هل نكره السوريين في الأردن؟!
ماهر أبو طير
جو 24 : اكثر من أربعة ملايين شقيق سوري هاجروا الى الاردن ولبنان وتركيا، وبعضهم ذهب الى مصر والعراق، لكن الدول الثلاث اياها استوعبت العدد الأكبر.
في الجو تراشقات، فالسوري يشعر بتحسس في الاردن، ويعتقد مرات ان هناك من يتعمد اطالة اللسان عليه، او مس كيانه بالمعاملة، ويعتقد في مرات ان الاردن يتكسب على ظهره ويجمع المال والمساعدات ويريد ان يبني دولة عظمى من مؤونات الغذاء والدواء.
والاردني لايكره السوري بالمقابل، لكنه في ضنك حياتي، ولو كان يكره السوري لما استقبله ولما أجرّه بيته، ولما شغله في وظيفة، لكن الاردني مخنوق اساسا مما يراه في بلده الذي يعاني اساسا وفقير جدا، وهجرة السوريين تركت اثرا اقتصاديا واجتماعيا، وهي قصة تذكرنا بالاشقاء العراقيين الذين عبروا الاردن ذات ميعاد وغادر اغلبهم وفي قلبه لوم على بلد بالكاد يجد شربة الماء، لمن فيه اساسا، لكنها المفارقة التي تقول ان كثرة تكتشف الطيبة والبساطة في التكوين الاردني، فيكون سهلا التطاول على الاردن دون خوف!.
السوري يبالغ في تحسسه، لانه لايريد ان يصدق ان اي هجرة لها تداعيات سلبية، فالمهاجر يخسر كل شيء، والاردني ايضا لايكره السوري لكنه يتحسس بشدة من التاثيرات الاجتماعية والاقتصادية السلبية التي لحقته، وهو ايضا، لايحتمل ان يجرح احدا الاردن بأعتباره لم يقدم شيئا، دون ان يمن الاردن على احد.
في نهاية المطاف لايمكن ان يتم انتقاص الاردن فقد فتح ابوابه للاشقاء السوريين، وقصة التكسب غير دقيقة فالكل يعرف ان المساعدات انخفضت جدا، وان الاردن يدير هذا الحمل وحيدا باستثناء مساعدات قليلة، وماهو اهم من الحمل الاقتصادي، ذاك الجانب الاجتماعي والامني في ادارة العلاقة مع المجموع السوري في الاردن.
مناسبة الكلام هذا التهليل المبالغ به لاوروبا التي استقبلت مهاجرين سوريين، ولامشكلة بالتهليل لمن اراد ان يهلل، لكن المشكلة تكمن في توظيف الموقف الاوروبي المتأخر، برغم كل الدعائية فيه، للغمز من قناة الاردن، باعتباره لو كان مفتوحا لما اضطر السوري لركوب البحر والهجرة الى اوروبا، فحنو اوروبا بات فرصة للطم وجه الاردن.
لايوجد داع اساسا للتفكير بهذه الطريقة، فدول الجوار كلها استوعبت ماهو ممكن، فماالذي يراد مثلا من دول فقيرة مثل لبنان والاردن، فهي ترزح تحت ديون وظروف صعبة جدا، ولايمكن ان تلام او تبقى تحت مطرقة اللوم فقط؟!.
مالذي يمكن ان نقوله عن العراق مثلا، اذ استقبلت سورية ذات يوم مليوني شقيق عراقي، وحين دارت الدنيا واضطر السوري ان يذهب للعراق لم يتم الترحيب به، بل رفع بعضهم رشاشه في وجه القادمين، هذا فوق المشكلة المذهبية التي تجعل السوري غير مرحب به في تلك الديار؟!.
لماذا ننصاع بسرع لصناعة الاعلام، فأوروبا اساسا، كان بأمكانها بدلا من الترحيب المتأخر بالسوريين ان تلعب دورا في حقن دماء السوريين، لكنها الازمة التي شارك بها الجميع، وهاهي ترتد على الجميع، والذي يقرأ الصحافة الاجنبية، يجد ايضا، مخاوف غربية من الاسلام والمسلمين، ومن موجة الهجرة باعتبارهم مسلمين، ومن اختلالات الديموغرافيا في الغرب، وتجاهر دول غربية وشرقية بعدم رغبتها باستيعاب اي لاجئ مسلم؟!.
القصة هنا لاتمكن في اطفاء التحريض ضد الاردن او دول الجوار السوري، ونقل التحريض نحو الغرب، فهناك ماهو اهم من الحالتين، ومن التحريض الساذج على احد، اذ ان فكرة الهجرة ذاتها الى اي مكان في العالم جراء الحرب، فكرة سيئة.
سواء ذهبت الى الشرق ام الى الغرب، فأنت مشكوك فيك، وقد خسرت بيتك وكل شيء، وستخضع لظروف الذي يستقبلك، ومن المستحيل ان تفرض عليه شروطك، ولايمكن ان تنال في المكان كل ماتريد، فالهجرة ذاتها خسارة من حيث المبدأ حتى لو كانت اضطرارا وصيانة للعرض والدم، ولايوجد في كل الدنيا هجرة من طراز الخمسة نجوم، او لجوء من الدرجة الاولى، فاللجوء هو اللجوء، في كل مكان.
يقال هذا الكلام، حتى لانتورط جميعا، في اعادة تدوير الازمة السورية، فالسوري لامشكلة بينه وبين الاردني ولا غير الاردني، واصل المشكلة هو في الازمة السورية في الداخل، وماهو خارج حدود سورية، يخضع لحسابات كل بلد، وظروفه، وفي الاردن مثلا، قد تسمع تحسسا اردنيا، او كلاما متفلتا لايرضاه السوري، او يمس مشاعره، لكن على الشقيق السوري ان يتذكر امرين، اولهما ان الاردني مخنوق ومحشور اصلا، ويكفيه ماهو فيه من ضنك، وثانيهما اننا برغم اشارة هنا او هناك، لم نسمع عن اردني واحد خرق حرمة بيت سوري او تجاوز حدوده، او اعتدى على احد، من الاشقاء السوريين، فيصير الكلام اللاذع مرات، تعبيرا عن مشكلة الاردني في حياته، وليس تعبيرا عن كرهه للسوري.
لانكره السوريين، ولاغيرهم، وكل مايراد قوله هنا، ان الاردن لم يقصر مع احد، طوال عمره، لكنه ايضا لاينال الا اللطم على وجهه، بأعتباره المقصر الاول في العالم العربي والاسلامي.
علينا اذن ان نعيد انتاج عباراتنا، فمشكلة السوري، هي مع نظامه ومع الذين يقتتلون على ارضه، وليس مع الاردني او التركي او اللبناني او اليوناني غير الطيب.
(الدستور)
في الجو تراشقات، فالسوري يشعر بتحسس في الاردن، ويعتقد مرات ان هناك من يتعمد اطالة اللسان عليه، او مس كيانه بالمعاملة، ويعتقد في مرات ان الاردن يتكسب على ظهره ويجمع المال والمساعدات ويريد ان يبني دولة عظمى من مؤونات الغذاء والدواء.
والاردني لايكره السوري بالمقابل، لكنه في ضنك حياتي، ولو كان يكره السوري لما استقبله ولما أجرّه بيته، ولما شغله في وظيفة، لكن الاردني مخنوق اساسا مما يراه في بلده الذي يعاني اساسا وفقير جدا، وهجرة السوريين تركت اثرا اقتصاديا واجتماعيا، وهي قصة تذكرنا بالاشقاء العراقيين الذين عبروا الاردن ذات ميعاد وغادر اغلبهم وفي قلبه لوم على بلد بالكاد يجد شربة الماء، لمن فيه اساسا، لكنها المفارقة التي تقول ان كثرة تكتشف الطيبة والبساطة في التكوين الاردني، فيكون سهلا التطاول على الاردن دون خوف!.
السوري يبالغ في تحسسه، لانه لايريد ان يصدق ان اي هجرة لها تداعيات سلبية، فالمهاجر يخسر كل شيء، والاردني ايضا لايكره السوري لكنه يتحسس بشدة من التاثيرات الاجتماعية والاقتصادية السلبية التي لحقته، وهو ايضا، لايحتمل ان يجرح احدا الاردن بأعتباره لم يقدم شيئا، دون ان يمن الاردن على احد.
في نهاية المطاف لايمكن ان يتم انتقاص الاردن فقد فتح ابوابه للاشقاء السوريين، وقصة التكسب غير دقيقة فالكل يعرف ان المساعدات انخفضت جدا، وان الاردن يدير هذا الحمل وحيدا باستثناء مساعدات قليلة، وماهو اهم من الحمل الاقتصادي، ذاك الجانب الاجتماعي والامني في ادارة العلاقة مع المجموع السوري في الاردن.
مناسبة الكلام هذا التهليل المبالغ به لاوروبا التي استقبلت مهاجرين سوريين، ولامشكلة بالتهليل لمن اراد ان يهلل، لكن المشكلة تكمن في توظيف الموقف الاوروبي المتأخر، برغم كل الدعائية فيه، للغمز من قناة الاردن، باعتباره لو كان مفتوحا لما اضطر السوري لركوب البحر والهجرة الى اوروبا، فحنو اوروبا بات فرصة للطم وجه الاردن.
لايوجد داع اساسا للتفكير بهذه الطريقة، فدول الجوار كلها استوعبت ماهو ممكن، فماالذي يراد مثلا من دول فقيرة مثل لبنان والاردن، فهي ترزح تحت ديون وظروف صعبة جدا، ولايمكن ان تلام او تبقى تحت مطرقة اللوم فقط؟!.
مالذي يمكن ان نقوله عن العراق مثلا، اذ استقبلت سورية ذات يوم مليوني شقيق عراقي، وحين دارت الدنيا واضطر السوري ان يذهب للعراق لم يتم الترحيب به، بل رفع بعضهم رشاشه في وجه القادمين، هذا فوق المشكلة المذهبية التي تجعل السوري غير مرحب به في تلك الديار؟!.
لماذا ننصاع بسرع لصناعة الاعلام، فأوروبا اساسا، كان بأمكانها بدلا من الترحيب المتأخر بالسوريين ان تلعب دورا في حقن دماء السوريين، لكنها الازمة التي شارك بها الجميع، وهاهي ترتد على الجميع، والذي يقرأ الصحافة الاجنبية، يجد ايضا، مخاوف غربية من الاسلام والمسلمين، ومن موجة الهجرة باعتبارهم مسلمين، ومن اختلالات الديموغرافيا في الغرب، وتجاهر دول غربية وشرقية بعدم رغبتها باستيعاب اي لاجئ مسلم؟!.
القصة هنا لاتمكن في اطفاء التحريض ضد الاردن او دول الجوار السوري، ونقل التحريض نحو الغرب، فهناك ماهو اهم من الحالتين، ومن التحريض الساذج على احد، اذ ان فكرة الهجرة ذاتها الى اي مكان في العالم جراء الحرب، فكرة سيئة.
سواء ذهبت الى الشرق ام الى الغرب، فأنت مشكوك فيك، وقد خسرت بيتك وكل شيء، وستخضع لظروف الذي يستقبلك، ومن المستحيل ان تفرض عليه شروطك، ولايمكن ان تنال في المكان كل ماتريد، فالهجرة ذاتها خسارة من حيث المبدأ حتى لو كانت اضطرارا وصيانة للعرض والدم، ولايوجد في كل الدنيا هجرة من طراز الخمسة نجوم، او لجوء من الدرجة الاولى، فاللجوء هو اللجوء، في كل مكان.
يقال هذا الكلام، حتى لانتورط جميعا، في اعادة تدوير الازمة السورية، فالسوري لامشكلة بينه وبين الاردني ولا غير الاردني، واصل المشكلة هو في الازمة السورية في الداخل، وماهو خارج حدود سورية، يخضع لحسابات كل بلد، وظروفه، وفي الاردن مثلا، قد تسمع تحسسا اردنيا، او كلاما متفلتا لايرضاه السوري، او يمس مشاعره، لكن على الشقيق السوري ان يتذكر امرين، اولهما ان الاردني مخنوق ومحشور اصلا، ويكفيه ماهو فيه من ضنك، وثانيهما اننا برغم اشارة هنا او هناك، لم نسمع عن اردني واحد خرق حرمة بيت سوري او تجاوز حدوده، او اعتدى على احد، من الاشقاء السوريين، فيصير الكلام اللاذع مرات، تعبيرا عن مشكلة الاردني في حياته، وليس تعبيرا عن كرهه للسوري.
لانكره السوريين، ولاغيرهم، وكل مايراد قوله هنا، ان الاردن لم يقصر مع احد، طوال عمره، لكنه ايضا لاينال الا اللطم على وجهه، بأعتباره المقصر الاول في العالم العربي والاسلامي.
علينا اذن ان نعيد انتاج عباراتنا، فمشكلة السوري، هي مع نظامه ومع الذين يقتتلون على ارضه، وليس مع الاردني او التركي او اللبناني او اليوناني غير الطيب.
(الدستور)