jo24_banner
jo24_banner

الكاتب خريسات : عاداتنا ليست أحسن العادات، وتراثنا العربي مشوش..

الكاتب خريسات : عاداتنا ليست أحسن العادات، وتراثنا العربي مشوش..
جو 24 :

اجرى الحوار محمد جميل - يكشف هذا الحوار، مع الكاتب الأديب صالح خريسات، عن تجربة عميقة، وثقافة مختلفة. فهو رجل عرفته ميادين الصحافة المحلية والعربية، ومواقع الانترنت، ونشرت له المجلات المحكمة عددا وافرا من البحوث والدراسات العلمية، وبخاصة ما يتعلق منها بـ" السيكولوجيا".


أسس الكاتب صالح خريسات، في السنة 1992م، دار آفاق للنشر والتوزيع بعمان، وهي مؤسسة ثقافية، توعوية، تنويرية، ساهمت في تعميق صلات التعاون الفكري والثقافي بين الأفراد والجماعات، وعملت على التقارب بين مختلف التيارات الفكرية والمذاهب المتنوعة.
أصدر كاتبنا في مستهل حياته الأدبية، في العام 1990م، عن الدار العربية للنسر والتوزيع، كتاب تقاليد الزواج في الأردن. وأصدر في العام 1992م، عن دار الفكر للنشر والتوزيع، كتاب تهذيب تاريخ الطبري، تاريخ الأمم والملوك. وتوالت بعد ذلك إصدارته، كتاب الرأي العام الأردني، وكتاب، جنوح الفكر، وكتاب سيكولوجية الضحك، وكتاب الحماة والكنة، وكتاب المسرات والأحزان في التراث الشعبي الأردني.
اهتم الكاتب صالح خريسات بالإعلام كوسيلة توعوية نشطة، فقام بإعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الأردن، وفطر، وسلطنة عمان، وفي العديد من الأقطار العربية الأخرى.

التقيناه على هامش المؤتمر الثقافي الوطني السابع، الذي انعقد في رحاب الجامعة الأردنية، في الأول من شهر تشرين الثاني، واستمر ثلاثة أيام.وقدم خلالها ورقة حول العادات والتقاليد والطقوس الاجتماعية في مدينة السلط. لكنه في الكلمة التي ألقاها في المؤتمر، أظهر عدم قبوله استمرار هذه العادات والتقاليد، وطالب بالرجوع إلى العقل، وعدم إتباع الأموات، على حد تعبيره.غير أن إدارة المؤتمر، لم تسمح له بالاستمرار في كلمته، وطالبته بالتوقف. ومما جاء في كلمته:" خرجت من فمي ابني حمزة، وهو أصغر أبنائي سنا، في الصف السابع الأساسي،عبارة، أردت أن تكون هي مفتاح مشاركتي في هذا المؤتمر.قال حمزة:"إني أشعر أن أمريكا ليس لها تراث". وحين نظرت إليه مندهشا، ظن أني أخطئه، فصحح عبارته وقال:" ولكنها أقوى دولة في العالم". إن هذا الصبي، اختصر بعبارته السابقة، ما أردت أن أقوله أنا في مئتي صفحة.فليس كل دولة لها تراث ضخم بالضرورة أن تكون قوية، والعكس صحيح أيضا، فليس كل دولة ليس لها تراث، بالضرورة أن تكون ضعيفة. فما قيمة هذا التراث؟ وقال أيضا:"إ ن الله جعل لنا عيونا، ولكنه وضعها في مقدمة الرأس، فليس لنا عيون خلف الرأس، بمعنى أنه لا يجوز أن نسير إلى الوراء، بينما العالم يسير إلى الأمام" وقال أيضا:" إن الله أرسل إلينا إبراهيم عليه السلام، فثار على أبيه، وحطم أصنام قومه. وأرسل إلينا موسى، فجاء بالوصايا العشر، وثار على عادات بني إسرائيل وتقاليدهم في الخضوع لفرعون. وأرسل إلينا النبي محمدا عليه السلام، فلم يشعر بالتوافق والانسجام مع عادات قومه وتقاليدهم، فهجر حياتهم، وفضل أن يتأمل في الغار، إلى أن قاد حربا وانتصر على قومه. كل هؤلاء الأنبياء وغيرهم، جاءوا ليحطموا أشكال الفكر الجاهز، المتمثل بالعادات والتقاليد" .وكان لنا معه هذا الحوار:

*كيف تصف نفسك للقارئ العربي؟
* شخص بسيط، قوي الانفعال، مرهف الإحساس، أكتب بأصابع مجروحة، أفكاري متقلبة، كثيرة التحول، وما زلت أتعلم في مدرسة المحبة.

* كيف يقضي الكاتب صالح خريسات وقته؟
* أنا أعيش في عزلة هائلة، وحرية كاملة، منقطعا للقراءة، والبحث، والتأليف، وليس عندي أصدقاء، بالمعنى الحقيقي للكلمة. ولكني أتخذ من بنتي الاثنتين، آفاق، وأشواق، وأولادي الثلاثة، أحمد، ومعاذ، وحمزة، أصدقاء لي.
* ماذا تقرأ الآن؟
* أقرأ للمرة الثانية نظرية التطور.
* ولكنها نظرية بائدة، ثبت بطلانها، فماذا تفيد قراءتها؟
* أعتقد أنها محاولة لتنشيط العقل، وكسر القيود، التي أرهقته بالقيم الإقطاعية في الأخلاق والعلم
* بالمناسبة، كثير من الناس في بلادنا لم يقرءوا نظرية التطور، لأسباب دينية. فما سر هذه النظرية؟ وهل حقا أنها مخالفة للدين؟
* أولا هذه النظرية، أو فكرة التطور، ليست غريبة علينا. فقد عرض لها الفكر العربي القديم، في قصة حي بن يقظان، لابن طفيل. وعرض لها في كتاب عجائب المخلوقات للقزويني، وكتاب الفوز الأصغر، لابن مسكويه. غير أن معني التطور في الفكر الأوروبي، يختلف عن معناه في الفكر العربي.
* كيف فهم الأوروبيون نظرية التطور؟
* بالنسبة للاوروبيببن، فقد وضعت هذه النظرية في بلادهم، منهجا جديدا للعلم والبحث العلمي . فغرست قي الأذهان فكرة تدرج الأحياء ورقيها جيلا بعد جيل، قصار للرقي أساس طبيعي في بلادهم، وصارت مخالفته من الفرد، أو الأمة، أو الحكومة، أشبه شيء بخروج على السنن الطبيعية، وصارت المجتمعات الأوروبية، تغضب من الحكومة التي لا تفكر في ترقية التعليم، أو ترقية الزراعة، أو نحو ذلك . أما في الفكر العربي، فإن انعكاسات هذه النظرية ، كان الثورة العارمة على الغيبيات والثقافة الدينية . وشاع بين الناس، أو بين أفراد الطبقة المثقفة، أن نظرية التطور ، تسعى إلى تحويل التطور إلى دين جديد، يخالف الدين السماوي . وهذا هو السبب في انه لم يظهر تيار فكري للتطور، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تغلي بهذه النظرية،وتبني على أساسها حضارة جديدة.
*لم تقل لنا ما سر هذه النظرية ؟ كيف يحدث التطور ؟
*برأي دارون، أن عوامل التطور هي : النمو والتناسل ، ثم الوراثة ، ثم الاختلاف الناشئ بين الأفراد، بسبب تأثير أحوال المعيشة والحياة المباشرة وغير المباشرة، وبتأثير استخدام الأعضاء وإهمالها، ثم تلك النسبة العالية في ازدياد عدد الأفراد، مما يؤدي إلى التنازع على الحياة، ثم ما ينتج عن الانتخاب الطبيعي من اختلاف الصفات، وانقراض الأحياء التي لم ترق . وهكذا نشأ من حرب الطبيعة، ومن الموت، والجوع، أرفع ما نتصور من الكائنات، ألا وهو الحيوانات العليا . هذه هي باختصار نظرية التطور .
* ولكن، أين أنت من نظرية التطور، هل تؤمن بها ؟
* أنا لا أؤمن بها إيمان العقيدة، ولكنها مفيدة كمنهاج للتفكير الحر . فليس في الدنيا، أو الكون، أو المجتمع، استقرار . لأن التطور هو أساس هذه المادة، والأحياء، والمجتمعات. أي أساس الوجود .

 وأنا اعتقد أن الجمود معارضه آثمة، ضد الطبيعة، وسنن الكون، والحياة . لقد اخطأ دارون عند وقوفه على فكرة التنازع من اجل البقاء، وحال هذا الوقوف بينه وبين رؤية التعاون بين الإنسان وأخيه الإنسان، من اجل البقاء . وبرأيي، فإن البقاء للأعقل وليس للأقوى . والبقاء عن طريق التعاون في عالم الحيوان، والإنسان، والنبات، أكبر و أوسع من البقاء عن طريق التنازع .


* نعود الآن إلى مؤلفات الأستاذ صالح خريسات. كتاب " تقاليد الزواج ي الأردن " كيف تنظر إلى عاداتنا وتقاليدنا ؟ هل هي بالمنظور الواقعي ، مقبولة ؟
* برأيي أن العادات والتقاليد، تعوق التطور. والملاحظ الآن ، أن الشعوب الاوروبيه المتقدمة ، تأكل وتشبع وتثرى، على حساب الشعوب المتمسكة بالعادات والتقاليد.إنني أدعو أبناء الشعوب العربية، أن يجعلوا من التطور عقيدة، إذا كفر بها إنسان، فإنه لن يعاقب على كفره بجهنم بعد الموت، ولكنه يعاقب بالفقر أو الذل، وهو حي في هذا العالم .


* ولكن العادات والتقاليد نظام اجتماعي . كيف يتم تغيير النظام الاجتماعي ؟ هل تقصد تغيير العادات والتقاليد ؟
* نعم! إن أعظم ما يفسد تفكيرنا السليم، هو هذه العادات الذهنية، والتقاليد الاجتماعية، والثقافية، والمكاره، والانحرافات، التي تحول بيننا وبين التقدم.


* وما علاقة هذا الأمر بالتقدم؟
* أنا أقول أن الرجعية هي في التزامنا بهذه العادات والتقاليد. والرأي عندي أن نفتح نوافذنا على كافة التجارب الإنسانية، فلا تحول تلك العادات والتقاليد بيننا وبين السير في ركب الحضارة، بسبب ما تخلفه لنا من عقد نفسية.


* إن العادات والتقاليد، جزء من تركيبة المجتمع، فبها يعرف الرجل دوره، وبها تعرف المرأة دورها، أنت بهذه الطريقة تخلط بين الأدوار.


*أنا أريد أن أوضح فقط، بأن هذه العادات والتقاليد، لا تقوم على علم حقيقي ودراسة صحيحة.كما أن القواعد الأخلاقية متناقضة، تقوم على العادات والتقاليد القديمة، وأكثرها شعبية، وتعاليمها ، أو عباراتها، استخلصت عرضا على يد بعض من يسمون الشيوخ، فهي ليست مذهبا أخلاقيا بالمعنى الصحيح، لأنها لم تقم على قاعدة من العلم ، فلماذا نلزم بها الناس ا؟

*وماذا عن المرأة في ظل العادات والتقاليد، مثلا؟
* أنا أعتقد أن عاداتنا وتقاليدنا ظلمت المرأة ومنعتها حريتها. فالمرأة في البلاد الأوروبية حرة، بينما لا تزال في بلادنا مقيدة بأغلال هذه العادات والتقاليد الزائفة.


* ولكن الرجل الشرقي هو الذي يريد ذلك، والمرأة تفضل أن تكون ملتزمة ومحافظة.
* هذا صحيح، لذلك يجب أن نتوجه إلى الرجل عند الحديث عن المرأة وحريتها. فهو يتهمها مثلا، بالجهل، والتخلف، ونقصان العقل، وهو يريدها هكذا، فيحبسها بين أربعة جدران، ويمنعها من الاختلاط بالرجال، أو السفر، على الرغم من أن الاختلاط موجود في الحج.
* عندنا الأمر مختلف، فالمرأة قد تحررت كثيرا، وهي تخرج كل يوم إلى المدرسة، أو الجامعة، أو العمل،..


* صحيح. ولكنها لا تزال نفسيا واجتماعيا في الحبس.والمشكلة أنها لا تطالب بحريتها، وكأنها ألفت الحبس، وتعودت عليه!
* تقصد أن المرأة لم تحصل على حريتها في بلادنا؟
* الحكومة وضعت القوانين التي تكفل لهذه المرأة حقوقها، ولكن العادات والتقاليد تحط من شأنها. انظر كيف تتم خطبة الفتاة. يأتي الشباب إلى بيتها، ويتفحصون وجهها وجسدها، أشبه بالمعرض، ثم لا يعجبهم فيغادرون. إنها أحط الأوضاع لكرامة المرأة وإنسانيتها. ما الفرق بينها وبين بيع العبيد والخراف والمواشي؟ لماذا تقبل المرأة هذا الوضع المهين؟


* كيف تطالب بحريتها؟ ماذا عليها أن تفعل من أجل ذلك؟
* انظر إلى الجمعيات النسائية مثلا! فهي لا تعمل من أجل حرية المرأة، وتخلصها من العادات والتقاليد، وأغلب عضوات هذه الجمعيات من بنات الطبقة الارستقراطية، وليس من بينهن عاملة واحدة، أو موظفة بسيطة لنشر الوعي. ولهذا يقتصر نشاط هذه الجمعيات على الشاي، واستعراض الموضة.


* ما المطلوب من هذه الجمعيات؟
* أولا: إن نشأة هذه الجمعيات في حد ذاتها، تلغي وجودها الموضوعي. إذ كيف تنشأ جمعيات نسوية خالصة، تدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة، في حين أنها لا تقبل بين أعضائها رجالا؟ ثانيا: إن هذه الجمعيات يجب أن تضم النساء من العاملات، والفلاحات، والموظفات، وليس من الارستقراطيات على نحو ما نرى.

* هل تختلف تقاليد الزواج في بلادنا، عن غيرها في البلاد العربية؟
* للعلم فقط، فإن الزواج لم يظهر في التاريخ البشري باعتباره توافقا بين الرجل والمرأة بأي حال، وإنما ظهر باعتباره خضوعا من المرأة للرجل.واستمر هذا الوضع ، وتوارثته الشعوب على هذه الشاكلة.والمشكلة أنه يشبه الملكية الخاصة. وهو في الأردن، وفي الأقطار العربية كافة، على هذا النحو.


* وأوضاع المرأة، هل هي متشابهة في البلاد العربية؟
* الواقع أن العلاقة التي تربط بين الرجل والمرأة، في البلاد العربية، ما زالت واحدة، وهي رابطة الحب. والمساواة بين الرجل والمرأة، في ظل هذه الرابطة، لا يمكن أن تتحقق. فالمرأة حين ترتكب جريمة الزنا، يقتلها أخوها، أو أبوها، أو زوجها، بحكم العادات والتقاليد، أو ما يسمى بالشرف.وإذا بقيت حية لم يقتلها أحد، فإن المحكمة تحكم عليها بالسجن. أما الرجل فيستطيع أن ينجو من ذلك، وفد يجد من الرجال بعض الإعجاب برجولته. فأين المساواة؟ ولماذا حتى الآن لم نجرؤ على إلغاء جرائم الشرف، أو حذف هذه العبارة من وثائقنا، على الرغم من أنها مخزية؟!!


* أنا اعتقد أن المرأة حصلت على كل ما تريده ،وهذا بشهادة المرأة نفسها، فماذا بعد؟!
*الواقع أن الناس في بلادنا، لا يفرقون بين حقوق المرأة وبين حريتها.وغالبا ما يقع الخلط بين هذين المطلبين. فالنظم القانونية الحديثة، تعترف بأن الزواج يجب أن يتم برغبة الطرفين، حتى يكون ناجحا، وأن حقوق و واجبات الزوجين، يجب أن تكون متساوية، فإذا نفذ هذان الشرطان بدقة، تكون المرأة قد حصلت على كل ما تريده من حقوق . ولكن أبن حريتها؟ من المستحيل أن تحدث المساواة الحقيقية بين الجنسين، وبخاصة في موضوع الحرية، إلا إذا تغير النظام الاجتماعي. ولذلك نجد أن القوانين المذكورة، أصبحت شعارات فارغة. فلابد من الاهتمام بالنظام الاجتماعي . وتغيير المفاهيم السائدة . فنحن نعامل المرأة كما كان الاستعماريون يعاملوننا.

 
* ما هو الحل برأيك؟
*الحل هو تصحيح علاقتنا بالمرأة ، وتغيير المفاهيم السائدة عنها من جذورها. يجب التوقف عن وصف المرأة باللؤم، والمكر، والخداع، والكيد العظيم . تصور أننا نشبه المرأة بالحية ، وندعي أن لسانها لا يقذف إلا سما! فإذا رأى الرجل في منامه حية، فإنه يشك في زوجته، وفي كل من حوله من النساء، ويأخذ حذره منهن . هذا خطأ فظيع . فالمرأة كائن جميل، لها كل ما للرجل من حقوق مادية ومعنوية، ويجب أن نعطيها كامل حريتها، وأن نوسع عليها، ونسمح لها بالاختلاط في مجتمع الرجال، ولا نضيق عليها في الملابس، والعادات والتقاليد، والإذن بالخروج، .. لابد أن نساعدها في تطوير نفسها، لا أن نتهمها بالجهل، ونمنع عنها كل أسباب الثقافة والمعرفة . إن حرية المرأة هي حرية المجتمع.


*أنت واحد من الناشرين القلائل الذين يجمعون بين التأليف والنشر. هل تواجه مشكلة في نشر الكتب؟
*نعم.فهناك مؤلفات غريبة سيئة التأليف، حافلة بالتكرار، رديئة العبارة، مشوشة الموضوعات، ولا تشكل معرفة. ولكنها تنتشر بفعل ما لأصحابها من نفوذ. وهناك مشكلة الأدب العربي القديم. وهو أدب لا قيمة له، ومع ذلك له جمهوره العريض. وأتمنى أن لا يسمح بإعادة نشر هذه الكتب.
* ولكن هذا هو تراثنا الاجتماعي، وهو مستمد من التراث العربي الإسلامي، هل يمكن تغييره أو الاستغناء عنه؟
*لا، ولكني أقول، إنه أدب لا يستحق هذه القداسة. فقد كان يؤلفه الكتاب والشعراء، ليس لآجل القيم والأخلاق، وإنما لأجل الخلفاء، والأمراء، والفقهاء ، لان جميع هؤلاء، كانوا " الدولة " ولم يكن للشعب وجود في أذهان الكاتب. فالأدب للشعب، أو لا يكون أدبا.


* ولكنه أدب عظيم، استفاد منه الأوربيون في بناء حضارتهم.
* هذا كلام عفوي للتعزية، وهو غير صحيح . فهذا أدب وضع للتسلية، والغرض منه إزالة السأم، أي سأم البطالة، والفراغ، من أوقات الأمراء، والخلفاء، المترقين.
* ربما ينطبق هذا القول على بعض المؤلفات ، ولكن ليس كل التراث العربي، والأدب العربي القديم على هذه الشاكلة. هناك مؤلفات في السياسة، والاقتصاد، والطب، والفلسفة. هل جميعها بمثل ما تقول؟
* من حيث كتب السياسة، فهي مزورة، وقد وضعت من أجل الخلفاء، والأمراء، وقواد الجيش، لتؤيد دولتهم، وتثبتت حقوقهم في تبوء الحكم. إنني أزعم أن كلمة شعب، لم تذكر في كل كتب التراث العربي الإسلامي، ولا في كل الأدب العربي القديم. بل إن هذا الأدب، على غير آداب الأمم وشعوبها، وضع من أجل محاربة الشعب، وقهره، وإلزامه الطاعة العمياء.


*هذا كلام خطير! هل يمكن أن تفسر لنا ذلك؟
* نعم. سأضرب لك مثلا على ذلك. إن في كتاب الأغاني، شخصية واحدة، شخصية رجل عظيم من عظماء العرب، يدعى علي بن أحمد، حاول أن يحرر العبيد، ويرفعهم إلى مقام البشر، ولكن مؤلف الأغاني، الذي كان يجهل الأهداف الإنسانية، والروح الديمقراطية، كان يصفه بكلمات الخبيث، والفاسق، واللعين. هذا الرجل، هتف به الشرف، فحمى قلبه، وارتفع روحه، فوجد الإنسان يباع بالدرهم والدينار، ويوضع بالسوق، ويفحص عن أسنانه، وتدس الأيدي بين أفخاذه، ويجر، ثم يضربه البائع بالعصا، فينطلق وهو عريان يعدوا للامتحان، ثم يقدر ثمنه، فيباع ويسلم سلعة للمشتري. رأى علي بن أحمد هذا الهوان، فقال: هذا لن يكون! ثم جمع العبيد في البصرة، وثار على الخليفة العباسي، يريد تغيير المجتمع. ولكن الخليفة هزمه بجيوشه التركية. هذا الرائد للحرية، لم يجد من أديب الأغاني، سوى أنه خبيث، وفاسق، ولعين. أوليست هذه الكتب ضد الشعب وحريته؟!


* هذا يعني أن الأديب العربي القديم ، كان مغفلا برأيك؟
أقول كان آثما، تنقصه الحكمة ، وكانت عيونه خلف الرأس . كان يكتب للخلفاء والأمراء، الذين كانوا يلتفتون إلى الماضي . لان حقوقهم التاريخية، كانت تستند إلى هذا الماضي، وإلى احترام عاداته، وتقاليده، ولغته، فجذب هؤلاء الأمراء إليهم، الكتاب الذين يؤيدون سلطانهم . فزوروا الحقائق، و أفسدوا الحكمة الإنسانية .


* ألا تخشى أن تكون متجنيا على هذا الأدب العظيم؟
* كيف ؟ فكل هذا الأدب هو قصص السادة، والملوك، والأمراء، ومن كان ترتفع إلى مستواهم، من رجال الدين، والحرب، والسياسة . فالأدب القديم كان ملوكيا فقط، يحافظ على التقاليد، ويؤيد مذهب الدولة . ولذلك تجد الأديب العربي القديم ، يحدثنا عن القصور، والخمور، والمغنيات، والموائد العظيمة ، والفروسية الحربية . فهل يعرف الشعب، الذي يعيش على الصدقات والغنائم، مثل هذه الثقافة؟ ومن أين له ؟! ولماذا كان العلماء والشعراء، يذهبون إلى بيوت الأغنياء.

 
* ولكن لماذا يحتاج الأمراء والخلفاء، إلى مثل هذا النوع من الأدب ؟
* من اجل التسلية طبعا، ومن اجل الهروب من الواقع المر . فهذا الأدب، يمنع الأفكار الجديدة، من التسلسل إلى المجتمع . وهو يدعو إلى المحافظة على التقاليد، لأنها تقاليد الخلفاء و الأمراء،والطاعة واجبة لهم . ومن هنا أنا ضد هذا الأدب القديم ، و ضد الولاء للتقاليد ، وضد الاعتماد على الأدب القديم كمصدر من مصادر ثقافاتنا . فالأديب لا يعيش على هامش المجتمع أو في القصور . وإنما هو يتنفس في قلب المجتمع، و تأثيره مباشرا في تقدم هذا المجتمع أو تراجعه.

 
* وماذا عن الأدب العربي في العصر الحديث ، هل تغير الحال؟
* لا ، لم يتغير الحال . فالأدباء العرب ما زالوا يعودون بنا إلى الوراء ، ويقفون عند أعتاب الأدب العربي القديم، وهذا هو الجمود والتخلف . لان الماضي مهما كان مجيدا ،لا يحمل
بشائر التفاؤل والحياة ، وإنما هو يخدر حواسنا من الاعتراف بالواقع الحي الذي نعانيه . أننا يجب أن نتذكر بأنه ما من ابتكار في الحياة والأدب ، إلا ويعود إلى خلاف القدماء ، و أولئك الذين يكبرون من شأن القدماء، ينسون أنه كان لهؤلاء القدماء قدماء آخرون، أنكروهم و خالفوهم، و شقوا أساليب جديدة، في التعبير والتفكير .


*و لكننا في الماضي كنا امة تحكم العالم . و كان الأدب العربي مصدرا لهذه القوة .
* بصرف النظر عما كنا . فهذه مسألة خلافيه ، ولكني أرى في الماضي، كثيرا من سمات الموت، بل هو موت . و هذا الماضي و الحنين إليه، يشيع في نفوس أبنائه، عقائد ميتة ، في حين أن المستقبل يطالب بالمنطق، والعقل، و الالتزام بالحقائق العلمية . فهل في أدبنا القديم ما يشجع على ذلك؟ كلا. إنه أدب المعجزات، والخوارق، والخرافات، والحكايات العجيبة.

* أنت تحاكم الأدب العربي القديم ، أم الأديب العربي القديم ؟
* الأدب العربي القديم، انتهى في حدوده ، والأديب العربي القديم ، توقف عن العمل و النشاط الفكري . أنا أحاكم أدباء عصرنا، هؤلاء الذين لا يقتصر نشاطهم الرجعي، على الدعوة إلى المثل القديمة فحسب ، بل هم يبعثون هذه المثل من مرقدها، لا بقصد الدراسة كما نريد، و إنما بقصد الاستهواء والتطبيق . فالأديب الجديد هو الذي يدرس الحياة، و يحاول أن يجد نظرة جديدة لشؤونها، أعمق و أوسع من النظرة في الأدب العربي القديم .
* ما المطلوب إذن ؟
أرى أن يكون نشر الكتب القديمة في نطاق محدودة، و بعد فحص و تدقيق . ذلك أن كثيرا منها لا يخلو من إسفاف، يترك أثرا في أخلاق شبابنا، و دواوين الشعراء ذوي الأسماء الطنانة، على حين أن الواحد منهم لا يسوى عشرة قروش.
*هل تقصد أن يتحول المجتمع إلى أوروبا عربية؟
* ولم لا . فأوروبا كانت، وما تزال، على مسافة اقرب منا، تسمح بادراك الواقع الإنساني . بينما ما زال العرب يعيشون بأوهام الفتوحات الإسلامية، و حكايات الآباء و الأجداد . انظر إلى كتب التراث التي يعاد طباعتها مئات المرات ، ماذا تجد فيها ؟لا شيء يفيد! إنه تاريخ مشوه، و أدب مزور، يحتاج إلى من يراجعه و يغربله من الرغبات، و النزوات، و العواطف، و الميل الشخصية . لذلك أنا لا أقرأ هذه الكتب، و أعيش على الكتب المترجمة، و بخاصة ما صدر منها في الستينيات من القرن الماضي .


* هل تريد أن تقطع صلتك بهذا التاريخ والأدب العربي القديم؟
* ارجوا أن لا تفسر الأمور في غير ما اقصده .ولكني أرى، أن معالم هذا التراث في أذهاننا مشوشة، بفضل المناهج غير العلمية التي سيطرت على مؤرخيه.ومن ثم، لا بد من إعادة كتابة هذا التاريخ وغربلته.


*إذن أنت لا تطالب بإهمال هذا التراث ؟
*الثقافة القديمة، تراث بشري عظيم، لا يهمله إلا مغفل.أنا أقول، ليس الأدب أن نؤلف القصص، ونكتب القصائد، كي نبعث في الأثرياء العطف على الفقراء والتصدق عليهم، وإنما هو أن ننظر بالعين الفنية والأدبية، للمشكلات الإنسانية والاجتماعية. وهذا قصور واضح في أدبنا وفي تاريخنا. فيجب أن نتواضع قليلا ، فليس كل ما في تاريخنا قيما و ايجابيا، و عاداتنا ليست أحسن العادات، و لكي يكون الإنسان آمنا من الوقوع في الخطأ، فعلية أن يتوقف عن الادعاء بامتلاك الحقيقة.

 
* ما هي الحقيقة التي تقصدها ؟
* الحقيقة هي كل ما توصل إليه الإنسان بالطريقة العلمية ، و التفكير العلمي . وهي تبقى نسبية ، فتأتي الأجيال القادمة و تبني عليها ، وهكذا كما فعلوا في أوروبا . فقد وضعوا في بداية عصر النهضة ، نظرية سموها نظرية مسح الطاولة، و قصدوا من وراء ذلك ، إلغاء كل ما توصلوا إليه، من معارف و مفاهيم، في العصور الوسطى، ولم يثبت صحتها بالبرهان ، وقرروا، وعدم قبول أي نظريه جديدة، إلا بعد أن يقدم صاحبها البرهان عليها، و كان فيثاغورس واحدا ممن خضعوا لهذا القانون الصعب، وعندما قدم نظريته في المثلث القائم الزاوية، لم يستطع البرهان عليها، فسموها نظرية الحمار . وهكذا بنت أوروبا علوما صحيحة، و معارف ثابتة ، أسست للحضارة العلمية الحديثة . هذا هو الفرق بيننا وبينهم، فنحن ما زلنا نقتات على فضلات التراث العربي الإسلامي، و ليس فيه مادة علمية واحدة تصلح للحياة ، بل هو مصدر قلق و تشويش فكري، و أتمنى أن لا يتكرر هذا التاريخ، أو على الأقل منع نشر كتب التراث، و حصرها في المكتبات الجامعية كمراجع فحسب، وليست للتداول .

 
* هل تؤيد الثورات المطالبة بالحرية في الوطن العربي؟
* أنا أؤيد الحرية النابعة من قباب مجلس الأمة، ولا أؤيد الحرية النابعة من الثورة. فقد قام العبيد بثورات، وانتفاضات، وحروب أهلية كثيرة، ولكنهم لم يستطيعوا في أي من هذه الظروف، أن يكونوا أكثرية واعية، وأحزابا تقود الحياة إلى الرخاء والتقدم.إن الحرية، لا تأتي مع الثورات والانتفاضات،بل تزداد مع تقدم المجتمع . إن قادة الثورات لديهم مهارة أبشع الأنظمة الرجعية، في تجميد الأوضاع القائمة، ومنع الحريات، وبالتالي، تصبح قيودها على حرية الفكر، أصلب من قيود القرون الوسطى، والصلابة هنا لا تعني العنف، وإنما تعني الحذق والذكاء، في استخدام معوقات غير مرئية، لتعطيل حرية الفكر.

 
* هل تستطيع الحكومات تعطيل حرية الفكر، أو الحد من حرية الفكر؟
* إن المعاهد، والمدارس، والجامعات، والمؤسسات الثقافية، تعمل بتوصية وإشراف الحكومات.إنني أرى في المستوى الهابط لوعي السلطات، عاملا في ذيوع التفكير الحر، ودليل ذلك ما يحدث الآن. فحرية الإنسان فيما ثبت لنا ، تستقر في ممارسة قدراته ممارسة حرة.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير