jo24_banner
jo24_banner

الفوضى الليبية ومعضلة الإسلام المسلح

طاهر العدوان
جو 24 : لا يعود الفضل في نجاح الثورة الليبية الى فصيل او فصائل بعينها وانما الى الشعب الذي خرج أعزلا من كل سلاح لإسقاط الديكتاتور ، الفصائل الاسلامية المسلحة والقبائلية تكونت في مناخ استند الى واقعين ، صمود الليبيين وتضحياتهم والى الغطاء الجوي الأممي الذي منع العقيد من الولوغ في حرب إبادة ضد شعبه كالتي يقوم بها الان بشار الاسد .

كان مفهوما ان تظهر الفصائل الاسلامية المسلحة والقبلية أيضاً خلال معركة إسقاط النظام فالدفاع عن النفس حق مشروع امام حاكم أراد ان يواجه بالنار والحديد مطالب شعبه العادلة بالتغيير ، لكن وبعد إسقاط النظام يختفي اي مبرر لحمل السلاح خارج سلطة النظام الجديد خاصة بعد اجراء انتخابات حرة اختار فيها الشعب مجلسه الوطني لاعداد دستور يؤمن قيام حكومات منتخبة .

الشعارات التي رفعتها الثورات العربية ، ومنها الثورة الليبية ، تركزت على الحرية والكرامة والعدالة وهذه لا يمكن تحقيقها الا بإقامة نظام يستند الى مبدا الفصل بين السلطات ، نظام يسمح بإقامة مجتمع مدني يملك القدرة والحرية في اقامة ما يشاء من التنظيمات السياسية والاجتماعية والثقافية بدون ضغط او إكراه وبما يتوافق مع القانون العام الذي هو الدستور .

بعد انتصار الثورة كان على فصائل الاسلام المسلح ان تتحول الى العمل الحزبي والسياسي لا ان تجري خلف أجندات الماضي التي فرضتها ظروف القمع والاستبداد السابقة في محاولة لفرض كيانات ودول داخل الدولة . وهو ما خلق حالة من الفوضى داخل ليبيا ، فوضى شوهت وجه الثورة كما انها بثت انطباعات عن الربيع العربي أساءت كثيرا لطهارة ونبل شعارات الحرية والكرامة التي من اجلها قدمت ولا تزال أغلى التضحيات . واليوم تدفع الثورة السورية الثمن عربيا ودوليا للفوضى الذي يقدمها النموذج الليبي عن الاسلام المسلح .

شعوب الربيع العربي تريد اقامة مؤسسات تمثيلية في اطار دستوري ديموقراطي يستند الى إرادة الشعب تسمح بالاختلاف والتعددية الفكرية والمذهبية والاجتماعية والسياسية ، ولم يكن الربيع ( المخضبة أزهاره بدماء الرجال والأطفال والنساء ) من اجل ان يستبدل مستبد واحد باستبداد فصائل متنازعة تختلق أعداءها من بين صفوف شعبها وتستبيح الدماء باسم شريعة سماوية سمحة لم تحل دم كافر، فكيف بها تهيئ سيفا فوق راس كل مواطن وكأن الامة أنهت حسابها مع عدوها في فلسطين !

نأمل ان تنجح الثورة الفتية في ليبيا باحتواء الفوضى التي زرعتها الفصائل المسلحة بين بيوت الليبيين وفي احياء مدنهم لتعطل مسيرة بناء نظام ديموقراطي ، وعلى هذه الفصائل ان تقرأ الاحداث جيدا بعد انتفاضة بنغازي ضدها وليس أمامها الا التحول الى الاسلام السياسي وترك السلاح ومهمة الامن للدولة وتستجيب لقرار المجلس الوطني بتسليم معسكراتها ومقراتها . مثل هذا النجاح سيقدم الامثولة لمستقبل النظام الجديد بعد سقوط نظام دمشق .

ان احداث ليبيا مثلما هي جدالات المصريين حول هوية الدولة ، مدنية ام دينية ، تؤكد بان الطريق لا يزال طويلا لتعلم معاني المواطنة في نظام ديموقراطي مبتدئ ، ومن الخطأ الاعتقاد بان الدولة المدنية المنشودة في العالم العربي تتطلب اخراج الدين من الشان العام . على العكس فالشعوب أحوج ما تكون الى أنظمة وحكومات تستند الى أخلاقيات الدين وتعاليمه في سياساتها وقراراتها حتى يكون عدل ومساواة وحقوق ، وهذا لا يتحقق الا في دولة ينتخب الشعب مؤسساتها للتشريع والرقابة ويجسد الدستور فيها إرادة الشعب ."الراي"

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير