من يوصل رسالة الإسلام
من يرى خنوعَ وذلَ المسلمين على مرّ العقود الماضية ، يستغرب هذا الانبطاح الشديد والاستسلام الغريب العجيب أمام تحديات زمرة من الكفرة والملحدين والحاقدين في دول الغرب ، ولعل المتبصر بما يدور وراء الكواليس ، يأخذه العجب من الأساليب والطرق التي ينتهجها هؤلاء الملحدون من أجل الإساءة للإسلام وأهله ولرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن تلك الأساليب ما يكون مخططا له ومدروسا دراسة عميقة ، إلى الحد الذي من شأنه أن يثير حفيظة كل المسلمين ، في مشارق الأرض ومغاربها .
ولمَّا تكررت الإساءات .. وتعددت الوسائل، وتنوعت مصادر تلك الإساءات.. فقد بات من المهم أن ينهض دعاة الإسلام وإعلاميوهم ، ووكالات الأنباء في العالم الإسلامي ، وكل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بواجباتهم كاملة ، من أجل تعرية كل المخططات التي يراد منها تشويه صورةَ الإسلام ، ممثلة بشخصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته السماوية السمحةَ وقرآننا الكريم .
ومهما يكن من أمر فإننا جميعا مطالبون بأن يقوم كل منا بواجبه على أسس علمية وحضارية لا تجعل لأعداء المسلمين حجة علينا أو وسْمِنا بالتخلف والرجعية ، بل لنثبت لهم بأن الإسلام جاء من أجل نشر حضارة سماوية لا تشوبها شائبة ، والتعامل مع كل الأديان بخلق كريم ، وتسامح ، فقد قال تعالى في كتابه العزيز : ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك . ثم قال تعالى عن رسولنا الكريم : وإنك لعلى خلق عظيم .
لكن إن لجأ المتعجلون (...) في ديار الإسلام بردهم على الإساءات بإتِّباع أساليب همجية في ردهم على المسيئين لله ولرسوله وللإسلام وأهله كما حدث في بعض الدول العربية ، من قتل وإراقة دماء للأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما يحدث ، فإنني من هنا أحذر أولئك الذين يقومون بمثل هذه الأعمال العدوانية ، بقتلهم الأبرياءَ بغير الحق ، إنما يجلبون على الإسلام وأهله الخزي والعار ، ويثبتون في صنيعهم هذا للعالم كله مقدار الهمجية والوحشية التي تتتصف بها مجتمعاتنا العربية .
ويجب أن نعلم بأن أولئك الذين يعمدون إلى بث سمومهم وفتنهم في العالم كله ، عن طريق إساءاتهم المتكررة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ما بين فينة وأخرى ، إنما يتخيرون في عملهم هذا ، اختيار توقيت دقيق مخطط له ، على أسس لا نعلمها نحن .. ولا نحاول أن نمعن فيها الفكر لنعرف المغزى والمقصد منها.
وترون كيف أن صحف الغرب وإعلامهم .. سارع إلى الإعلان عن اسم الشخص الذي قام بكتابة الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يستح أو يخجل من ذكر اسمه وأصله وفصله ، بل وربما كان الغرب كله مبتهجا وتغمره الفرحة أكثر من المرات السابقة ، حينما علم بأن الكاتب هو من أصل عربي (مصري) بغض النظر عن ديانته ، وهو كما علمنا من وكالات الأنباء حينما تنشر بالتفصيل قولها : (وبدا صاحب الفيلم الذي قدمته إذاعة "راديو سوا" الأمريكية، في مقابلة معها، على أنه قبطي مصري يدعى نيكولا باسيلي) ، كما أضافت أنه أي نيكولا كان متابعاً للاحتجاجات التي أثارها الفيلم، وتحديداً بلده مصر.
وشعوبنا العربية وإعلامنا بأسره ، اعتاد في مثل هذه الأمور ، أن يشير أول ما يشير بأصابع الاتهام.. إلى الصهيونية العالمية ، ووضعها مباشرة في قفص الاتهام ، لأنهم كما يعلم الكثير ، وما نستخلصه من مصادر التاريخ على المدى البعيد إلى يومنا هذا ، يدل دلالة واضحة على أن اليهود هم وراء كل الفتن والقلاقل والحروب والدمار في العالم بأسره ، وهم الذين يتولون إثارة الفوضى والمشاكل، في مواقيت دقيقة تخدم مصالحهم العنصرية ، ويستفيدون من كل تفصيلاتها وأحداثها صغرت أم كبرت .
وتسارع الهيئات والإعلام والشعوب العربية والإسلامية ، بإدانة تلك الأعمال وشجبها ، بل وتتعدى ذلك إلى استخدام الأساليب الهمجية اللامسئولة في التعبير عن مشاعرها المتوقدة والمتوهجة ، بمهاجمة السفارات والسفراء ، بل ولا يفلت من شرهم حتى الأشخاص العاديين الذين لا دخل لهم بمثل تلك الأعمال المشينة ، وهذا العمل يعتبر عملا مشينا يسيء لعروبتنا وديننا الحنيف .
وأنا أرى أن من واجبات ومهام منظمة العالم الإسلامي، والتي نراها اليوم بموقفها الضعيف المتقهقر .. الرد على مثل هذه الاستفزازات ، لكنها لا تفعل شيئا يوجب الذكر ، ولا تعدو عن كونها .. شجب . واستنكار.. وهذا هو أسلوب الضعفاء بالطبع، لكن المنظمة، يجب أن تكون بصفتها الفاعلة.. معنية أولا وأخيرا بإيصال صوت الإسلام الحق لكل أنحاء المعمورة ، بالكلمة الطيبة ، والأسلوب المقنع والواضح ، وليس مطلوبا منهم أن يوصلوه بالسيف كما يقال بأنه بدأ به الإسلام أيام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، فالآن لا يمكن للمسلمين أن يستخدموا لا السيف ولا أي نوع من أنواع السلاح ولا استخدام القوة حتى ، ولا أن ينتهجوا أسلوب التحدي من أجل إملاء رغباتهم وما يريدون على غيرهم ، فهم أصلا لا يمتلكون أي وسيلة للتحدي ، لأن التحدي كما هو معروف ، لا يتأتى إلا باستخدام سلطان القوة ، لفرض الأمر الواقع إذا لزم الأمر .
فشتان ما بين قرارات منظمة العالم الإسلامي التي تظلُّ حبرا على ورق ، دون أن يعلم بها أي فرد في المجتمعات الإسلامية ولا أي شيء عن تلك القرارات ، التي تدفن مباشرة بعد انتهاء المؤتمر في خزائن الموت بأرشيف المنظمة ، وما بين قرارات هيئة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن ، التي تخرج للملأ فور الانتهاء من جلساتها ، لأن المسافات ما بين قرارات تلك وهذه واسعة للغاية .
ليكن معلوما بأن أي محاولة من المسلمين وإن اجتمعوا على الخير ، للحجر على أفكار المشعوذين والحاقدين على الإسلام فإنهم لا يستطيعون ذلك ، وإنما الوسيلة الوحيدة في مكافحة أفكار مثل أولئك الحاقدين ، هو الرد عليهم بالأسلوب المتحضر الراقي من أجل إقناع المتلقين في الغرب والرأي العام العالمي بخطأ مثل تلك الأفكار ، وبعدها عن الواقع والمنطق .
إننا نؤمن إيمانا مطلقا ، بأن من واجبنا كمسلمين أن نكون دائما مدافعين عن حوبة الدين ، وعن الإسلام والمسلمين ، وعن استقلال وسلامة كل رقعة في الأوطان الإسلامية ، دفاعا مستميتا ، ولكن ليس بالأساليب الهمجية التي نراها اليوم ، لنعطي أعداءنا الحجة والمبرر لمهاجمتنا ، أو إعداد العدة على المدى البعيد لإطفاء كل شعلة مضيئة في ديار الإسلام ، وإنما الرد الصحيح ، هو مرهون بالكامل بعلمائنا الذين أداروا ظهورهم بكل أسف ، للواجب الديني وراحوا يبحثون عن إثارة الفتن في ديار الإسلام ، تارة ما بين شيعي وسني ، وتارة ما بين سلفي وأخونجي ، وتارة بين ظاهري وباطني ، وتارة أخرى يتناحرون بين أنفسهم إن لم يجدوا متنفسا آخر للتناحر ..
ولعل المقاومة السلبية التي انتهجها المهاتما غاندي من أجل تحرير الهند ، بعد أن أتمَّ دراسته على مقاعد الجامعة في المملكة المتحدة (بريطانيا) وكانت في ذلك الزمن تستعمر الهند ، هي أفضل وسيلة للمقاومة السلبية ، انتهجها المهاتما غاندي ، واستطاع بانتهاجها فعلا تحرير بلاده وتخليصها من نير الاستعمار البريطاني بدون حرب ولا قتال . والمقاومة السلبية هي نوع من الثورات الهادئة ، يُستخدم فيها العقل والفكر والأسلوب والمنطق معا بدلا من الحرب والسلاح .
كيف تريدون لشعوب الغرب أن تَحترمَ ديننا الإسلامي ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم يرون الشواهد الحقيقية على تخلفنا وتخلف معظم قادتنا في العالم العربي على مدى عقود مضت ، حكام سقطوا وارتموا في أحظان المومسات في دول الغرب على مرأى ومسمع الشعوب هناك ، وقد التجئوا أيضا إلى الحانات والنوادي الليلية ملقين بأجسادهم المثقلة بالظلم والاستبداد الذي تناله شعوبهم ليل نهار، في تلك النوادي والحانات ، ومبددين أموال الشعوب وممتلكاتهم فيها ، والغرب ما زال يضع بذهنه صورا للخلفاء الراشدين مثلما يضع بذهنه صورة عمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس ، رضي الله عنهم أجمعين ، حينما كانوا أئمة للمسلمين يؤمون فيهم الصلوات الخمس ، فكيف يمكن مقارنتها بصور قادة يمضون كل الأوقات في الحانات ، ما بين المومسات والقمار ؟؟؟
إن لمن الخير لكم أيها المسلمون، أن تجملوا صوركم بنظر الشعوب غير المسلمة أولا، ثم بعد أن يتيقن غير المسلمين من طهركم، وتحضركم واهتمامكم بأحوال شعوبكم ، وباهتمامكم المطلق بالإسلام وأهله ، وبنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم.. هناك.. يمكن لكم أن تكونوا قدوة وسببا في لفت انتباه الكثير من أبناء تلك الشعوب إلى عظمة الإسلام وروعته وعدله.. وأنتم تعلمون مقدار ما لديهم من الفراغ الروحي الذي يعاني منه شباب الغرب ، مما يدفعهم في كثير من الأحيان إلى الإقدام على الانتحار بشتى الوسائل ، وأنا أبشركم بأن الكثير .. الكثير هناك يبحث عن ملء ذلك الفراغ بشيء نافع ومفيد يخرجهم من الظلمات إلى النور ، ولكن حينما يرون أفعال القادة وأثرياء العرب وهم يزاولون كل أعمال المنكر ، ويفعلون الفواحش بكل أشكالها ، فأنَّى لكم أن تكونوا قدوة لشباب الغرب ..؟؟
وللعلم فإن إصرار الغرب على عرض ذلك الفيلم المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم ، لن يقلل من إيماننا كمسلمين ولا من محبتنا لرسولنا صلى الله عليه وسلم ، ولا من انتمائنا لديننا الحنيف ، ومهما حاولنا فلن نستطيع أن نفعل شيئا سوى أن نفهم الغرب بالطرق العلمية الناجعة بأن من يقوم بمثل هذه الأعمال المسيئة ، ما هي إلا بذور شر يبثها البعض من أجل تفكيك المجتمعات ، وزرع بذور الحقد والكراهية بين جميع المعتقدات والأديان .. ولو افترضنا أن قام أحد المنتجين المسلمين بالإساءة للمسيح (عيسى ابن مريم عليه السلام – لا سمح الله) أو للنبي (موسى) عليه السلام فعلينا أن نتوقع من الآن ردود فعل النصارى واليهود في الغرب على هذا الفيلم ..فإذا كانت المسألة هي كما يدعي الغرب مجرد حرية تعبير عن فكر شخص من الأشخاص ، هنا فقط نعلم بأن الشعوب الغربية ليست معنية أبدا بأية إساءة للأنبياء ، بل فلا يهمهم إساءة كائنا من كان لأي نبي من أنبياء الله . إن قناعاتنا التامة بواجبنا نحو الدفاع عن رسولنا الكريم تأتي من إيماننا العميق بهذا الواجب ، لكنهم يختلفون عنا بعدم توفر عنصر الإيمان عند كثير منهم .
من هنا فإنني أضع اللوم مجددا على علمائنا ، وأقول لهم إن استمرارية تخاذل العلماء والإعلام والإعلاميين في بلاد الإسلام بشكل عام عن القيام بما استأمنهم عليه الإسلام ، في أن يكون كل واحد منهم رسولُ محبة إلى شعوب العالم ، وليسوا أداة هدم وقتل وتدمير أو إثارة الكراهية في نفوس غير المسلمين ، وعليهم أن يجسدوا كل المبادئ السمحة التي ينادي بها الإسلام منذ فجر التاريخ ، وعليهم أن يغرسوا في أذهان الغرب بأن الإسلام هو دين تسامح ومحبة وليس دين انتقام وقتل للأبرياء كما نرى في بعض الدول العربية الآن .
وأنتم ما زلتم ترون إلى اليوم كم من أعمال القتل والتدمير تفتك ببلادنا على أيدي صهاينة أو متصهينين وعملاء وخونة من بني جلدتنا ما فتئوا يتآمرون على الإسلام وأهله ، وهم يحملون هوية المسلمين ، لكنهم كانوا وما زالوا بقعة عار سوداء في جبين الزمن ، وهم أشرُّ مثالٍ للإسلام وأهله في بلاد الغرب . والله من وراء القصد ...