أمام منزل الروابدة: الصورة والمدى!
محمد أبو رمان
جو 24 : لعلّ أكثر ما يميّز عبدالرؤوف الروابدة من بين السياسيين الأردنيين، هو ثقافته الدستورية والقانونية الموسوعية، ليس على الصعيد المحلي، بل والعربي أيضا؛ وله مساهمات واستشارات في دول عربية أخرى، ويعترف له أصحاب دور النشر والمكتبات بولعه بالكتب والثقافة القانونية.
هنا، تحديداً، موطن المفارقة الصارخة في أنّه قبِل الاستعانة بأبناء عشيرته لمواجهة عدد من المحتجين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، بل والاعتداء عليهم بالضرب المبرّح من قبل مئات المؤيدين، بالأسلحة البيضاء والعصي، وعلى مرأى من الإعلام المحلي والعالمي!
ما رآه مئات الآلاف من المواطنين من صور الاعتداء على حسام العبداللات أصابهم بحالة من الصدمة والرعب. وإذا كان كثير من المراقبين والسياسيين والمثقفين، ونحن منهم، يدينون ويرفضون أسلوب الاتهام بلا سند قانوني، ولا يقبلون بالاعتصام على أبواب منازل السياسيين والمسؤولين، والتهجم عليهم أمام عائلاتهم، إلاّ أنّ المشهد أمام بيت الروابدة، والذي طارت به الفضائيات وملأ العالم الافتراضي، كان ذا مردود سلبي على "صورة" الروابدة نفسه، وقلب مشاعر الكثيرين إلى حالة من الذهول والغضب! الدلالة الأكثر خطورة فيما جرى أنّ الروابدة (الذي يتحدث دوماً بلغة القانون) تجاوز ثقافته وخبرته وخطابه، واعتمد على "عضلات" أبناء عشيرته؛ فلم يوقف من أتوا للاحتجاج أمام منزله عن طريق القانون –وهنالك عشرات المداخل والنصوص القانونية لذلك- لكنه أراد أن يرسل رسالة صارمة للجميع، بأنّني "لست لقمة سائغة"، وورائي عشيرتي وأقاربي وأنصاري. وهو موقف يعكس شعوراً بانهيار كامل في منسوب الثقة بالقانون والدولة ومؤسساتها! عندما يكون "هكذا" ردُّ فعل شخصيَّةٍ بوزن الروابدة –سياسياً، هو الرجل الثاني في مجلس الأعيان، ويعتبر أحد القيادات المخضرمة؛ وقانونياً، من الذين يستمع لوجهة نظرهم- فعندئذٍ من حقّ أغلبية المواطنين أن تشعر بالقلق على أمنها الشخصي والأسري والمجتمعي. وذلك ما كشفه استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية الأخير، عندما اعترف نصف العينة الوطنية بأنّهم لا يشعرون بالأمن!
هنالك من يرى أنّ الدولة هيأت المسرح تماماً لهذا الحدث الدرامي، عندما ابتعدت عن التدخل، بالرغم من كل المؤشرات المقلقة على احتمال وقوع اشتباكات. فهل هذا المشهد يخدم الدولة والأجندة الأمنية، فيعزّز – مثلاً- الدعوة إلى الضرب بيد من حديد على الخارجين عن القانون، واستعادة "هيبة الدولة"، عندما يشعر الناس بالقلق من حالة الفوضى وانتشار السلاح؟!
تلك فرضيةٌ قد تبدو منطقية، لو أنّ المشكلة أمنيةٌ، مع مجرمين وخارجين عن القانون، فيطالب الناس الدولة بالتصدي لهم، وتحظى الدولة بحالة من الإجماع، كما حدث في حادثة قتل زياد الراعي ورفيقه. لكن السؤال المطروح هنا مختلف جذرياً؛ إنّه الشعور بانهيار مبدأ القانون ودولة المؤسسات والسلطة الأخلاقية والمعنوية للدولة، وعلى النقيض من ذلك العودة إلى العشائر والعلاقات الاجتماعية، واستخدام اليد والسلاح؛ أي إلى مرحلة ما قبل الدولة والقانون!
المدى الأبعد لهذه الصورة كان في اليوم التالي مباشرةً، عندما أغلق أفراد من عشيرة بني حسن بوابة الجامعة الهاشمية، احتجاجاً على إقالة نائب رئيس الجامعة (من العشيرة)، ولم يستطع رئيسها الدخول إلى حرمها إلاّ بحراسة الدرك، وحطّم المحتجون سيارته، وأغلقوا الطريق الدولية، وأشعلوا الإطارات المحترقة! ما "حدث" وإن جادل البعض بأنّه في إطار "الفوضى المبرمجة"، إلاّ أنّ مدياته وأبعاده لن تتوقف عند ذلك، فهو انزلاقٌ حادّ من قبل مسؤولي الدولة الذين قبلوا بأن ينسفوا وجودها من أساسه تحت مبرّرات أو دواعٍ واهية، فغابت الدولة ومؤسساتها وقيمها عن الصورة، وهذا أخطر ما في الأمر؛ ذلك أنّ الدولة نفسها تحوّلت في اليوم التالي إلى الطرف الأضعف في المعادلة!"الغد"
هنا، تحديداً، موطن المفارقة الصارخة في أنّه قبِل الاستعانة بأبناء عشيرته لمواجهة عدد من المحتجين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، بل والاعتداء عليهم بالضرب المبرّح من قبل مئات المؤيدين، بالأسلحة البيضاء والعصي، وعلى مرأى من الإعلام المحلي والعالمي!
ما رآه مئات الآلاف من المواطنين من صور الاعتداء على حسام العبداللات أصابهم بحالة من الصدمة والرعب. وإذا كان كثير من المراقبين والسياسيين والمثقفين، ونحن منهم، يدينون ويرفضون أسلوب الاتهام بلا سند قانوني، ولا يقبلون بالاعتصام على أبواب منازل السياسيين والمسؤولين، والتهجم عليهم أمام عائلاتهم، إلاّ أنّ المشهد أمام بيت الروابدة، والذي طارت به الفضائيات وملأ العالم الافتراضي، كان ذا مردود سلبي على "صورة" الروابدة نفسه، وقلب مشاعر الكثيرين إلى حالة من الذهول والغضب! الدلالة الأكثر خطورة فيما جرى أنّ الروابدة (الذي يتحدث دوماً بلغة القانون) تجاوز ثقافته وخبرته وخطابه، واعتمد على "عضلات" أبناء عشيرته؛ فلم يوقف من أتوا للاحتجاج أمام منزله عن طريق القانون –وهنالك عشرات المداخل والنصوص القانونية لذلك- لكنه أراد أن يرسل رسالة صارمة للجميع، بأنّني "لست لقمة سائغة"، وورائي عشيرتي وأقاربي وأنصاري. وهو موقف يعكس شعوراً بانهيار كامل في منسوب الثقة بالقانون والدولة ومؤسساتها! عندما يكون "هكذا" ردُّ فعل شخصيَّةٍ بوزن الروابدة –سياسياً، هو الرجل الثاني في مجلس الأعيان، ويعتبر أحد القيادات المخضرمة؛ وقانونياً، من الذين يستمع لوجهة نظرهم- فعندئذٍ من حقّ أغلبية المواطنين أن تشعر بالقلق على أمنها الشخصي والأسري والمجتمعي. وذلك ما كشفه استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية الأخير، عندما اعترف نصف العينة الوطنية بأنّهم لا يشعرون بالأمن!
هنالك من يرى أنّ الدولة هيأت المسرح تماماً لهذا الحدث الدرامي، عندما ابتعدت عن التدخل، بالرغم من كل المؤشرات المقلقة على احتمال وقوع اشتباكات. فهل هذا المشهد يخدم الدولة والأجندة الأمنية، فيعزّز – مثلاً- الدعوة إلى الضرب بيد من حديد على الخارجين عن القانون، واستعادة "هيبة الدولة"، عندما يشعر الناس بالقلق من حالة الفوضى وانتشار السلاح؟!
تلك فرضيةٌ قد تبدو منطقية، لو أنّ المشكلة أمنيةٌ، مع مجرمين وخارجين عن القانون، فيطالب الناس الدولة بالتصدي لهم، وتحظى الدولة بحالة من الإجماع، كما حدث في حادثة قتل زياد الراعي ورفيقه. لكن السؤال المطروح هنا مختلف جذرياً؛ إنّه الشعور بانهيار مبدأ القانون ودولة المؤسسات والسلطة الأخلاقية والمعنوية للدولة، وعلى النقيض من ذلك العودة إلى العشائر والعلاقات الاجتماعية، واستخدام اليد والسلاح؛ أي إلى مرحلة ما قبل الدولة والقانون!
المدى الأبعد لهذه الصورة كان في اليوم التالي مباشرةً، عندما أغلق أفراد من عشيرة بني حسن بوابة الجامعة الهاشمية، احتجاجاً على إقالة نائب رئيس الجامعة (من العشيرة)، ولم يستطع رئيسها الدخول إلى حرمها إلاّ بحراسة الدرك، وحطّم المحتجون سيارته، وأغلقوا الطريق الدولية، وأشعلوا الإطارات المحترقة! ما "حدث" وإن جادل البعض بأنّه في إطار "الفوضى المبرمجة"، إلاّ أنّ مدياته وأبعاده لن تتوقف عند ذلك، فهو انزلاقٌ حادّ من قبل مسؤولي الدولة الذين قبلوا بأن ينسفوا وجودها من أساسه تحت مبرّرات أو دواعٍ واهية، فغابت الدولة ومؤسساتها وقيمها عن الصورة، وهذا أخطر ما في الأمر؛ ذلك أنّ الدولة نفسها تحوّلت في اليوم التالي إلى الطرف الأضعف في المعادلة!"الغد"