مصر ليست دولة صديقة ولا عدوة
بعد مهاجمة السفارة الامريكية في القاهرة على خلفية الفيلم المسيء الى الرسول صلى الله عليه وسلم سأل صحفي الرئيس أوباما عن علاقات بلاده مع النظام المصري الجديد فأجاب « مصر ليست دولة صديقة ولا هي عدوة « وهو لم يقل مثل هذا الكلام عن النظام الليبي مع ان مناسبة المؤتمر الصحفي كانت مقتل سفيره مع ثلاثة امريكيين اخرين في بنغازي وحرق القنصلية بدعوى الاحتجاج على الفلم .
ان انتقال مصر من دولة تابعة للسياسة الامريكية الى المنطقة الرمادية في العلاقة مع واشنطن بعد اقل من ثلاثة اشهر على تولي الدكتور محمد مرسي الرئاسة مؤشر على ان العهد الجديد لثورة ٢٥ يناير يعيد تفكيك سياسة مصر الخارجية لتركيبها على خطوط تختلف تماماً عما كانت عليه منذ عهد السادات وحتى سقوط مبارك .
والمؤشرات على ذلك كثيرة منها ١- كسر التابو ( المحرم) في العلاقة مع ايران ليس من باب الانتساب لمعسكر المقاومة والممانعة الذى انتهى بإلقاء براميل المتفجرات على المدن السورية بعد ان مهد الارض للاحتلال الامريكي للعراق ، انما من أرضية الند بالند وكانت خطوط هذا الموقف واضحة في خطابه امام مؤتمر عدم الانحياز الذي عقد في طهران .
٢- سعي مصر لنقل ملفات أزمات المنطقة من حالة الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة لوضعها على طاولة القوى الإقليمية الرئيسية وهي مصر والسعودية وتركيا وإيران وتمثل ذلك بلقاء وزراء خارجية هذه الدول في القاهرة لبحث الازمة السورية ( غابت السعودية عنه اعتراضا على المشاركة الإيرانية ) .
هذه الخطوات المصرية ترضي طيفا واسعا من القوى التي ظهرت بعد ثورة ٢٥ يناير والتي تطالب بإعادة الروح لدور مصر القيادي في المنطقة الذي شهد انهيارا كاملا في عهد مبارك والى تجاهل مهين حتى من دول صغيرة الحجم ، لكن هذه الخطوات التي تؤشر على بنية جديدة في طريق التكون نحو سياسة خارجية مختلفة ستضع الجمهورية الثانية امام إشكالات وربما أزمات مع حلفاء الأمس ومع دول الاقليم العربية والإسلامية وبالطبع مع اسرائيل .
زيارة مرسي لطهران ودعوته لمؤتمر الاربعة في القاهرة حول سوريا تشكل ضربة لسياسة أوباما ، وفيما كانت مجموعة العمل الدولية حول سوريا قد استجابت للضغوط الامريكية ولم توجه الدعوة الى ايران للمشاركة باجتماعاتها التي عقدت في جنيف وباريس ، فان القاهرة بالتاكيد قد تعرضت لمثل هذه الضغوط لكنها لم تستجب لها . وهو حدث اذا أضيف لموضوع مهاجمة السفارة سيقود الى ابتعاد مصري متسارع من تحت مظلة النفوذ الامريكي .
عربيا فان مقاطعة السعودية للاجتماع الوزاري الرباعي في القاهرة وتعليق مرسي على اعتراض الرياض بالقول بان ايران هي جزء من الحل وليس من المشكلة قد يكون المقدمة لإعادة صياغة العلاقات المصرية - الخليجية خاصة من مشكلة ملف طهران النووي .
يبدو ان القاهرة تقوم بإعادة تقييم علاقاتها مع واشنطن من موقع دورها الجديد ومن نظرة مختلفة للمصالح المصرية والعربية، ومواجهة ايران ليس من باب حملة نتنياهو النووية انما من باب التصدي لتدخلاتها في سوريا وغيرها . وهو ما سيفتح الأبواب على مصراعيها امام عودة الروح للدور المصري القيادي ، وأسباب النجاح كثيرة اهمها فشل سياسة أوباما في المنطقة . فبعد كل وعوده التي اطلقها في جامعة القاهرة في بداية عهده لحل القضية الفلسطينية وحديثه عن بناء علاقات امريكية - عربية تقوم على مصالح الشعوب . انتهى به الامر الى تسليم العراق للنفوذ الإيراني وترك القضية الفلسطينية في عهدة نتنياهو بعد هزيمة مذلة أمامه وأخيرا وقوفه المتفرج على حمامات الدم في سوريا استجابة لضغوط موقف إسرائيلي لا يريد تدخلا أمميا الا بعد انهيار الدولة السورية وربما حتى تمزيق البلد لينشغل النظام الجديد بأوضاعه الداخلية ل ٥٠ سنة قادمة .
(الرأي)