تجاهل المعارضة الشعبية خطأ في الحسابات
التجاهل هو سياسة الحكومة منذ اليوم الاول وقد يكون السبب إحساسها بانها جاءت لسد الفراغ في الدوار الرابع بعد استقالة حكومة الخصاونه، الاستقالة التي سبقت موعدها لانه كان مقدرا لها ان تستمر حتى موعد الانتخابات . ولقد نسيت الحكومة ان ( التجاهل ) خاصة تجاهل قوى المعارضة والحراك الشعبي يناقض تماماً طبيعة المرحلة المستمرة منذ ١٨ شهرا المشحونة بالاحتجاجات والاعتصامات والمسيرات ضد السياسات الحكومية .
طبيعة المرحلة تفرض على هذه الحكومة كما على سابقاتها ان تمد الجسور مع قوى الحراك الشعبية والاحزاب والاعلام ومع الناس في كل محافظة ومدينة ، هذا لم يحدث حتى من باب ( ان تعمل ما عليها ) في مواجهة غلاء أسعار السلع في رمضان ، في كل رمضان كانت الحكومات تستنفر بالنزول الى الاسواق للحد من الغلاء ، هذه الحكومة استقبلته برفع أسعار البنزين.
والتجاهل امتد الى مجلس النواب الذي فوجئ مثل غيره بالرفع الجديد للمحروقات . وجاءت موجة التعيينات الاخيرة لتقضي على ما تبقى من تعهدات الحكومات السابقة بان عهد الوساطة انتهى وان الكلمة الفصل هي للمنافسة امام لجنة التعيين الحكومية . والمواطن العادي العاطل عن العمل يستغرب حصول تعيينات لا لزوم لها في وقت توقف فيه الحكومة التعيينات للوظائف الصغيرة .
في كل الأحوال نظلم الدكتور فايز الطراونة ان حكمنا على سياساته بمعزل عن القناعات الرسمية التي تقدمت المشهد السياسي في البلاد عند تشكيل حكومته ، حيث جاء خطاب الحكومة المتداول بوجه المعارضة والمطالب الشعبية ترجمة لها وملخصه يقول : هذا هو الموجود على الطاولة من اصلاح فأما ان تقبلوا به او انتم وشانكم ،. وهذا يعبر عن مناخ قائم منذ اشهر يتجاهل المعارضة بجميع اطيافها وحراكها وناسها، تجاهل تجسده الحكومة افضل تجسيد . اذن المسالة في التجاهل القائم على خطا كبير في الحسابات .
تم تصحيح هذا الخطاء مرتين . الاولى بقرار الملك إرجاع قانون الانتخاب لتعديل النظام الانتخابي . والثانية تدخل الملك بتجميد قرار رفع أسعار المشتقات النفطية . لكن المسالة لا تنتهي هنا والمطلوب تصحيح المسار . اولا بالعودة عن سياسة التجاهل لنبض الشارع ومطالبه ، وثانيا بالبحث عن كل ما يعيد الهدوء والاطمئنان للمواطنين بمد الجسور مع جميع القوى والفعاليات الشعبية والنظر بجدية الى مطالبها .اي بطلب ثقتها وليس بتكرار القول ( لا نريد استرضاء احد) .
وبدون تسجيل نقاط ، لقد أثبتت المعارضة وقوى الحراك الشعبي انها موجودة ولا تزال قادرة على خلق ردود فعل مقلقة من شانها ان تعبد حسابات اي مسؤول امام كل قرار يتعلق بالشأن العام . اما سياسة التجاهل والركون الى ما تروجه بعض اوساط القرار بان مطالب الناس ستختفي مع الوقت فهي نتاج حسابات خاطئة ومردودها السلبي على الاستقرار العام كان ماثلا امام الجميع في الايام الماضية .
الخشية كل الخشية ان يضطر الملك مرة بعد اخرى الى تصحيح الأخطاء وتعديل المسار الإصلاحي فيما ضغط الوقت الناجم عن التحديات الداخلية وعلى حدودنا الشمالية يتطلب عملية اختراق جريئة تعيد ترتيب الاوراق على قاعدة واحدة هي وحدها القادرة على مواجهة هذه التحديات وذلك بمد كل الجسور وفتح جميع الأبواب امام قيام حالة وطنية من التفهم والتفاهم القائم على عدم تجاهل او إقصاء لأي طرف او حتى لمطالب مجموعة صغيرة أوكبيرة تصر على الخروج كل جمعة على مدى اكثر من ١٨ شهرا . تفهم وتفاهم يعيد للدولة دورها وهيبتها وللشارع الثقة بها والاطمئنان لها ويقوم على عصرنة الخلاف والاختلاف بمفاهيم ان الوطن والدولة هما للجميع .