jo24_banner
jo24_banner

ما الفائدة?

لميس أندوني
جو 24 : أحياناً يحس الكاتب, أو الصحافي, أن لا فائدة تؤمل من الكتابة عن الناس وقضاياهم.

الكاتب, هو الشاهد, وهكذا من المفروض أن يكون, وشهادة الحق هي من شروط تحقيق العدالة أو هكذا نحب أن نعتقد.

تواجهني حالة التساؤل عن جدوى الكتابة كلما أواجه بقضية ظلم, صغيرة كانت أم كبيرة, شخصية كانت أم عامة ووطنية.

خلال تغطيتي لحرب العراق, أرَقَني هذا السؤال كثيراً. فلا الصور ولا الكلمات وضعت حداً لتدمير بلد وقتل شعب.

طبعاً هناك أوقات تكون الكتابة حتى ممنوعة; يحدث في بلادنا كما يحدث أحياناً في الصحف الغربية ( وخاصة في حرب العراق 1991) عندما امتنعت بعض وسائل الإعلام عن نشر قصص وأفلام توثق جرائم الجيش الأمريكي أو على الأقل تناقض ولو قليلاً الرواية الرسمية الأمريكية.

الوضع أسوا عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية أو أي عدوان إسرائيلي على أراض عربية, وفي هذه الحالة فان أطنان الحبر قد سالت بكافة اللغات, وملايين الصور قد نقلت عبر الأثير دون أن تدفع بقرار واحد ينجح في إيقاف استيطان الأرض أو اقتلاع الإنسان والأشجار.

ولكننا نكتب; قد يكون لأن بعضنا لا يعرف شيئاً آخر يستطيع القيام به, وربما في حين أدنى إيماناً بأن شهادة الحق هي حقاً بداية لتحقيق العدالة في الوقت البعيد - وإن خابت أحلامنا وتبددت أوهامنا في الوقت القريب.

جابهتني مثل هذه التساؤلات مرة أخرى عندما اتصل معي من السجن مجدي القبالين, أحد شباب حراك الطفيلة المعتقلين, ليبلغني, ما أصبح معروفاً ألا وهو إضرابه عن الطعام, وقال لي وكأنه يتساءل إنه سمع عن أنباء تفيد بأنه سيجرى الإفراج عنهم في اليومين المقبلين.

لم أعرف بم أجيبه إلا أن أطلب منه العناية بنفسه والحرص على شرب الماء. ملاحظاتي لم تكن ضرورية, إلا بدافع غريزة أمومة لم أستطع كبحها لأنني تذكرت عينيه المتمردتين الضاحكتين حتى في تعبيرهما الرافض والغاضب.

أنا لا اقارن وضع مجدي, ورفاقه, ومعتقلي الدوار الرابع, بحرب العراق ولا بالاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين.

ولكن انتابتني بعض المشاعر المشابهة, لأن القصة أكبر من قضية مجدي, وجميع الشباب المعتقلين. اضافة إلى أن قضيتهم قضية إنسانية حقوقية لا بد من الوقوف معها بغض النظر إذا أيدنا بعض شعاراتهم أو عارضنا شعارات مظاهراتهم وصخبهم. فالمسالة الأكبر والرئيسية تتعلق بحاضر ومستقبل وطن.

أخاف أحياناً بمعنى أن يعتقل شباب وأن يُحوَّلوا لمحكمة الدولة, التي لا تحظى أحكامها بأي قبول وحتى تواجه برفض حقوقي محلي ودولي, وكل ذلك بناء على شعارات وكلمات حتى وإن علا سقفها وازدادت حدتها.

من اتصالاتي مع بعض الشباب الذين اعتقلوا, وآخرين في الحراك الشعبي, تعلمت, وأعرف أن رفع سقف الشعارات, وتجاوز ما يوصف بالخطوط, هي على الأقل في منظور هؤلاء الشبان, صرخة لأنهم يريدون أن يسمعوا ويريدون أن يصَدقوا بانبلاج مرحلة جديدة تكون لحياتهم فيها أهمية

بالطبع نستطيع, وفي اقرب وقت, عندما يخرجون من المعتقل النقاش في حكمتها السياسية, ومدى قبولها الشعبي وإلى اخره من جدل نقدي ضروري, لكن تبقى الحقيقة أو وضع هؤلاء الشباب خلف القضبان, عدا عن الخرق القانوني والدستوري لمحاكمة مدنيين أمام محكمة أمن الدولة, لن يفيد أحداً بل سيباعد بين الدولة والناس وبين الناس بعضهم بعضاً.

بدأنا نحن الكتاب نكرر أنفسنا على نحو جعلني أنا نفسي أضيق ذرعا به, ولكن التكرار والإعادة يفرضا نفسيهما, عندما لا يكون من مستمع أو مجيب, لعل وعسى, إن لم نستطع, نضطر إلى إقناع أنفسنا, بأن لا بد من إحداث بعض الضجيج حتى لا ينسى من هم في موقع القرار بأن الأردن أوسع وأكبر من عوالم صغيرة, نحشر أنفسنا فيها, فما ينطبع في نفوس هؤلاء الشباب سيؤثر على مستقبلنا مجتمعين.

العرب اليوم
تابعو الأردن 24 على google news