العبط السياسي
حكومة الطراونة التي يدور الحديث حول قرب إقالتها، أثبتت في أدائها المتعنت فشل السياسات التقليدية في تجاوز الأزمة التي تهيمن على المشهد السياسي في البلاد، كما فشلت الحكومة السابقة لها في إدارة الازمة عبر سلسلة اللقاءات الدبلوماسية التي لم تحقق شيئاً على أرض الواقع.
انسداد الأفق السياسي هو النتيجة المنطقية للمضي في ذات السياسات التي تحاول الالتفاف على الأزمة دون معالجتها، ففي حال تم حل البرلمان وإجراء الانتخابات في ظل هذا الإقبال الخجول على المشاركة في العملية الانتخابية، وتم تشكيل حكومة جديدة تعيد إنتاج سياسات قوى الشد العكسي، فإن كل ما سيتم تحقيقه هو المزيد من التأزيم.
العبط السياسي سيقود إلى تلك المرحلة رغم كافة التطمينات التي يختلقها مناهضو العملية الإصلاحية، حيث لم يعد أمام السلطة التنفيذية سوى التخلي عن صلفها وتعنتها قبل تفاقم الأوضاع، ولا سيما بعد أن فقدت شعبيتها وتلقت صفعة تجميد قرارها المتعلق برفع الأسعار، ناهيك عن تفاقم الأزمة بينها وبين وسائل الإعلام، وتأزيم الشارع الذي صعد حراكه الاجتجاجي مؤخرا عبر فعاليات اتسمت بارتفاع سقف شعاراتها بشكل غير مسبوق.
حكومة التأزيم التي فشلت في تحقيق الغاية من تشكيلها، مازالت مصرة على المضي في ذات السياسات التي أنتجت ما نشهده من أزمة مركبة على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، غير أن إقالة هذه الحكومة لا بد وأن يقترن بإيجاد حل جذري، واعتماد مقاربة مختلفة عن المقاربة السابقة التي أفلست تماماً، بعد أن أوصلت الأزمة إلى ذروتها، فعلى صناع القرار الاعتراف بفشل تلك السياسات، إذ لا يمكن حل الأزمة باستخدام نفس العقلية التي أنتجتها ودفعت بالحياة السياسية نحو الحائط.
كما ان الحل يكمن ببساطة في تأجيل عقد الدورة البرلمانية العادية لشهر كانون الأول، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تقوم بإجراء حوارات واسعة مع كافة القوى، لوضع قانون انتخاب ديمقراطي وعصري من أجل تجاوز مرحلة كسر العظم بين المركز السياسي- الأمني وبين قوى المعارضة السياسية، فلا بديل عن الجلوس لطاولة الحوار وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد تجاوز مسألة الصوت الواحد، وصولا إلى إنتاج حكومة برلمانية منتخبة، وإلا فإن الباب سيكون مفتوحا على أسوأ الاحتمالات.