الحق في تعليم النساء: نضال حقوقي لأجل عدالة اجتماعية غائبة
إعداد: هبة أبو طه -
"العلمُ في الصغرِ كالنقشِ على الحجر" كلمات كانت ترددها معلمة اللغة العربية على مسمع طالباتها وظلت عالقة في مخيلة زينة التي وجدت في اسلوب معلمتها تشجيعاً على التعلم والقراءة.
"كانت مُدرّستنا تشجعنا على التعلم والقراءة، كان لها دور هام في تراجعي عن قرار ترك المدرسة في المرحلة الثانوية تلبية لرغبة والدي الذي نجحت حينها باقناعه بعد عدة محاولات بالعودة لمقاعد الدراسة بعد انقطاعي لفترة وجيزة، لأتمكن بارادتي ودعم معلمتي من اجتياز امتحان الثانوية العامة والتسجيل بجامعة حكومية"، تروي زينة جانبا من تجربتها.
شكت الجامعية زينة، وهو اسمها المستعار، من صعوبات كانت تواجهها بمراحل دراستها الأولى فكان تحصيلها الدراسي متدنيا، "لم اكن اجد من يساعدني في منزلي على فهم ما يصعب علّي من الدروس فوالدتي أمية وأبي كان يصب كل اهتمامه في مستقبل أخي".
تكمل زينة: "تمكنت من تخطي تلك التحديات لكن شقيقاتي لم يستطعن، فارادتهن لم تكن بالقدر الكافي، وحلمهن لم يتعد الإقتران برجل، غير مكترثات بإعادة خطأ والدتي مرة أخرى مع أطفالهن".
حق أصيل
كفل الدستور الأردني في المادة السادسة حق التعليم وتكافؤ الفرص لجميع الاردنيين ضمن حدود امكانيات الدولة، في وقت يتفاخر الأردن بكونه أحد أكثر الدول العربية تقدما في مجال انتشار التعليم وصونه للجميع تحقيقا لمبدأ العدالة الاجتماعية حيث الجميع ينال فرصة التعليم وغيرها من الحقوق الأخرى.
المستشارة القانونية في اتحاد المراة، المحامية هالة عاهد ترى أن الحق في التعليم مهم جدا وخاصة للنساء لارتباطه بحقوق أخرى من شانها تحسين نوعية الحياة حيث يساهم ببناء حياة أفضل للمراةعن طريق تمتعها بالحقوق الاقتصادية كالعمل مما سينعكس ايجابيا على وضعها الاجتماعي و العائلي.
فيما رأى الناشط الحقوقي كمال المشرقي خلال حديثه لـJo24 أن "حق التعليم" مكفول على مستوى التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الاردن، كما أن الدستور اعطى الحق في التعليم للذكور والإناث، ولا تمييز بينهم.
"حق التعليم وقدسيته منصوصٌ عليه في جميع الشرائع السماوية والمعاهدات والقوانين" تقول الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة المحامية أسمى خضر التي لا ترى ذلك مكانا للجدل حول عدم حصول البعض لهذا الحق.
سلاح المرأة ونهضة المجتمع
تعلم المرأة شكل من أشكال ضمانة حمايتها ووقايتها من أي اضطهاد قد تتعرض له، وتقول المحامية عاهد:" كل ما ازداد علم المرأة انخفض اضطهادها وتعنيفها، لأن التعليم يعطيها فرصة النجاة من الإستغلال و التعنيف، وبحسب الدراسات والحالات التي تعاملت معها بعملي المراة المتعلمة و المتمكنة اقتصاديا لا تعنف و لا تستغل جنسيا بالدرجة التي تستغل بها بعض النساء غير المتعلمات".
من جانبها، بينت الناشطة في المجالين المجتمعي والسياسي العين اميلي نفاع لـJo24 أن علاقة رقي المجتمع وتقدمه بتعلم المرأة طردية؛ فكلما تعلمت و تثقفت المرأة كلما أصبحت أكثر قدرة على ادارة حياتها بشكل منطقي وتخطي العديد من الانتهاكات التي تهمشها اضافة الى تربية اطفالها ببراعة عن طريق الاستفادة من خبراتها والامكانيات المتاحة لها على عكس الأمية.
تتفق عضو مجلس وزارة التربية والتعليم والخبيرة التربوية منى مؤتمن مع الآراء السابقة، وتؤكد لـJo24 أهمية التعليم للمرأة لما سيعود عليها من نتائج ايجابية على المستوى الإجتماعي والصحي والزواج والإنجاب والعيش بحياة أفضل.
وأضافت: "المرأة المتعلمة تعي ما لها من حقوق وما عليها من واجبات وتسعى لأن تكون مواطنة فاعلة في بلادها فتوظف طاقاتها للاقتراب من المجتمع المحلي والالتحاق بفرص العمل والمشاركة بصنع القرار".
فيما تأمل نائب رئيس الجمعية النسائية لمكافحة الأمية ديانا خوري الوصول لمجتمع واع ثقافيا وعلميا بعيدا عن الرجعية من خلال تعلم الأم بصفتها النواة الأساسية لصلاح الأجيال القادمة.
معيقات تعلم المراة
لفتت عاهد الى بعض المعيقات التي تقف بوجه تعلم المرأة، وتقول:"هناك مشكلة كبيرة بارتفاع كلفة الدراسة والمواصلات، وعدم ايلاء اهمية لتعليم المرأة، و تقييدها بتخصصات معينة كالتدريس والتمريض".
فيما تضيف الخبيرة مؤتمن: "في كثير من الدول العربية تفضل الأسر ذات الدخل المتدني تعليم الذكر على حساب الأنثى حتى لو كان التعليم مجانيا؛ نظرا لكلفة المواصلات".
بدورها، تبين المحامية خضر:" أنه في حال احتج الرجل على تعلم المرأة مستغلا سلطته الممنوحة من قبل المجتمع او تدخل في اختيار التخصص الذي تريده ابنته أو زوجته يجب أن يحاسب قانونيا لحرمانه المرأة من حق أساسي وفريضة دينية".
وترى خضر أن "النمط الذكوري في التفكير" يبيح للزوج أو الأب منع الفتاة من استكمال تعليمها ويحمله مسؤولية حرمان فئات واسعة من حقهم في التعليم.
فيما ترجع نائب رئيس الجمعية خوري وجود فتيات غير متعلمات الى المجتمع الذكوري الذي يبسط به الرجل نفوذه معتبرا نفسه رب الاسرة والقرار بيده ليس بيد زوجته ليسيطر هو على زمام الأمور.
ويؤكد الحقوقي المشرقي وجود اجراءات قانونية في مساعدة المرأة لإنفاذ حقها في الدراسة كاللجوء الى القضاء ضد اي طرف يحاول سلب ذلك الحق منها.
وأشارت مؤتمن الى أن المشكلة الحقيقية تواجه المرأة بعد التعلم لان نسبة مشاركتها في سوق العمل متدنية لرغبة اسرتها بالعمل في المهن المرغوبة إجتماعيا والتي تجعلها بعيدة عن المشاركة في صنع القرار.
محو الأمية فرصة للعدالة
تلك الجمعية التي تديرها ديانا خوري ومجموعة من الإداريات الأخريات المؤمنات بحق التعليم للمرأة مهما كان عمرها، تعمل على إبقاء صفوف محو الأمية فاعلة ومؤثرة في المجتمع المحيط بهن، وقد عرضن جانبا من تجربتهم خلال لقاء نظمته مؤسسة نسيج مؤخرا حول العلاقة بين المجتمع المدني والإعلام، وكانت خلال الجمعية قد دأبت على إبقاء صفوف محو الأمية فاعلة أمام مجموعة عراقيل مجتمعية أو قانونية بعدم أحقية فتح صفوف إذا كان عدد السيدات أقل من 10.
تقول خوري:" نحاول استخدام عدة اساليب لاقناع المرأة بالإنضمام للجمعية والتعلم، لكننا نجد صعوبات تحول دون ذلك كعدم موافقة الوالد أو الزوج على تعلم المرأة، وعدم موافقة التربية على فتح صف لمحو الأمية بعدد اقل من عشرة ما يضيق على عملنا نتمنى لو يعطونا مساحة اكبر من الحرية فنحن على استعداد تحمل تكلفة المعلم مقابل تزويدنا بالكتب من وزارة التربية".
تعلق مؤتمن: "كتربية وتعليم ننظر للكلفة الإقتصادية من ناحية تعيين معلم وتزويد الطلاب بالكتب، لكن ان كان هناك ظروف مهمة جدا قد تتخلى التربية عن هذا الشرط لكن ضمن حدود المعقول".
من الصعوبات التي تواجه المرأة، بحسب معلمة محو الأمية رحمة الملكاوي هو "رفض الزوج تعلم امراته فمن السيدات اللواتي تلقين تعليمهن في المركز رفض زوجها بداية تعلمها وبعد اقناعه واستمرارها فترة في محو الأمية اصرّ على اخراجها منه لإنزعاجه من تفتحها ثقافيا وصقل شخصيتها وقدرتها على النقاش و التحاور، كما يعادي المجتمع أحيانا السيدة الكبيرة عند ذهابها لمحو الأمية فيبدأ الجيران بمعايرتها و كأنه عيب ".
وتضيف ملكاوي "نحن نحاول التركيز على الدعم النفسي بداية واشعار المسنة باهمية خبرتها بالحياة".
فيما يرى المشرقي انه لا بد من وجود متسع للحديث عن موضوع اختيار المرأة للتخصصات التي ترغب بها والحد من ظاهرة الأمية للنهوض بالمجتمع، واعطاء هذا الموضوع أهميته بشكل جدي ومنهجي عن طريق توفير الكوادرالمؤهلة في التعامل مع قضايا المرأة ودورها في التنمية وتوفير مخصصات مالية لهذا الشأن للوصول الى مساواة بين الرجل و المرأة.
فجوة بين الريف و المدن
بحسب دائرة الإحصاءات العامة لعام 2013 بلغت نسبة الأمية في الحضر 8.8% وفي الريف 16 % وعلى مستوى الدولة 10% .
يعلق المشرقي:" يجب ان يكن هناك توسع افقي لتعزيز الحق في التعليم ونوعيته في جميع مناطق الدول خاصة النائية وتخصيص جزء من الموازنات لدعم الحق في التعليم خصوصا في المناطق البعيدة و الانتباه الى ان هناك اماكن يصعب فيها على المراة التعلم ".
سطرن النجاح
في حديث المحامية خضر عن رحلتها مع العلم، تقول:"قررت السفر إلى دمشق لدراسة التخصص الذي اريد وهو الحقوق فاستهجنت عائلتي قراري رغم ما كانوا يتحلو به من عقل متفتح واحتجوا عليه ظانين اني احاول الهرب غير مقتنعين برغبتي الحقيقية بالتعلم فوقف حينها والدي بجانبي ووافق على سفري رغم احتجاجات افراد الأسرة التي وصلت بهم حينها الى اتهامه بالتفريط بمصلحتي".
تكمل خضر سرد تجربتها الخاصة:"بارادتي ووقفة والدي بجانبي استطعت استكمال دراستي التي فتحت امامي آفاق واسعة جدا، ولولا شهادتي لم استطع أن احقق ايا من طموحاتي وآمالي".
خضر تعتبر من السيدات الأردنيات الرائدات اللواتي شاركن في صناعة القرار واثبات أنفسهن في ساحة المجتمع المدني وحقوق الإنسان، فقد شغلت سابقا منصب الأمين العام للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، كما كانت عضو في مجلس الأعيان السادس والعشرين، وعضو لجنة الحوار الوطني، وعينت وزيرة للثقافة عام 2004، وناطق باسم الحكومة عام 2003.
أما الناشطة المخضرمة إيملي نفاع التي حرمت من السفر لإتمام دراستها الجامعية، استثمرت من نشاطها وشغفا على تغير مجتمعها نحو الأفضل إلى استمرار نهج النضال السياسي والحقوقي في سبيل مساعدة النساء على تخطي العقبات التي تواجههن. بالتالي فإن منع سفرها لم يحل دون تعليمها فقد نالت دبلوم في المحاسبة والعلوم الإدارية واستفادت من شهادتها بعد ذلك.
وعُرفت نفاع بنضالها على الصعيدين السياسي والحقوقي وكانت عضو في الحزب الشيوعي الأردني ثم عضوا في مجلس الأعيان.
..
..
* التقرير بدعم من مؤسسة نسيج موارد للتنمية الشبابية المجتمعية في الوطن العربي