الفيسبوك والتويتر و"الخوف المقدّس"
أشارت دراسة حديثة صادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات إلى أن حجم المحتوى العربي على شبكة الإنترنت يصل إلى 3 بالمائة مقارنة بالمحتوى العالمي. وهذا يُعتبر وضعاً مزرياً عندما ننظر للأمر من زاوية خاصية التفاعل التي تتميز بها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الجديدة. فكم من هذه النسبة يصبُّ في الحوار؟ وبالحوار لا أعني مجرّد الدردشة.
إن نظرة قريبة على المحتوى العربي على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل الفيسبوك والتويتر، لا بدّ أن تُرينا مشهداً قاتماً. فهذا المحتوى تستهلك معظمه كلمات المديح وكلمات الهجاء والمجاملات والأدعية الدينية. هل يجب أن تشكّل هذه الملاحظة صدمة لأحد؟
إن التعريف البسيط لوسائل الإعلام الاجتماعي كما يبينه موقع الموسوعة العالمية "ويكيبيديا" يقول إن "وسائل الإعلام الاجتماعي تشمل تقنيات شبكة الانترنت وتقنيات الأجهزة المحمولة والتي تُستخدم لتحويل الاتصالات إلى حوار تفاعلي". فكم من الاستخدام العربي لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي يُعتبر تفاعلياً أو تواصلاً ثقافياً أو يندرج تحت تصنيف الحوار بين أتباع مختلف الديانات أو الثقافات؟
إلى أي درجة ينظر العرب إلى وسائل التفاعل الاجتماعي بوصفها أدوات تساعدهم في فهم الاختلافات بين مجتمعاتهم وثقافاتهم وأديانهم؟ وهل تشجعهم التكنولوجيا على فهم وقبول تعددية وتنوع الحياة البشرية؟
إن مثل هذه الأسئلة على درجة من الأهمية في سياق الحديث عن العقلانية العربية أو "العقل العربي"، وهو المصطلح الذي أصبح رائجاً من خلال أعمال المفكّر العربي المغربي الراحل محمد عابد الجابري. إذ وفقاً له فإن "العقل العربي" الذي أصبح "عقلاً مستقيلاً" هو اليوم في حاجة إلى إعادة ابتكار.
تُعتبر إثارة قضايا ساخنة ذات علاقة بالسياسة أو الدين أو تقاليد المجتمع من التابوهات الضمنية في الحياة العربية العامة. وقد ساهمت ثلاث مؤسسات قوية في عملية طويلة المدى لترهيب الفرد العربي. فالحكومات والسلطات المجتمعية والسلطات الدينية مسؤولة عن ترسيخ الخوف وخلق تابوهات جديدة. ومعظم الناس العاديين ينظرون إلى هذا الخوف الضمني بوصفه خوفاً مقدّساً.
لقد كانت وسائل التواصل الاجتماعي أداةً قويةً في ما صار يُسمّى "الربيع العربي". فقد ساعدت في تحريك الشعوب العربية تجاه التعبير عن نفسها. لكن الأحداث التي تلت عام 2011 تشير إلى أن استخدام هذه الوسائل التكنولوجية كان مجرّد حالة مؤقتة من الغضب العام. والآن بعد أن انقشع الغبار، يعود الخوف إلى معبده المقدّس: العقل العربي.
يسهل جداً على المرء العربي إجراء دردشة الكترونية حول الرياضة أو الأدب أو الطبخ أو التغير المناخي أو الفنون. لكنّ الفرد العربي يقوم بعملية مراجعة لنفسه وبإعادة التفكير مطوّلاً عندما ينوي الحديث في السياسة أو الدين أو القضايا الاجتماعية الكبرى. ربما كان هذا هو الحال الطبيعي لعملية التفاعل العربي داخل الدوائر والأوساط الرقمية.
إن تاريخاً طويلاً من الظلم وضيق الصدر السياسي والاجتماعي والديني في الشرق الأوسط قد قاد إلى حالة عامة من الاستقالة الفكرية. ويحتاج الأمر أكثر من ربيع واحد لتخطي الخوف والتابوهات، التي ليست في الأساس كذلك. فالحوار الجاد والحقيقي مع النفس ومع الآخر هو خطوة أولى هائلة باتجاه مثل هذه الغاية.
إن مواقع إلكترونية مثل الفيسبوك والتويتر واليوتيوب والمدونات المختلفة هي فضاءات تفاعلية. إنها مفتوحة على إبداع ومسؤولية وحرية العقل الإنساني والروح الإنسانية. أما إعادة إنتاج "خوفنا المقدّس" بدلاً من مواجهته بالحوار عبر مثل هذه الفضاءات فهو عمل عقيم. فالخوف يقود إلى الخوف وليس إلى الإبداع والابتكار.
قد يتطلب الأمر بعض الشجاعة لمواجهة الخوف لكنه يتطلب عمراً كاملاً لفهم "الخوف المقدّس".
مروان الحسيني
إعلامي وباحث في شؤون الأديان والثقافات