2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

برنامج القوى اليسارية والقومية

حمادة فراعنة
جو 24 :

نجح اليساريون والقوميون الأردنيون ، في عقلنة شعارات الشارع ، وجعله واقعياً ، يستمد أجندته ، من طبيعة المرحلة ومتطلباتها بما يلبي مصالح الشعب الأردني وتطلعاته ، ويضع أولوياته وفق المعطيات القائمة ، وتحريكها ، بدون الرضوخ لها والأستسلام لموازينها ، بعيداً عن الجموح التأملي أو اللفظي ، وبدون الأعتماد على عوامل خارجية ، سواء أجنبية أو إقليمية مساعدة .

نجح اليساريون والقوميون ، مستندين إلى تراث من العمل الكفاحي المتوازن ، بدءاً من التصدي للسياسات العرفية في مرحلة غياب المؤسسة البرلمانية ، ومنع الأحزاب ، وتغول السلطة التنفيذية في مرحلة ما قبل عام 1989 ، مروراً بالمصالحة الوطنية الكبرى التي تمت في بداية التسعينيات ما بين الراحل الملك حسين وأحزاب المعارضة اليسارية والقومية غير المرخصة وفي طليعتهم الشيوعيين والبعثيين وحزبي الشعب والوحدة الشعبية والعديد من الشخصيات الوازنة المستقلة وفي مقدمتهم الراحل المحامي إبراهيم بكر نقيب المحامين الأسبق ، وعلى أثر تلك المصالحة تمت المشاركة في اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني الأردني ، وإلغاء الأحكام العرفية ، والترخيص للأحزاب اليسارية والقومية .

وعلى الرغم من الحدثين الكبيرين اللذين أثرا على مسيرة الأحزاب اليسارية والقومية وهما :

- هزيمة الشيوعية والأشتراكية والأتحاد السوفيتي في الحرب الباردة .
- وهزيمة العراق وإحتلاله بعد الحرب وحصاره وإعدام رئيسه الراحل صدام حسين ، وإسقاط نظامه القومي .

على الرغم من ذلك حافظت الأحزاب القومية واليسارية على إتزانها وتوازنها ، وساهمت بدورها ، وإستمرارية وجودها ، رغم ضعفها ، لأنها فقدت أهم مقومات إستمراريتها ممثلة بمرجعياتها السياسية والفكرية ، وأهم روافعها المادية والحزبية الأتحاد السوفيتي والعراق .

مع بداية ثورة الربيع العربي في 2011، إلتقطت الأحزاب اليسارية والقومية ، أهمية دورها المركزي ، وساهمت بدفع الشارع نحو إحتجاجاته المنظمة المدنية والسلمية ، وحددت طلباتها ، وشاركت عبر ممثلين لها بلجنة الحوار الوطني ، إلتزاماً منها بالتمسك بالمعايير الدستورية والقانونية ، وبنفس القيمة والصلابة ، تمسكت بالمطالب الأصلاحية السياسية والأقتصادية والأجتماعية ، ونظرت إلى التعديلات الدستورية التي شملت 42 مادة في الدستور نظرة إيجابية وإعتبرتها غير كافية مطالبة بإجراء المزيد من التعديلات بدون أن تربط ذلك بقضايا أخرى ، وفي طليعتها قانون الأنتخاب ، وإعتبرت القانون خطوة جوهرية تسير إلى الأمام على طريق تصحيح المسار الدستوري والقانوني ، وإستكمال إستعادة شعبنا الأردني لحقوقه الدستورية المعتدى عليها من قبل السلطة التنفيذية وهيمنتها وتغولها لعشرات السنين .

لقد قيّمت القوى اليسارية والقومية قانون الأنتخاب بإعتباره يجمع مسألتين في غاية الأهمية الأولى تشكيل لجنة مستقلة للأنتخابات ، والثانية إقرار القائمة الوطنية على مستوى الوطن ، وهو توجه لأول مرة يتم إنزاله من أذهان القوى الفاعلة ومطالبها إلى حيز التنفيذ القانوني ، ليصار إلى تطبيقه على أرض الواقع السياسي ، ولكن معارضة القوى اليسارية والقومية كان ثابتاً لجوهر القانون لأن القائمة الوطنية إقتصرت على 27 مقعداً من 150 أي بمعدل 18 بالمائة ، وهي نسبة متواضعة لا تلبي الغرض السياسي والأصلاحي للوصول إلى حكومات برلمانية حزبية ، ولذلك طالبت وأصرت على طلبها لأن يكون للقائمة الوطنية 50 بالمائة من المقاعد البرلمانية أي 75 مقعداً للوطنية و75 مقعداً للمحلية ، مثلما طالبت بتوسيع الدائرة المحلية لتشمل المحافظة أو اللواء وفق عدد السكان .

ومن هنا علقت الأحزاب اليسارية والقومية قرارها بإعلان المشاركة أو المقاطعة للإنتخابات بإعتباره سلاحاً سياسياً ضاغطاً على الحكومة وصانعي القرار لأجراء مزيد من التعديلات على القانون بإتجاه الأستجابة لأقتراح المناصفة العددية ما بين الدائرة المحلية والدائرة الوطنية .

وبناء عليه ، تجاوبت الأحزاب اليسارية والقومية مع توجهات فتح التسجيل لأعداد قوائم الناخبين ، ودعت قواعدها الحزبية وجمهورها لتسجيل أسماءهم في قوائم الناخبين ، وهي بذلك تقدمت خطوة عملية للإقتراب من قرار المشاركة بالأنتخابات ، خاصة وأن غالبية قواعد أحزابهم عبروا عن رغبتهم بالإستجابة للمشاركة من خلال الأستفتاءات الداخلية التي أجرتها الأحزاب لقواعدها ، وبهذه الخطوة أيضاً إبتعدت الأحزاب اليسارية والقومية خطوة عن موقف حركة الأخوان المسلمين التي أعلنت مقاطعتها للإنتخابات على مستوياتها الثلاثة تسجيلاً وترشيحاً وإقتراعاً .

وهكذا تميزت الأحزاب اليسارية والقومية ، بصمودها في وجه الجموح المحافظ وقوى الشد العكسي ، وبنفس المعيار تميزت بصمودها في وجه التطرف وحرق المراحل والتمادي غير المبرر من قبل بعض الحراكات السياسية لإستنباط وسائل أو معايير أو شعارات أو مطالب غير واقعية .

وبرز موقف الأحزاب اليسارية والقومية ، عبر لجنة التنسيق الحزبي ، المشكلة من سبعة أحزاب هي : حركة الأخوان المسلمين ، حزب البعث العربي الأشتراكي ، الحزب الشيوعي ، حزب الشعب الديمقراطي ، الحركة القومية للديمقراطية المباشرة وحزب الوحدة الشعبية ، وفي قيادة الجبهة الوطنية للأصلاح المشكلة من أربعة أطراف هي :

1- حركة الأخوان المسلمين .
2- الأحزاب اليسارية والقومية الستة .
3- النقابات المهنية .
4- شخصيات مستقلة على رأسهم أحمد عبيدات ، الذي تم إختياره رئيساً للجبهة .

التحالف والأئتلاف والتفاهم بين المكونات الأربعة للجبهة ، تخلله دائماً صراع ، بين الطرفين حركة الأخوان المسلمين من طرف ، التي سعت كي تكون الجبهة إحدى أدواتها ومنفذة لسياساتها ، ورافعة لها في مواجهة السياسات الرسمية ، بينما سعت الأحزاب اليسارية والقومية من طرف أخر، كي تكون الجبهة عن حق أداة جادة ورافعة لمجموع الحركة السياسية الأردنية المعارضة ، ووعاء يجمع أغلبية التجمعات السياسية ، ورافعة لها ومعبرة عن تطلعاتها .

ولكن تطرف الأخوان المسلمين وإستعجالهم في إعلان المواقف المتشددة ورفضهم المشاركة في لجنة الحوار الوطني ، ورفضهم للتعديلات الدستورية ، ورفضهم لقانون الأنتخابات ، وإعلان رفضهم المشاركة في الأنتخابات تسجيلاً وترشيحاً وإقتراعاً ، أربك الحركة السياسية الأردنية المعارضة ومزق صفوفها ، بسبب التباين والخلاف في مواقفها من العناوين السياسية وفي كيفية التعبير عنها عبر الحراكات ذات العناوين المختلفة ، وقد ساعدهم على ذلك عاملين أولهما إندفاع قوى الشد العكسي والقوى المحافظة في فرض سياساتها الرسمية عبر الحكومة والبرلمان ، وثانيهما إندماج أحمد عبيدات ومجموعته ، وقبولهم لأجندة الأخوان المسلمين ، وأولوياتهم .

وإندفع الأخوان المسلمين متكئين على تطورات الوضع الأقليمي لصالحهم ، وإندفاع قوى الشد العكسي نحو عدم التجاوب مع القيم الأصلاحية ، كي يرفعوا من سقف مطالبهم ، مشترطين التعديلات الدستورية ، وغالوا في تفردهم بالعمل الشعبي وحراك الشارع ، فنفذوا سلسلة من النشاطات المنفردة يوم 31/8 من المسجد الحسيني إلى حديقة النخيل ، وصعدوا أكثر في إعتصامهم في الأول من أيلول على دوار جمال عبد الناصر بجبل الحسين ، وإنكفئوا عن القوى السياسية بإعلان تشكيل لجنة حزبية عليا للأصلاح برئاسة المراقب العام همام سعيد وإدارة المراقب العام السابق سالم الفلاحات .

اللجوء إلى حراك الشارع بدون التنسيق مع القوى اليسارية والقومية ، وإعلان اللجنة العليا للإصلاح الحزبية ذات اللون الواحد ، ورفض القوى اليسارية والقومية لمواقفهم ، دفع أحمد عبيدات للتراجع عن الأنسجام والتفاهم مع الأخوان المسلمين بعد أن سمع كلاماً مسؤولاً من القيادات الحزبية اليسارية والقومية بشكل خاص من منير حمارنة وعبلة أبو علبة وأكرم الحمصي وحتى من سعيد ذياب ، مما أعاد له التوازن في موقفه كي يكون عن حق رئيساً للجبهة الوطنية متوازناً بين طرفي المعادلة ، بين الأخوان المسلمين ، وبين القوى اليسارية والقومية ، لا أن تصب مواقفه لمصلحة الأخوان المسلمين كما جرى خلال الأشهر القليلة الماضية من عمر الجبهة .

البيان الذي أعلنه في مجمع النقابات في حفل المنتدى السياسي للجبهة الوطنية للأصلاح يوم السبت 8/9 لم يتطرق فيه أحمد عبيدات إلى مقاطعة الأنتخابات كما سبق وأعلن من قبل وبذلك يكون قد صّوب ما سبق وأن فعله ، وقدم بياناً جوهرياً يشكل أساساً لتمسك الأردنيين بحقوقهم الدستورية المنهوبة ، وبذلك يمكن وصف حالة الأخوان المسلمين أنهم فشلوا في فرض أجندتهم ورؤيتهم الحزبية سواء على حراك الشارع أو على برنامج القوى اليسارية والقومية المتوازن والصائب .

h.faraneh@yahoo.com

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير