الإصلاح بين النية والقرار
لا أتحدث عن العمل والتنفيذ، فتلك غاية بعيدة كما يظهر، إنما عن القرار الناجز فقط.
يتحدثون عن الحل الشامل او شبه الشامل، لكن الحل عندهم نية لا يطلع على صدقها الا من يعلم السر وأخفى.
فأحب الأفعال إليهم الفعل المضارع المرتبط بالسين (صديقة الكسالى والمراوغين على حد سواء) أو (سوف) التي تملأ الفم وتنفخ الشدقين المفضية الى التشدق والهلاك فقط.
إن حل المشكلات بالتعليق على مجهول لعيــــن، او بالتخويف مما هو اشد واعظم خطرا على الناس للرضا بالبين، أو بتقزيمها والتهوين من شأنها وانكارها عند الضرورة الملجئة، او بترحيلها للفريق القادم او بعد بعد القادم، او التغطي بالليالي والايام والمستقبل التي لا تقي من البرد ولا من الحر، او الركون الى اليأس أو النسيان وفقدان الشعب الذاكرة، او على نظرية الرجل الذي قبل التحدي بالتعهد بتعليم حمار الملك الكلام، معولا على موت الحمار او موت الملك او موته هو.
ان الهروب حتى من تحديد خارطة طريق للخطوات الاصلاحية التي لم تعد خيارا للخروج من الازمة، انما حتم لازم وضرورة قائمة والاكتفاء بالوعود النظرية والتسويف والارجاء، خداع بسبب تكراره ولا ينطلي على احد، ولا يسمن ولا يغني من جوع ولا يبني مستقبلا ولا يقيل عثرة مواطن.
إن كانت الوعود حقيقية وترقى الى النية الجازمة للاصلاح فلم لا تتم الخطوات التالية مثلا:ـ
* ما دام هناك موافقة على ان تشكل الاغلبية البرامجية في مجلس النواب الحكومة، فلم لا ينص على هذا في الدستور ويتم تعديله ليحقق هذه الغاية، ويطمئن المواطنون الجادون في الانتماء لوطنهم؟
* وما دام هناك استعداد ليكون مجلس الامة كله منتخبا كما اعلن على ألسنة بعض المسؤولين المتنفذين في العادة، فلم لا ينص على ذلك في الدستور؟ ولا مانع من وضع مواصفات سياسية وادارية وفنية واقتصادية لنسبة من اعضاء المجاس كما في بعض دول العالم.
* وما دام البعض يقول إنه ليس لدينا مشكلة في سن قانون انتخاب متطور يلبي حاجات الاردنيين، لكن المشكلة في فقدان احزاب مؤثرة سوى حزب واحد سيتفرد بالسلطة، مع تشويهه وتهويله والتخويف منه وكأنه عصابة وافدة من خلف الحدود، وكأنما سجل عليه في يوم من الايام اساءة للوطن او الشعب، والحالة هذه لم لا يحصن بناء الاحزاب بقوانين تحميها من تغول الاجهزة التنفيذية المخوفة للناس من الانتماء لها او تشكيلها، ولا سيما جميع الاحزاب الجادة تشكو صباح مساء من التخويف الرسمي بوسائل كثيرة من الانتماء لها، وتشكو من ملاحقة المنتمين اليها، وحرمانهم وحرمان اقاربهم من حقوقهم بسبب انتماءاتهم الحزبية، فهل تجد سفيرا او محافظا او رئيس جامعة او مديرا عاما او في اي وظيفة عليا ينتمي لحزب من الاحزاب الاردنية المسماة معارضة؟ وكيف لها ان تنمو؟
فلا حياة ديمقراطية الا بتكثير الاحزاب، والاحزاب المقنعة للناس يمنع عليها ان تنمو او تتشكل، والاحزاب التي بنت نفسها رغم تلك المعاناة والعرقلة المعروفة غير كافية في نظر معرقلي الاصلاح، فأين المفر وما المخرج؟ وهل المقصود استمرار المراوحة في هذه الحالة، واجترار الاعذار الكاذبة؟
تذكرني هذه الاسباب الواهنة بحالة مشابهة، اضافة إلى المقولة الشعبية المستحيلة «كل حتى تشبع، ومكسور لا تكسر من الخبز».
في سنة 2010 شاركت في رحلة «انصار2» الى غزة، لكن العقبة كانت في العقبة حيث يمنع دخول ميناء الركاب الا بتذكرة، والتذاكر لنا خاصة بخلاف المعتاد لا تباع الا داخل ميناء الركاب، وممنوع ان تدخل الميناء لشراء التذاكر، وهكذا المتوالية ودبرها يا مستر بل!
فلا حياة ديمقراطية الا بأحزاب كبيرة والاحزاب في الدكان، والدكــان «مسكّــــــــــرة» أي مغلقة!
من اراد ان يسلك الجـــادة -والارادة اولا- فالله تعالى قال على لسان شعيب عليه السلام، وشعيب اردني من اهل الغور: (ان اريد الا الاصلاح ما استطعت..).
إن الإرجاء السياسي الاصلاحي المتعمد اضافة جديدة تضخ الدماء في استمرار الفساد والاستبداد وخراب البلاد، وهذا ما لا يصح ان يسهم فيه عاقل يحب وطنه وامته، وان ترك هؤلاء في غيهم هلكوا وهلكنا جميعا، وان اخذتم على ايديهم نجوا ونجونا جميعا.
ان كانت هناك نية للاصلاح فيجب ان تتحول الى قرار يتمثل بنصوص دستورية وقانونية، ثم تمارس الاجراءات على الارض فيما بعد حتى لو تأخرت للضرورة.
Salem.falahat@hotmail.com
(السبيل)