عصف فكري!
محمد أبو رمان
جو 24 : ثمة قضايا داخلية مركزية تشغل تحليلات النخبة الحاكمة والأوساط السياسية هذه الأيام، فهي تنسج الملامح العامة للمشهد القادم، وحجم التغيرات الهيكلية والضمنية فيه (بالإضافة إلى الوضع السوري الذي يأخذ حيزاً كبيراً من تفكير دوائر القرار اليوم).
يقع في مقدّمة هذه القضايا اختيار شخصية رئيس الحكومة الجديد، فبالرغم من الأهمية النسبية المحدودة للرئيس، خلال الأعوام الأخيرة، إلاّ أنّ اسمه (وتوجهاته) في اللحظة الراهنة، يحمل مؤشرات مهمة حول طبيعة المرحلة المقبلة، سواء في العلاقة مع "الإخوان" أو "الحراك" أو حتى "المناخ السياسي" في البلاد.
بالرغم من عدم حسم "مطبخ القرار" بعد لهوية الرئيس (القادم)، فإنّ مواصفات الحكومة المطلوبة، بالضرورة، ستختلف تماماً مع حكومة الطراونة، فهي حكومة سياسية ستسعى إلى استعادة أجواء الحوار والانفتاح، وتهدئة المشهد الداخلي، ومحاولة "الزج" بالبلاد في مناخ الانتخابات النيابية، فإذا كان الوقت لا يسعف في الوصول إلى "تفاهمات" مع "الإخوان"، فإنّ المحاولة الرسمية ستتمركز في إقناع الأطراف السياسية والاجتماعية المختلفة بالمشاركة، حتى لا تكون الانتخابات معزولة سياسياً.
وفي حال مضى سيناريو "الانتخابات النيابية"، فإنّها ستؤدي إلى انبثاق "حكومة برلمانية" من جهة، وإعادة هيكلة الأدوار والصلاحيات داخل النظام السياسي نفسه من جهة أخرى. فلو شارك الإخوان في الانتخابات، فإنّ التوقعات كانت ستذهب باتجاه حكومة تتشكّل بالمشاركة بينهم وبين التيار الوطني، بزعامة عبد الهادي المجالي، لكن في ظل قرار المقاطعة، فإنّ التوقعات اليوم ترجّح أن يمتلك التيار الوطني أكبر حصة من المقاعد في مجلس النواب، وأن يحاول بناء تحالفات داخلية مع الكتل المختلفة.
يضعف من هذا السيناريو هلامية الكتل النيابية وهشاشة الحياة الحزبية، فوجود حكومة برلمانية مرتبط ببيئة سياسية خصبة، وبنى حزبية راسخة، تعطي قيمةً للاختلاف بين الحكومات ونكهة مميّزة لكل حكومة، لها برنامجها الاقتصادي والاجتماعي القابل للتطبيق، وهي بالضرورة بيئة غير متوافرة اليوم، بخاصة مع مقاطعة الإسلاميين، وعدم وجود برامج اقتصادية واجتماعية عميقة للأحزاب المختلفة.
لهذا السبب الحيوي، ثمة توجه "شبه محسوم" لدى "مطبخ القرار" بألا تتشكّل الحكومة البرلمانية من نواب، بل سيستمزج الملك الكتل النيابية في تسمية الرئيس، كي يحصل على الثقة، ما قد يؤدّي إلى تعقيد عملية اختيار "حكومة ما بعد الانتخابات"، ويمنح الحكومة التي تجريها شهراً أو شهرين إضافيين، إلى حين تشكّل الحكومة التالية.
الذهاب نحو اعتماد مفهوم "الحكومة البرلمانية"، كما أكّد الملك في مقابلته مع وكالة الأنباء الفرنسية مؤخراً، سيفضي بالضرورة إلى تغييرات هيكلية في "بنية" العملية السياسية ومضمونها، في دور الملك وعلاقته بكل من الحكومة والبرلمان، والعلاقة بين الحكومة والبرلمان، وهي تغييرات تخضع اليوم لعملية اختبار ودراسة معمّقة لدى دوائر القرار، لاستنطاق المخرجات المتوقعة وتأثيراتها المختلفة على المعادلة السياسية في البلاد.
إذا تجاوزنا هذا "العصف الفكري" الذي يطغى على الجدال السياسي في البلاد، فإنّ الحقيقة الساطعة التي تغطس وراء ذلك كله تؤكّد أن "مفتاح" الحل في اجتياز اللحظة الدقيقة الحرجة الحالية داخلياً، يتمثّل في استبدال مناخ التأزيم والتجاذب الحالي بمناخ حوار وانفتاح وتهدئة، وهذا يجعل من تسمية رئيس الوزراء القادم واختيار أركان الحكومة الجديدة مسألة تتطلب درجة كبيرة من التدقيق والاهتمام.
ذلك ليس فقط على صعيد الداخل فحسب، بل حتى تطورات المشهد السوري، التي ستأخذ أبعاداً أكثر تأثيراً على الأردن مع بداية العام القادم، تتطلب هي الأخرى ترتيب البيت الداخلي وتصليب الجبهة الوطنية، وهو ما يدفع مرّة أخرى إلى فتح الباب أمام الاحتواء، لا الإقصاء!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)
يقع في مقدّمة هذه القضايا اختيار شخصية رئيس الحكومة الجديد، فبالرغم من الأهمية النسبية المحدودة للرئيس، خلال الأعوام الأخيرة، إلاّ أنّ اسمه (وتوجهاته) في اللحظة الراهنة، يحمل مؤشرات مهمة حول طبيعة المرحلة المقبلة، سواء في العلاقة مع "الإخوان" أو "الحراك" أو حتى "المناخ السياسي" في البلاد.
بالرغم من عدم حسم "مطبخ القرار" بعد لهوية الرئيس (القادم)، فإنّ مواصفات الحكومة المطلوبة، بالضرورة، ستختلف تماماً مع حكومة الطراونة، فهي حكومة سياسية ستسعى إلى استعادة أجواء الحوار والانفتاح، وتهدئة المشهد الداخلي، ومحاولة "الزج" بالبلاد في مناخ الانتخابات النيابية، فإذا كان الوقت لا يسعف في الوصول إلى "تفاهمات" مع "الإخوان"، فإنّ المحاولة الرسمية ستتمركز في إقناع الأطراف السياسية والاجتماعية المختلفة بالمشاركة، حتى لا تكون الانتخابات معزولة سياسياً.
وفي حال مضى سيناريو "الانتخابات النيابية"، فإنّها ستؤدي إلى انبثاق "حكومة برلمانية" من جهة، وإعادة هيكلة الأدوار والصلاحيات داخل النظام السياسي نفسه من جهة أخرى. فلو شارك الإخوان في الانتخابات، فإنّ التوقعات كانت ستذهب باتجاه حكومة تتشكّل بالمشاركة بينهم وبين التيار الوطني، بزعامة عبد الهادي المجالي، لكن في ظل قرار المقاطعة، فإنّ التوقعات اليوم ترجّح أن يمتلك التيار الوطني أكبر حصة من المقاعد في مجلس النواب، وأن يحاول بناء تحالفات داخلية مع الكتل المختلفة.
يضعف من هذا السيناريو هلامية الكتل النيابية وهشاشة الحياة الحزبية، فوجود حكومة برلمانية مرتبط ببيئة سياسية خصبة، وبنى حزبية راسخة، تعطي قيمةً للاختلاف بين الحكومات ونكهة مميّزة لكل حكومة، لها برنامجها الاقتصادي والاجتماعي القابل للتطبيق، وهي بالضرورة بيئة غير متوافرة اليوم، بخاصة مع مقاطعة الإسلاميين، وعدم وجود برامج اقتصادية واجتماعية عميقة للأحزاب المختلفة.
لهذا السبب الحيوي، ثمة توجه "شبه محسوم" لدى "مطبخ القرار" بألا تتشكّل الحكومة البرلمانية من نواب، بل سيستمزج الملك الكتل النيابية في تسمية الرئيس، كي يحصل على الثقة، ما قد يؤدّي إلى تعقيد عملية اختيار "حكومة ما بعد الانتخابات"، ويمنح الحكومة التي تجريها شهراً أو شهرين إضافيين، إلى حين تشكّل الحكومة التالية.
الذهاب نحو اعتماد مفهوم "الحكومة البرلمانية"، كما أكّد الملك في مقابلته مع وكالة الأنباء الفرنسية مؤخراً، سيفضي بالضرورة إلى تغييرات هيكلية في "بنية" العملية السياسية ومضمونها، في دور الملك وعلاقته بكل من الحكومة والبرلمان، والعلاقة بين الحكومة والبرلمان، وهي تغييرات تخضع اليوم لعملية اختبار ودراسة معمّقة لدى دوائر القرار، لاستنطاق المخرجات المتوقعة وتأثيراتها المختلفة على المعادلة السياسية في البلاد.
إذا تجاوزنا هذا "العصف الفكري" الذي يطغى على الجدال السياسي في البلاد، فإنّ الحقيقة الساطعة التي تغطس وراء ذلك كله تؤكّد أن "مفتاح" الحل في اجتياز اللحظة الدقيقة الحرجة الحالية داخلياً، يتمثّل في استبدال مناخ التأزيم والتجاذب الحالي بمناخ حوار وانفتاح وتهدئة، وهذا يجعل من تسمية رئيس الوزراء القادم واختيار أركان الحكومة الجديدة مسألة تتطلب درجة كبيرة من التدقيق والاهتمام.
ذلك ليس فقط على صعيد الداخل فحسب، بل حتى تطورات المشهد السوري، التي ستأخذ أبعاداً أكثر تأثيراً على الأردن مع بداية العام القادم، تتطلب هي الأخرى ترتيب البيت الداخلي وتصليب الجبهة الوطنية، وهو ما يدفع مرّة أخرى إلى فتح الباب أمام الاحتواء، لا الإقصاء!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)