jo24_banner
jo24_banner

"الحسن رئيسا للوزراء"!

محمد أبو رمان
جو 24 : كالنار في الهشيم، انتشر خبر صحيفة لبنانية غير مشهورة أردنياً، ولا تمتلك مصادر موثوقة محلياً، عن استقالة الرئيس فايز الطراونة وتولي الأمير الحسن بن طلال موقع رئيس الوزراء!

تمّ تداول الخبر عبر مواقع الكترونية، وشهد نقاشات مطوّلة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إنّ شخصيات سياسية ووزراء سابقين أخذوا يؤكدون صحة القصة. وانتشرت سوق الإشاعات والأخبار الملفّقة خلال ساعات، لتصبح هذه القصة السطحية غير المنطقية من أهم الموضوعات المتداولة في العالم الافتراضي!

صحيح أنّه لا يوجد ما يمنع دستورياً وقانونياً من تولي الأمير الحسن هذا الموقع، لكن هنالك مليون سبب منطقي وموضوعي لرفض هذا السيناريو منذ الوهلة الأولى؛ فهو سياسياً غير مقبول، ومبتور موضوعياً ومنطقياً، حتى عندما أراد الملك الحسين، رحمه الله، إقالة الشريف زيد بن شاكر من منصبه رئيساً للوزراء، منحه صفة "الأمير"، فهذا الموضوع في الأعراف السياسية الأردنية محسوم.

الغريب ليس في نشر الخبر في تلك الصحيفة، بل حجم الاهتمام والتداول محلياً له. وهو مؤشر مهم عن مساحة الاختراق الإعلامي لنا، والناجم عن الفراغ الكبير في المعلومة والسبق الصحفي المحلي، وإضعاف الإعلام المحلي، بما فيه الرسمي، ما يجعل من المواطنين والسياسيين والمسؤولين عالةً على ما تجود به الصحف الغربية والعربية، والصحفيون الأجانب حتى لو كانوا من الدرجة العاشرة في بلادهم!

هذه القصة قديمة- جديدة، لكن خبر تولي الأمير الحسن رئاسة الوزراء يعيد تسليط الضوء عليها، بخاصة أنّ المسؤولين لدينا يتذمرون دائماً من تمادي الإعلام، بل وتحميله مسؤولية الأزمات السياسية والاقتصادية، والشكوى الدائمة من الانفلات في هذا الحقل. لكننا لا نجد أيّاً منهم يشكو، مثلاً، من ضعف الإعلام الوطني، وعجزنا عن مجاراة التطورات الإعلامية العالمية، وعدم إدراك المسؤولين لدينا الأهمية الكبرى التي وصل إليها الإعلام اليوم في صناعة القوة الناعمة للدولة والتأثير على الرأي العام.

التفكير الرسمي دوماً لا يذهب إلاّ باتجاه الضبط والمنع والحجب، وليس التطوير والتقدّم والمهنية والاحتراف، وكأنّ رؤية المسؤولين للإعلام المحلي محكومة بالعداء والهيمنة! وتكفي نظرة سريعة عابرة إلى حالة الإعلام الرسمي، والتلفزيون الحكومي، لنكتشف حجم الفجوة في التفكير الرسمي نحو الإعلام العصري المتطور. فالتلفزيون في حالة تراجع ونكوص مستمرين، وتقييد كامل لمساحة الحرية، وكأنّ المسؤولين بذلك يستطيعون السيطرة على الإعلام، وتوجيه الرأي العام، بينما النتيجة الحقيقية هي أن هذه الوسيلة المهمة بيد الدولة أصبحت مهمّشة، بلا قيمة، هي فقط عدّاد للرواتب وتجميد للطاقات الإعلامية المبدعة. وهي مسؤولية تعود بالضرورة أولاً وأخيراً للقرار السياسي، الذي إما يقرر تطوير التلفزيون أو إعدامه!

من المؤسف أن نجد دولاً شمولية واستبدادية وقمعية بالمطلق انتبهت في السنوات الأخيرة إلى أهمية الإعلام وقيمته وتأثيره، وضرورة منحه حيّزاً من الاستقلالية والحرية، بينما يصر المسؤولون لدينا على قمع أي تجربة إعلامية ناجحة مستقلة، والسير بعكس التطورات العالمية!

لو أخذنا التجربة المصرية خلال السنوات الأخيرة، للمسنا بوضوح قدرة الفضائيات والصحف الجديدة المذهلة على ملء الفراغ الإعلامي، والاستحواذ ليس فقط على اهتمام المواطن المصري، بل وحتى المواطن العربي أيضاً، وتمكّنها خلال سنوات معدودة، من أن تصبح هي المصدر الرئيس للخبر المحلي، على الأقل، وتمتلك القدرات الفنية لمنافسة وسائل إعلامية متطورة وعريقة.

ما نطمح إليه هو أن تستيقظ العقلية الرسمية فتفكر بالطريقة الصحيحة، وليست المقلوبة، أي كيف نطوّر الإعلام المحلي ونملأ الفراغ، ونعيد المصداقية والأهمية له. وهو تفكير، بالتأكيد، يقع في الاتجاه المعاكس تماماً لما نراه اليوم!


(الغد)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير