jo24_banner
jo24_banner

إسلاموفوبيا جديدة بنكهة عربية

مروان الحسيني
جو 24 :

الإسلاموفوبيا مصطلح شاع استخدامه بعد هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة. ويشير هذا المصطلح إلى كراهية الإسلام والخوف منه ومن المسلمين في سياقات غربية معينة. وهذا أمر لا يعتبر جديداً هذه الأيام.

غير أن الأحداث الجارية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية اليوم تقود إلى مظهر جديد من مظاهر الخوف من الإسلام. فالمسلمون أنفسهم، أو غالبية منهم، أصبحوا مصابين بالإسلاموفوبيا. وأحد الأسباب وراء هذه الحالة هي الطبيعة الفوضوية والمعقّدة لعمليات التغيير التي جاء بها ما يُسمى "الربيع العربي". أما الأسباب الأخرى التي أدّت إلى هذا الوضع فيدخل ضمنها التسييس المفرط للحراكات الشعبية وكذلك التكلفة العالية والدموية للنزاعات البشرية.

إن نُسخاً معدّلة من الإسلام السياسي ذات مسحة من الديمقراطية والنكهات الدستورية ليست بديلاً مؤهلاً للأنظمة الشمولية في المنطقة. غير أنه من الواضح أن صعود أحزاب إسلامية (مقموعة) إلى السلطة في بلدان عربية هو أمر تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا التحالف المتجدد، بشروط أمريكية معدّلة، بين أمريكا والإسلاميين العرب لا يُتوقّع منه أن يخاطب القضايا الحقيقية التي تشغل فكر المواطنين في المنطقة بأسلوب صحّي ومثمر يصبّ في صالح الإنسان العادي.

والموضوع الأساسي الذي يندرج تحت هذا التصنيف هو موضوع الحريات. فالتغييرات الجذرية التي تحدث هذه الأيام في الشرق الأوسط تُضخّم آمال ومخاوف شعوب المنطقة. فهل يُتوقّع من الأنظمة أو الحكومات الإسلامية الجديدة أن تحقق الآمال أم أن تجدد المخاوف وتُضيف إليها مخاوف أخرى؟ وهل الإسلاميون، أنفسهم، جاهزون لتغيير أثوابهم التي تحمل شعارات "الترهيب المقدّس" بأثواب جديدة والسير في طرق المواطنة والحريات المدنية وحقوق المرأة واحترام التنوع السياسي والاجتماعي والديني؟

بينما ينظر العديد من المحللين إلى العالم العربي بوصفه محافظاً من الناحية الدينية وشعوبه تأمل بشكل عام في رؤية دور مهم للإسلام، كدين، في الحياة العامة، إلا أن شعوراً آخر أصبح ينتشر في الأجواء.

لقد جلبت رياح "الربيع العربي" معها المزيد من بذور الكراهية إلى المنطقة. في الماضي، سيطرات الصراعات الخفيّة على الأوضاع السياسية القائمة، وخصوصاً عندما كان الأمر يتعلق بعلاقات جدلية تربط بين العديد من الأطراف المتصارعة مع الأنظمة السياسية. أما الآن فأصبح الكثير من الصراعات والاختلافات والخلافات مُعلناً وصريحاً بعد أن كسرت حراكات المواطنين العديد من حواجز الخوف.

ومع ذلك، لا يزال هنالك خوف آخر لا بدّ من التعامل معه من قبل الأفراد. في الفضاء الاجتماعي، لا يفرّق العديد من المسلمين العرب بين الإسلام والإسلاميين، حيث يتداخل الديني والسياسي في منظورهم. "هؤلاء الذين يصلّون ويرتادون المساجد أفضل منّا". هذا واحد من الشعارات التي شاعت وروّجت اجتماعياً كتبرير لتفسير وعقلنة دعم وتأييد الإسلاميين من قبل الأفراد العاديين. كما أن آية قرآنية كريمة أو حديثاً نبوياً شريفاً أو حتى فتوى يطلقها شيخ ما كانت تبدو إجابة مقبولة لأي مشكلة أو أزمة كبيرة. لكنّ هذا لا يستقيم عندما يتعلّق الأمر بإدارة بلد بأكمله.

لم يكن الإسلاميون قادة "الربيع العربي"، ومع ذلك فإنهم يصعدون إلى السلطة بقوة. وقد يُحيل العديد من المحللين والمعلّقين إلى "طبيعة الأنسجة الاجتماعية" و"الأسباب التاريخية" عندما يحاولون تفسير هذه النتيجة غير المنطقية ولكن المفهومة.

لكنّ العيش في الماضي وتولّي مسؤولية بناء المستقبل في الوقت نفسه هو لعبة جميع أطرافها خاسرون، قبل أن يبدأوا اللعب. فأدوات التغيير والسلطة السياسية هي أدوات مختلفة تماماً عن أدوات الفضاء الاجتماعي والفضاء التاريخي. وقضايا مثل الإصلاح الاقتصادي والتنمية والفقر والبطالة والعدالة الاجتماعية وحرية التعبير والتنوع الديني تحتاج إلى بُنى تفكير مختلفة ومغايرة لتلك الراسخة في فضاء "الترهيب والترغيب" العام.

إن أسئلة كانت ذات يوم شائعة في دوائر غربية مُصابة بالإسلاموفوبيا من المرجّح أن يصبح لها حضور قوي في الشرق الأوسط والعالم العربي: هل يتوافق الإسلام مع الديمقراطية؟ هل يتوافق الإسلام مع الحريات؟ هل يتوافق الإسلام مع حقوق المرأة؟ هل يتوافق الإسلام مع الحداثة؟ والقائمة طويلة جداً.

الإسلاميون يصعدون إلى السلطة السياسية في تونس ومصر وليبيا، وأصبح صوتهم السياسي مرتفعاً في الأردن والمغرب وسوريا وغيرها. غير أن الكثير من الأفراد المسلمين بدأوا يتساءلون: هل يتوافق الإسلاميون والسلطة السياسية؟ هذا سؤال مفتوح على مصراعيه لعديدٍ من الأيام المقبلة.

* إعلامي وباحث في شؤون الأديان والثقافات

تابعو الأردن 24 على google news