العلاقات الدولية وفخ إشكالية تعبئة الفراغ الفكري
سلام الربضي
جو 24 : الواقع العالمي يعبر عن مرحلة إنتقالية، تتميز بها معظم الملفات السياسة والفكرية. والقضايا المطروحة راهناً مثل: الديمغرافيا والهجرة، الأسلحة النووية، المسألة البيئية، التنمية المستدامة، إصلاح الأمم المتحدة، حقوق الإنسان، الإرهاب، نفوذ منظمة التجارة العالمية، التكنولوجيا...الخ تجعلنا نتساءل، عن جدلية الواقع النظري المفسر للعلاقات الدولية؟
ومن خلال محاكاة واقع المجتمع العالمي، نجد أنه أصبح زاخراً، بكثير من التطورات، وعلى كافة الأصعدة والمستويات، حيث انتقلنا من المجتمع الصناعي الى مجتمع المعرفة، بالترافق مع صعود ما يسمى باقتصاد المعرفة، بالإضافة لانتقالنا من: الثنائية القطبية إلى الأحادية النسبية، ومن الحداثة إلى ما بعد الحداثة، ومن مفهوم مجتمع الأمن النسبي إلى مفهوم مجتمع الخطر. وهذه التحولات العميقة في بنية المجتمع، يمكن التعبير عنها، من خلال طرح الإشكاليات التالية:
هل ما زالت الدولة وحدها، قادرة على تحديد العلاقات الدولية؟ وهل يمكن تحليل هذا الواقع المستجد، من خلال الإرتكاز على معيار القوة المادية فقط؟ أم يجب التركيز على الجوانب الثقافية، عند التحليل؟
وانطلاقاً من، منظور فن التساؤل حول الواقع النظري، المفسر لقضايا العالم،لا يمكن أن يقتصر النقاش، حول ملامح هذا النسق الجديد فقط ، بل التحدي الحقيقي، يكمن في التساؤلات التالية:
كيف وما هي السبل لمواجهة هذا النسق الجديد؟ وهل تحمل النظريات التقليدية في طياتها، ومنها نظرية الواقعية في العلاقات الدولية، الإجابة؟ وعلى سبيل المثال، كيف يمكننا وضع حد، لانتهاك الموارد الطبيعية والبيئية، الذي قد يقضي نهائياً على إمكانيات التنمية المستدامة، وعلى حظوظ ومستقبل الآجيال القادمة، من دون عقد ثقافي؟ وما هي السبل التي نملكها، لمواجهة وتحديد متطلبات أخلاقية، تتضمن إطاراً ومفهوماً جديداً، للأمن البشري؟ وإذا كانت كل تلك التحولات الشاملة، تستوجب جهداً إضافياً على الصعيد النظري، فهل نحن في حاجة إلى نسق فكري جديد، في إطار النهج الفلسفي، الذي يفسر العلاقات الدولية؟
على ما يبدو، فإن القرن العشرين قد إعاد النظر في ثوابتنا اليقينية، في كل ما يتعلق بالمجتمع والتاريخ والإنسان والقيم. ويوجد الكثير من النظريات، التي تحاول ملء الفراغ الفكري لعالمنا، ومنها نظرية نهاية التاريخ، ونظرية صراع الحضارات، ونظرية ما بعد الحداثة. ولكن، قد يكون أخطرها على الأطلاق، نظرية يحلو للبعض أن يطلق عليها تسمية "ما بعد الإنسانية".
فلقد دخلنا، مرحلة تطور ثوري لعلوم الحياة، خصوصاً في مجال البيوتكنولوجي، مما سينتج تحولات جذرية في حياة الإنسان، والتي قد تتيح في الأساس، إمكانية تغيير الطبيعة الإنسانية. لندخل بذلك مرحلة تاريخية، يكون لها تأثيرات إجتماعية، أخلاقية، سياسية، اقتصادية جذرية. مما يستوجب علينا، في المستقبل القريب، مواجهة خيارات أخلاقية حاسمة، في مجال الهندسة الوراثية. وهنا، يكمن جوهر طرح جدليات العلاقة، بين إلانسان والتطور العلمي والتكنولوجي :
فإلى أي حد ومدى، يمكن إستعمال التكنولوجيا لتحسين الخصائص الوراثية؟
فإذاً مستقبلاً ، نحن أمام عالم، ما بعد الإنسانية. وسيكون أكثر تراتبية، ومليئاً بالصراعات. ولن يكون في داخله، مكان لأي مفهوم حول إنسانيتنا المشتركة. إذ سيتم تركيب، جينات بشرية مع جينات أخرى، بشكل يجعلنا لا نعلم، ما معنى الكائن الإنساني.
وبناء على هذا الواقع المستجد، الذي يعبر عن ملامح مجتمعنا العالمي، وإذا كان الطموح، هو نشوء نسق كوني من القيم، يحكم سلوك الشعوب والمؤسسات، فهل ستكون مسألة القيم وتحولاتها، في صدارة الأسئلة الفكرية، الراهنة والمستقبلية؟ وهل إنتقل التركيز والاهتمام في تحديد العلاقات الدولية، من العوامل الاقتصادية والسياسية، إلى العوامل الثقافية، باعتبارها القوة المؤثرة والدافعة في مقاربة القضايا العالمية، سواء على صعيد تفسيرها أو إيجاد الحلول لها؟
ووفقاً للمنهج التاريخي، إذا كان الإطار الزمني لكل هذه الأنساق الجديدة لم يتجاوز 20 عاماً، وتلك الفترة الزمنية، لا يمكن ان تعطينا دلالات ثابتة، يمكن البناء عليها، فهل نكون قد سقطنا في فخ، إشكالية الاستعجال في تعبئة الفراغ النظري، الذي يفسر قضايا العالم؟
* الكاتب مؤلف وباحث في العلاقات الدولية أسبانيا
ومن خلال محاكاة واقع المجتمع العالمي، نجد أنه أصبح زاخراً، بكثير من التطورات، وعلى كافة الأصعدة والمستويات، حيث انتقلنا من المجتمع الصناعي الى مجتمع المعرفة، بالترافق مع صعود ما يسمى باقتصاد المعرفة، بالإضافة لانتقالنا من: الثنائية القطبية إلى الأحادية النسبية، ومن الحداثة إلى ما بعد الحداثة، ومن مفهوم مجتمع الأمن النسبي إلى مفهوم مجتمع الخطر. وهذه التحولات العميقة في بنية المجتمع، يمكن التعبير عنها، من خلال طرح الإشكاليات التالية:
هل ما زالت الدولة وحدها، قادرة على تحديد العلاقات الدولية؟ وهل يمكن تحليل هذا الواقع المستجد، من خلال الإرتكاز على معيار القوة المادية فقط؟ أم يجب التركيز على الجوانب الثقافية، عند التحليل؟
وانطلاقاً من، منظور فن التساؤل حول الواقع النظري، المفسر لقضايا العالم،لا يمكن أن يقتصر النقاش، حول ملامح هذا النسق الجديد فقط ، بل التحدي الحقيقي، يكمن في التساؤلات التالية:
كيف وما هي السبل لمواجهة هذا النسق الجديد؟ وهل تحمل النظريات التقليدية في طياتها، ومنها نظرية الواقعية في العلاقات الدولية، الإجابة؟ وعلى سبيل المثال، كيف يمكننا وضع حد، لانتهاك الموارد الطبيعية والبيئية، الذي قد يقضي نهائياً على إمكانيات التنمية المستدامة، وعلى حظوظ ومستقبل الآجيال القادمة، من دون عقد ثقافي؟ وما هي السبل التي نملكها، لمواجهة وتحديد متطلبات أخلاقية، تتضمن إطاراً ومفهوماً جديداً، للأمن البشري؟ وإذا كانت كل تلك التحولات الشاملة، تستوجب جهداً إضافياً على الصعيد النظري، فهل نحن في حاجة إلى نسق فكري جديد، في إطار النهج الفلسفي، الذي يفسر العلاقات الدولية؟
على ما يبدو، فإن القرن العشرين قد إعاد النظر في ثوابتنا اليقينية، في كل ما يتعلق بالمجتمع والتاريخ والإنسان والقيم. ويوجد الكثير من النظريات، التي تحاول ملء الفراغ الفكري لعالمنا، ومنها نظرية نهاية التاريخ، ونظرية صراع الحضارات، ونظرية ما بعد الحداثة. ولكن، قد يكون أخطرها على الأطلاق، نظرية يحلو للبعض أن يطلق عليها تسمية "ما بعد الإنسانية".
فلقد دخلنا، مرحلة تطور ثوري لعلوم الحياة، خصوصاً في مجال البيوتكنولوجي، مما سينتج تحولات جذرية في حياة الإنسان، والتي قد تتيح في الأساس، إمكانية تغيير الطبيعة الإنسانية. لندخل بذلك مرحلة تاريخية، يكون لها تأثيرات إجتماعية، أخلاقية، سياسية، اقتصادية جذرية. مما يستوجب علينا، في المستقبل القريب، مواجهة خيارات أخلاقية حاسمة، في مجال الهندسة الوراثية. وهنا، يكمن جوهر طرح جدليات العلاقة، بين إلانسان والتطور العلمي والتكنولوجي :
فإلى أي حد ومدى، يمكن إستعمال التكنولوجيا لتحسين الخصائص الوراثية؟
فإذاً مستقبلاً ، نحن أمام عالم، ما بعد الإنسانية. وسيكون أكثر تراتبية، ومليئاً بالصراعات. ولن يكون في داخله، مكان لأي مفهوم حول إنسانيتنا المشتركة. إذ سيتم تركيب، جينات بشرية مع جينات أخرى، بشكل يجعلنا لا نعلم، ما معنى الكائن الإنساني.
وبناء على هذا الواقع المستجد، الذي يعبر عن ملامح مجتمعنا العالمي، وإذا كان الطموح، هو نشوء نسق كوني من القيم، يحكم سلوك الشعوب والمؤسسات، فهل ستكون مسألة القيم وتحولاتها، في صدارة الأسئلة الفكرية، الراهنة والمستقبلية؟ وهل إنتقل التركيز والاهتمام في تحديد العلاقات الدولية، من العوامل الاقتصادية والسياسية، إلى العوامل الثقافية، باعتبارها القوة المؤثرة والدافعة في مقاربة القضايا العالمية، سواء على صعيد تفسيرها أو إيجاد الحلول لها؟
ووفقاً للمنهج التاريخي، إذا كان الإطار الزمني لكل هذه الأنساق الجديدة لم يتجاوز 20 عاماً، وتلك الفترة الزمنية، لا يمكن ان تعطينا دلالات ثابتة، يمكن البناء عليها، فهل نكون قد سقطنا في فخ، إشكالية الاستعجال في تعبئة الفراغ النظري، الذي يفسر قضايا العالم؟
* الكاتب مؤلف وباحث في العلاقات الدولية أسبانيا