من بلد عربي ، رغم استفادتها من ثورة الربيع العربي ، وركوب موجتها وتوظيفها وقطف ثمارها ، بعد تفاهمها مع الولايات المتحدة ، على خلفية التحالف بينهما خلال الحرب الباردة ، في مواجهة المعسكر الاشتراكي وضد الأحزاب اليسارية والقومية ، ومع ذلك أخفق الاخوان المسلمون في تقديم رؤية عصرية تقوم على التعددية والديمقراطية واحترام شراكة المواطنة مع الأخر ، فاستفردت وطغت وسلوكها في غزة قبل مصر بائن صارخ ، ولم يختلف سلوكها عن أحزاب حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح ، ولجان معمر القذافي الثورية ، فبات المواطن العربي الذي ثار وتظاهر وأسقط أنظمة اللون الواحد ليقع تحت براثن اللون الواحد الأكثر صرامة ، والأدهى من ذلك أن هذا اللون ، لا يقر الا بامتلاكه وحده الحقيقة والشرعية وأنه منفرداً الخليفة على الأرض .
خلافات حركة الاخوان المسلمين مع أنفسهم ومع الأخر ، لم تكن لدوافع دينية ، ولا أحد ناقش وجود الملائكة أو الشياطين وغيابهم ، ولم يحتج حزباً أو نظاماً على كيفية احترام العقائد والشعائر والمرجعيات ، فالخلاف كان سياسياً وسيبقى ، شخصياً ومهنياً واجتهادياً ، يحتمل الصواب والخطأ لدى طرفي الخلاف أو أطرافه المتعددة ، والا كيف يمكن تصوير أو اتهام المراقب العام السابق ، أو قيادات وكوادر الحركة ، على أنهم خارج التنظيم ويجب فصلهم هل لأنهم توقفوا عن الصلاة مثلاً ؟؟ أو قصروا بتأدية واجباتهم الدينية ؟؟ أم أن الخلاف سياسي ، وسياسي محض ، وكل منهما يتوسل خدمة الجماعة والحركة من خلال اجتهاده ورؤيته السياسية وكل منهما يعمل على حماية الحركة والتنظيم والجماعة ، وفق رؤيته واجتهاده الحزبي والسياسي والتنظيمي .
كتابي السابع عشر هذا « التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود « يصدر في سياق تفاقم حالة الصراع في العالم العربي واحتدامه بشكل عبثي ودموي، بعد انفجار ثورة الربيع العربي التي توسلت البحث عن : 1- التحرر والاستقلال، وامتلاك زمام المبادرة وحرية اتخاذ القرار، 2- الطمأنينة ولقمة العيش الكريم متضمنة ثلاثة مطالب أساس يفتقدها المواطن العربي هي الراتب المناسب، التأمين الصحي، والضمان الاجتماعي عند التقاعد والوصول إلى الشيخوخة، و3- الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة والاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع، ولذلك جاءت كتبي في سلسلة قضايا ثلاث رئيسة متداخلة، سلسلة الكتب الأردنية تحت عنوان : معاً من أجل أردن وطني ديمقراطي، وسلسلة الكتب الفلسطينية تحت عنوان : معاً من أجل فلسطين والقدس، وسلسلة الكتب العربية تحت عنوان : من أجل عالم عربي تعددي ديمقراطي موحد .
وكتابي السابع عشر هذا مرتبط بكتابين، سبق نشرهما، وهما: 1- حزب الإخوان المسلمين في الميزان، و2- الدور السياسي لحركة الإخوان المسلمين، في إطار تنظيمات وأحزاب التيار الإسلامي، تأكيداً لدورهم ومكانتهم وقيادتهم للحركة السياسية في العالم العربي، في غياب أحزاب التيار اليساري، وأحزاب التيار القومي، وأحزاب التيار الليبرالي، التي تضررت بفعل الحرب الباردة ونتائجها .
كما جاء كتابي هذا على خلفية كتابي الذي صدر العام 2013 عن ثورة الربيع العربي أدواتها وأهدافها، وحصيلتها أن الثورة ما كانت لتكون لولا توافر العامل الموضوعي المحفز للاحتجاجات والدافع لها والمتمثل بغياب الاستقلال السياسي والاقتصادي عن بعض البلدان العربية، وهيمنة اللون الواحد، والحزب الواحد، والعائلة الواحدة، والطائفة، والشخص الفرد المتحكم بمفرده في إدارة الدولة، في أكثر من بلد عربي، وأخيراً بسبب غياب العدالة والطمأنينة وعدم توافر الخدمات الأساس من صحة وتعليم وضمانات اجتماعية للمحتاجين .
أما العامل الذاتي في ثورة الربيع العربي، فقد اقتصر على مؤسسات المجتمع المدني بما تحمل من مفاهيم عصرية عن الديمقراطية والتعددية واحترام مشاركة المرأة في مؤسسات صنع القرار، وبما تملك هذه المؤسسات ( مؤسسات المجتمع المدني ) من علاقات مع مؤسسات أوروبية وأميركية توفر لها الحصانة والدعم المطلوبين، ولكن بسبب غياب دور الأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية، فقد استثمرت أحزاب التيار الإسلامي حصيلة الربيع العربي ونتائجه كي تكون هي صاحبة القرار، سواء عبر تفاهمها مع الأميركيين، أو عبر حصولها على الأغلبية البرلمانية كما حصل في فلسطين والعراق ومصر وتونس والمغرب، أو لامتلاكها الخبرات القتالية على أثر دورها في أفغانستان، ورغبتها في التغيير الثوري الجوهري، فاحتكمت إلى وسائل العنف واستعمال السلاح لمواجهة الاحتلال الأميركي للعراق، او لإسقاط النظم القائمة في ليبيا وسوريا واليمن، وحصيلة ذلك إخفاق ثورة الربيع العربي للآن، رغم توافر العامل الموضوعي ونضوجه لقيام الثورة، تغييراً للواقع، نحو الأفضل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكن الإخفاق الفاقع يعود لعدم نضوج العامل الذاتي، وكثرة نواقصه، وعدم اكتماله، بصفته أداة الثورة ومحركها، وطالما أن العامل الذاتي كان ناقصاً، ولم تكتمل حلقات نضوجه، فقد انعكس ذلك على ضعف أدائه وعلى نتيجة أفعاله، فغياب أحزاب التيارات الثلاثة اليسارية والقومية والليبرالية وضعفها، جعل الوضع متروكاً لقوة ونفوذ أحزاب التيار الإسلامي، التي لا تؤمن لا بالتعددية ولا بالديمقراطية، ولا تملك البرامج الاقتصادية والاجتماعية الكافية، لجعلها أداة في يد عامة الناس، وهدفاً لها كي تلتحم مع الثورة وتلتف حولها، فانطبق على المواطن العربي المثل القائل أنه مثل الشخص الذي هرب من الدلف فوقع تحت المزراب، وغدت الأنظمة السابقة بعجرها وبجرها، هي أفضل حالاً مما وقع لاحقاً، من هيمنة ونفوذ وتأثير الأحزاب الإسلامية، وقيادتها للعمل السياسي وللتغيير الثوري، مسنودة بعواصم إقليمية، فحاضنة الإخوان المسلمين تركيا وقطر، وحاضنة ولاية الفقيه الدولة الإيرانية؛ ما خلق حالة من الصراع الإقليمي والدولي المباشر في منطقتنا، وعلى أرضنا، وعلى حساب دماء شعبنا وثرواته .
إذن هذا الكتاب، ليس فلسفة معرفية، بل هو إضافة سياسية تراكمية، لوضع ثورة الربيع العربي في سياقها من أجل إنتصار الديمقراطية في العالم العربي، وتحقيق الطمأنينة بلقمة العيش الكريم بالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، وتحرير فلسطين .
هذا الكتاب يسلط الضوء على التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، أي أنه يستهدف القوى الإسلامية الأساس القيّا تأثيراً ومكانة في العالم العربي، ولا يستهدف تنظيمات إسلامية محلية في هذا البلد العربي أو ذاك، بصرف النظر عن قوتها أو ضعفها، بل هو يستهدف التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، والتي تعمل في السياسة، ولها تأثير على صنع القرار، أو على صنع الأحداث الجارية :
1- حركة الإخوان المسلمين . 2- ولاية الفقيه الإيرانية . 3- تنظيم القاعدة . 4- تنظيم الدولة الإسلامية داعش . 5- حزب التحرير الإسلامي.
لذا أرجو أن يقدم شيئاً جديداً، للقارئ، وللمكتبة العربية، وأن ينال الاهتمام كما يستحق، وفق الجهد الذي بذل وتحقق.
حمادة فراعنة *
رب ضارة نافعة
قدمت أسرة الشهيد الطيار معاذ الكساسبة ، تضحية كبيرة لا يمكن تعويضها من قبل الدولة أو من قبل الأردنيين كافة ، فقد خسرته زوجته ووالدته ووالده واخوانه وشقيقاته ، ولن يعوضهم ما قُدم أو ما سُيقدم لهم ، مادياً أو معنوياً ، وستبقى أسرته فاقدة لعزيز عليها ، لن يعود ، وهي وحدها ستتحمل ثمن الخسارة الى الأبد ، ولكن ما سجلته أسرته ، خاصة تصريحات والده الذي احتسبه شهيداً ، فداء للأردن ، وما قالته والدته أن خبر استشهاده مزق قلبها وأثار أحزانها ، ومع ذلك فهي تشكر الله تعالى على أن ابنها مات شهيداً ، وأنها فخورة به ، انما يرفع رأس جميع الأردنيين ، ويجعلنا نتباهى أننا شركاء مع أسرة معاذ في وطن واحد ، وننتمي لشعب واحد .
أسرة الشهيد ، خسرت ابنها ، ولكن الأردنيين ، سيربحون جميعاً من استشهاده ، فقد قدم خدمة جليلة قل مثلها ، في اللحظة التاريخية الراهنة ، فقد وحد الأردنيين على قضية ربما لم يسبق لهم وأن توحدوا ، على قضية مثلها ، بهذا الزخم ، وبهذه القوة ، كما فعلوا ، مع عنوانين اثنين أولهما التعاطف والانحياز لقضية معاذ ، وثانيهما العداء للمجرمين الذين ارتكبوا حماقة اعدامه بالشكل الهجمي الذي نفذوا فيه طريقة الاعدام غير المسبوقة بحرقه .
لقد توحد الأردنيون ، بعد أن كانوا مختلفين ، على المشاركة أو عدمها ضمن قوات التحالف في التصدي لتنظيمي القاعدة وداعش ، فبعضهم قال أن هؤلاء من المسلمين لا يجوز العمل مع الأجنبي والتعاون معه لمحاربتهم ، وبعضهم قال ما لنا والحرب في سوريا والعراق ، طالما أن الأردن سالم معافى ، فلماذا نشارك في معركة لا تعنينا ، متناسين أن بلدنا سبق له وأن تعرض للأذى بسلسلة من عمليات التفجير والاغتيال ، وواجه سلسلة من المحاولات الأكثر عدداً وتنوعاً ، لادخال سيارات وأسلحة وعناصر تخريبية للأردن ، عبر الحدود الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق ، والشيء المؤكد أن محاولاتهم لم تكن دوافعها طيبة ، ولم تكن غير عداونية ضد الأردن ومؤسساته ومواطنيه .
كما اختلف الأردنيون على دوافع المشاركة الأردنية بقوات التحالف ، فهل كانت المشاركة لدوافع الاستجابة للضغوط الخليجية والمطالب الأميركية ، أم أنها تعكس الضرورة الأردنية وأولوياتها ، في اتخاذ خطوة أو خطوات استباقية لحماية الأمن الوطني الأردني .
وقدم معاذ من خلال استشهاده ، شهادة تعرية لسلوك ودوافع وممارسات تنظيمي القاعدة وداعش ، المتطرف ، وافتقادهما لأبسط معايير السلوك الانساني ، والالتزام الديني ، ولا أدل على ذلك ، أكثر من شهادة أبو محمد المقدسي ، الموصوف على أنه منظر التيار السلفي الجهادي في الأردن .
كما قدم معاذ واستشهاده غطاءاً لمواصلة خيار الدولة ، بل ودافعاً أقوى في التصدي لداعش وللقاعدة ، فالقرار السياسي لدى الدولة ، كانت تنقصه التغطية الشعبية ، وقبول مشاركة الأردن في هذا الخيار من قبل الأغلبية الشعبية والحزبية والبرلمانية والنقابية ، وها هي النتيجة ناصعة فاقعة ، في انحياز الأغلبية الساحقة من الأردنيين في دعم القرار السياسي والأمني ، عبر المشاركة الأردنية بكثافة نوعية وبزخم أقوى في تنفيذ عمليات قصف مركز واستهداف موجع لقواعد داعش والقاعدة ، وبأدوات ووسائل قتالية متعددة ، وعلنية شفافة مما يدلل على ثقة صاحب القرار ، بما توفر لديه من تغطية وقبول جماهيري من قطاعات واسعة من الأردنيين ، لخيار التصدي لداعش وللقاعدة .
مشاركة الأردن ، وبقوة ، للتصدي لتنظيمي داعش والقاعدة ، وفر له دعماً مادياً ، واسناداً قوياً من الأطراف العربية والدولية ، ستنعكس على مكانة الأردن ، وعلو شأنه ، وتحسين أوضاعه لتغطية احتياجاته في ظل ظروفه المالية والاقتصادية الصعبة ، وما سلسلة الزيارات العربية والدولية للأردن ، سوى تعبير عن هذه المكانة التي يشغلها الأردن ، ويستحقها في نفس الوقت ، وهي لا شك أنها ستعود عليه بالخير .
مطلوب سياسات مبادرة
رداً ، على استشهاد معاذ الكساسبة نفذت السياسة الأردنية سلسلة من الاجراءات العملية بدأت بتطبيق حكم الاعدام بحق ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي ، واطلاق سراح المقدسي ، وتوجيه ضربات جوية مركزة ضد قواعد ومؤسسات داعش والقاعدة ، على الأراضي العراقية والسورية عاكسة القرار الأردني ، نحو مجموعة من التوجهات العسكرية والأمنية والسياسية وربما تتسع للفكرية ولغيرها ، بهدف تطويق المداخل والمراجع والأدوات للفصيلين ، والحيلولة دون وصول عملياتهم الى الأردن .
وها هي القيادة المصرية ، رداً على اعدام المواطنين المصريين الأبرياء بشكل همجي وعنصري بغيض ، تتخذ أيضاً سلسلة اجراءات مماثلة كما فعل الأردن ، وتوجيه ضربات مكثفة ضد قواعد ومؤسسات داعش والقاعدة على الأراضي الليبية .
لنلحظ هنا أن ردود الفعل الأردنية وبعدها المصرية ، لم تكن لتتم لولا مبادرات داعش والقاعدة في توجيه الأذى للمواطنين الأردنيين وللمصريين ، ولم يكن الأردن ومصر وغيرهما من البلدان العربية أصحاب مبادرة لتوجيه ضربات احترازية موجعة لكل من القاعدة وداعش ، مع العلم أن هنالك غطاء لممارسة هذا الدور المبادر وهو اتفاقية الدفاع العربي المشترك ، مثلما يمكن توفير الغطاء الدولي من قبل مجلس الأمن للقيام بهذا العمل الهجومي والمبادر ، فقد وظفت الولايات المتحدة قرارات الأمم المتحدة ، لاسقاط نظامين عربيين بالقوة المسلحة في العراق وليبيا ، وها هي العربية السعودية مع المجموعة العربية ، قد وظفت مجلس الأمن في قراره رقم 2216 الصادر يوم 14/4 ، بشأن اليمن ، مما يتطلب العمل الحثيث لاستعمال الأمم المتحدة خدمة للمصالح العربية المشروعة وفي طليعتها القضية الفلسطينية .
تتميز داعش والقاعدة ، على أنهما من التنظيمات السياسية العابرة للحدود ، فما تفعله في العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا ، وغيرها من الأماكن ، يتم عبر سياسة مرجعية ورؤية عقائدية واحدة ، ويتم تنفيذ برامجها من قبل قيادات وأدوات محلية ، وهو المطلوب عربياً ، فالأردن ومصر والسعودية والسودان والجزائر والمغرب ، عليهم أن يوفروا الدعم المباشر ، المتعدد الأشكال للأطراف العربية الأخرى التي تحتاج للدعم والاسناد ، فاذا كان الارهاب عابراً للحدود ، عبر تنظيماته المتعددة ، فالاسناد العربي أيضاً ، يجب أن يبقى عربياً خالصاً ، وعابراً للحدود ، كما فعل الخليجيون مع مصر مالياً ، وكما فعلوا مع اليمن عسكرياً ، وكما يجب أن يفعلوا مع بعضهم البعض ، حماية للأمن القومي المشترك .
لقد نجحت القوات المسلحة الأردنية ، في توجيه ضربات قد تكون موجعة لداعش وللقاعدة ، وقد تكون القوات المصرية قامت بالعمل نفسه ، ولكن ذلك غير كاف لايلام التطرف ولجمه ، فالمطلوب كما فعلت قوات الأمن الأردنية بجلب زياد الكربولي ، مطلوب جلب قيادات وعناصر من داعش والقاعدة وتقديمهم للمحاكم الأردنية ، لأن مثل هذه العمليات النوعية ، حتى ولو كانت في مناطق رخوة ، ستؤدي الى تحقيق غرضين أولهما زعزعت معنويات المتطرفين وحشرهم ، وثانيهما رفع معنويات شعبنا وثمناً نقدمه لأهالي الضحايا والشهداء الذين فقدوا أعزاءهم ، وهذا ما يجب أن يفعله الجيش المصري ، عبر عمليات انزال خاصة ونوعية ، بالتنسيق المسبق مع الليبيين وبمشاركتهم ، كما يجب أن نفعل نحن هنا ، بالتنسيق والشراكة مع العراقيين والعشائر العراقية .
ما تفعله القاعدة وداعش ليس بعيداً عن تراث البشرية الأسود ، فمحاكم التفتيش الكنسية الأوروبية في قرون ما قبل النهضة الصناعية والفكرية والثقافية ، وحرق المفكرين وقادة الرأي هو الذي دفع أوروبا كي تنهض ، وتهزم قوى الظلام وعناصر التخلف وتتخلص من الرجعية ، وتتقدم نحو العصر وتعيش الحياة وتنتصر فيها ولها التعددية واحترام حقوق الانسان، وهو ما يجب أن يكون عندنا ولدينا ، اذ أن الثمن الذي ندفعه من دماء الضحايا والشهداء ، وعرق الشعوب الذي تم هدره في بناء المؤسسات ويجري تدميرها الأن في العراق واليمن وسوريا ومصر وليبيا على أيدي التطرف والارهاب والتخلف هو الذي سيدفع شعوبنا لأن تبحث عن البديل الديمقراطي التعددي العصري ، الذي يحتكم لنتائج صناديق الاقتراع ، فلا شرعية الا لما تفرزه صناديق الاقتراع ، وهي تقاليد ما زالت بدائية في عالمنا العربي ، نتيجة سنوات التسلط ، تسلط الفرد والعائلة والطائفة واللون الواحد ، تحت غطاءات مختلفة ومتعددة ، فالألم والقسوة والفقر هم الدوافع لرفض الواقع المأساوي ، وصولاً الى الأمن والاستقرار واحترام حياة الانسان بصرف النظر عن دينه أو قوميته أو جنسه أو لونه .
خلافات الاخوان المسلمين
في الوقت الذي صدر فيه قرار ادانة نائب المراقب العام لحركة الاخوان المسلمين في الأردن ، زكي بني ارشيد ، من قبل محكمة أمن الدولة يوم 15/2/2015 ، كانت قيادة حركة الاخوان المسلمين ، قد أصدرت قراراً بفصل عشرة من قيادات الحركة ، بما فيهم قيادات من الصف الأول ارحيل الغرايبة ونبيل الكوفحي ، وقيادات تاريخية أبرزهم عبد المجيد الذنيبات المراقب العام الأسبق للحركة ، بدون محاكمة .
قرار ادانة ومحاكمة بني ارشيد ، لا يحظى بالقبول والرضى ، من قبل الرأي العام الأردني ، ومن قبل قيادات يسارية وقومية وليبرالية ، لأنها تجد في بني ارشيد شخصية قيادية في اطار سياسي معارض ، وأن التهمة الموجهة اليه سياسية بامتياز ( تعكير العلاقات مع دولة شقيقة ) ، ولذلك حتى ولو اختلفوا معه ، ولم يتفقوا مع توجهاته وغالباً لأنها متشددة ، وأحياناً متصادمة مع التوجه الواقعي العام الذي يحكم مواقف القوميين واليساريين ، وقد أدى تشدد التيار الذي يمثله الى فرط التحالف السياسي المعارض الذي سبق وأن تشكل في بداية الربيع العربي ، بين الأطراف الأربعة : 1- الأحزاب اليسارية والقومية ، 2- النقابات المهنية ، 3- مجموعة أحمد عبيدات ، 4- الاخوان المسلمين ، ومع ذلك ، ولدوافع مبدئية ، رفضت الأحزاب القومية واليسارية محاكمة بني ارشيد واصدار حكم بحقه ، واعترضت على السياسة الحكومية التي أدت لمثل هذا الاجراء بحق شخصية سياسية بارزة .
ولكن اذا كانت محاكمة بني ارشيد ، محقة بسبب تعكير العلاقات مع دولة شقيقة ، أو مفتعلة لدوافع سياسية انعكاساً لاتساع فجوة الخلاف بين الدولة الأردنية وبين الاخوان المسلمين وتعبيراً عن الوضع المأزوم الذي اجتاح العالم العربي لصالح أحزاب التيار الاسلامي ، وتراجع مكانة حركة الاخوان المسلمين بعد سلسلة عناوين الفشل التي وقعت فيها وأبرزها 1- الانقلاب في غزة ، 2- محاولة اسقاط النظام في سوريا عبر العمل المسلح ، 3- فشل تجربتهم المصرية ، 4- فشلهم في مواجهة ولاية الفقيه الايرانية في اليمن ، وسواء تمت محاكمته لهذا الدافع أو ذاك ، فهو قرار له صياغاته القانونية ودوافعه السياسية ، باعتباره عنواناً لأكبر حركة سياسية معارضة وأقواها ، فماذا يمكن وصف قرار قيادة حركة الاخوان المسلمين بفصل عشرة من قيادات وكوادر الحركة ، بدون محاكمة ، ماذا يسمى ذلك ؟؟ واذا كان قرار الحكومة بمحاكمة بني ارشيد قرار تعسفي غير مقبول ، فماذا يمكن وصف قرار الاخوان المسلمين بحق عشرة بما فيهم المراقب العام السابق بدون محاكمة ؟؟ .
لندقق بمضمون ما كتبه د . ارحيل الغرايبة « اقدام قيادة الجماعة على اتخاذ قرار فصل مجموعة من قيادات الجماعة بطريقة الاعدام الميداني دون محاكمات ودون سؤال او جواب او مجرد اتصال هاتفي يمثل خروجاً على العرف الانساني فضلاً عن الاسلامي ، ويعبر عن عقلية عرفية مرعبة ، تسيء الى نفسها اولا وتلحق الضرر بالعاملين في الحقل الاسلامي الفكري والدعوي و السياسي عموما ، وينم القرار عن منهجية قيادية مأزومة تفتقد الى الرشد والحكمة ، في ظروف حرجة تمر بها الجماعة والمنطقة برمتها ، ويعبر عن قيادة أغمضت عينيها عن رؤية المشهد ، وأصمت اذنيها عن سماع النصيحة ، وسوف تلحق الضرر بالجماعة ومستقبلها وارثها التاريخي « ، وهي مقارنة عملية بين الموقفين ، موقف الحكومة الأردنية نحو أحد معارضيها ، وموقف حركة الاخوان المسلمين نحو عشرة من قياداتهم ، وفي كيفية التعامل مع اجتهاداتهم المعارضة لسلوكها ومواقفها وسياساتها !! .
حركة الاخوان المسلمين ، واحدة من الفصائل الاسلامية الخمسة العابرة للحدود في العالم العربي وأقدمها ، وقد تكون أكثرها انتشاراً ، واجهت مثلها مثل كل الفصائل والأحزاب اليسارية والقومية ، ظروفاً صعبة معقدة ، تتطلب الشجاعة وسرعة التكيف ، بعد سلسلة اخفاقاتها وتعثر برامجها في أكثر من بلد عربي ، رغم استفادتها من ثورة الربيع العربي ، وركوب موجتها وتوظيفها وقطف ثمارها ، بعد تفاهمها مع الولايات المتحدة ، على خلفية التحالف بينهما خلال الحرب الباردة ، في مواجهة المعسكر الاشتراكي وضد الأحزاب اليسارية والقومية ، ومع ذلك أخفق الاخوان المسلمون في تقديم رؤية عصرية تقوم على التعددية والديمقراطية واحترام شراكة المواطنة مع الأخر ، فاستفردت وطغت وسلوكها في غزة قبل مصر بائن صارخ ، ولم يختلف سلوكها عن أحزاب حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح ، ولجان معمر القذافي الثورية ، فبات المواطن العربي الذي ثار وتظاهر وأسقط أنظمة اللون الواحد ليقع تحت براثن اللون الواحد الأكثر صرامة ، والأدهى من ذلك أن هذا اللون ، لا يقر الا بامتلاكه وحده الحقيقة والشرعية وأنه منفرداً الخليفة على الأرض .
خلافات حركة الاخوان المسلمين مع أنفسهم ومع الأخر ، لم تكن لدوافع دينية ، ولا أحد ناقش وجود الملائكة أو الشياطين وغيابهم ، ولم يحتج حزباً أو نظاماً على كيفية احترام العقائد والشعائر والمرجعيات ، فالخلاف كان سياسياً وسيبقى ، شخصياً ومهنياً واجتهادياً ، يحتمل الصواب والخطأ لدى طرفي الخلاف أو أطرافه المتعددة ، والا كيف يمكن تصوير أو اتهام المراقب العام السابق ، أو قيادات وكوادر الحركة ، على أنهم خارج التنظيم ويجب فصلهم هل لأنهم توقفوا عن الصلاة مثلاً ؟؟ أو قصروا بتأدية واجباتهم الدينية ؟؟ أم أن الخلاف سياسي ، وسياسي محض ، وكل منهما يتوسل خدمة الجماعة والحركة من خلال اجتهاده ورؤيته السياسية وكل منهما يعمل على حماية الحركة والتنظيم والجماعة ، وفق رؤيته واجتهاده الحزبي والسياسي والتنظيمي .