الكيل بمكيالين في مسألة حرية الرأي والتعبير
عام ١٩٩٦ استضافت الزميلة صحيفة الدستور المفكر الفرنسي الراحل روجيه جارودي في حوار شاركت فيه حول الصهيونية وما يسمى بالمحرقة التي أقامها النازيون ضد اليهود ، كان جارودي قد تعرض لحملة قوية من أنصار الصهيونية بسبب كتاب نشره يشكك برقم الستة ملايين من اليهود الذين يزعمون انهم قتلوا في المحرقة وأحيل الى المحاكمة وفق (قانون جايسو) الذي يعرض للمحاكمة كل من يشكك بنتائج محاكمات نورنمبرج عن الحرب العالمية الثانية ومن بينها قصة الستة ملايين.
في عدد كبير من دول اوروبا هناك قانون يودع السجن كل كاتب او صحفي او مؤرخ يشكك برقم ضحايا المحرقة ، وهكذا تم تحويل حادثة تاريخية الى قطعة مقدسة يعاقب كل من يقترب منها بالشك او بإعادة اعمال العقل في حيثياتها ، بالمقابل يتم التهاون مع من يسيء الى النبي محمد (ص) والى مشاعر مليار ونصف مسلم . هذا هو واقع سياسة الكيل بمكيالين في حرية الراي الذي مارسته اوروبا عام ٢٠٠٥ عندما أقدمت صحيفة دنماركية على نشر كاريكاتيرات تسيء الى الرسول.
وبينما لم يجد جارودي من يدافع عنه باسم حرية الراي غير الاب بيير ( رجل الدين الذي كان الاكثر شعبية في فرنسا ) فان العديد من الصحف الاوروبية وقفت تدافع عن الصحيفة الدنماركية حتى ان الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود روبير منيار صرح انذاك في معرض دفاعه عن نشر الرسوم» بان الأنظمة لا تفهم انه يمكن الفصل التام بين ما تكتبه صحيفة وبين الحكومة الدنماركية ، يحق لصحيفة ان تكتب ما تشاء ويحق لنا القيام باي شيء حتى لو كان جارحا للناس«.
الواقع ان هذا جزء من النفاق القائم في اوروبا وأمريكا ، فلم يجد جارودي من يقول (بانه يحق له ان يكتب ما يشاء) وعندما سئل عن هذا في ندوة الدستور أجاب : وسائل الاعلام الفرنسية تخضع للنفوذ الصهيوني ومن الصعب جداً الوصول الى الراي العام.
أيضاً من الصعب جداً الوصول الى الراي العام في امريكا بسبب هذا النفوذ ، وبينما بث الفلم المسيء للرسول في العديد من المحطات التلفزيونية المحلية في كاليفورنيا وفي آليوتيوب فانه في عام ٢٠٠٦ تم منع بث الفلم التركي (العراق وادي الذئاب) في وسائل الاعلام الامريكية لانه يصور الجرائم التي ارتكبت ضد العراقيين ، وقد تعرض اثنان من ممثلي هوليوود شاركوا في الفلم الى هجوم كبير من وسائل الاعلام وطالب بعضهم بمنعهما من المشاركة في افلام جديدة . وفي نفس العام منعت مدينة نيويورك عرض مسرحية ( ريتشل كوري ) وهي ناشطة أمريكية سحقتها جرافة إسرائيلية عام ٢٠٠٣ عندما كانت تتصدى لها قبل ان تجرف منازل الفلسطينيين في غزة.
الراي العام الامريكي لم يسمع بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٢٠٠٨ بعدم الإساءة الى الدين الاسلامي وهو لن يتخلص حتى وقت طويل من سيل منتجات ثقافة الكراهية المعادية للإسلام التي تستغل هجمات١١ سبتمبر . كما ان حوار الأديان لا نتائج عملية له على ارض الغرب والشرق .اذا، المسالة برمتها سياسية إعلامية وهي تحتاج الى حوارات على هذا المستوى بين العالم الغربي والعالم الاسلامي حتى لا تتحقق مقولة صراع الحضارات ، وبالنهاية الخلاف بين الشرق والغرب هو سياسي وليس دينيا ، صراع مصالح وليس صراع حضارات . صراع جوهره انحياز الغرب لإسرائيل.
(الرأي)