شكاوى التعذيب خلال 2015 : تحقيقات فتُحت والضحايا لم يُنصفوا بعد "انفوجرافيك"
خاص - إعداد: هبة أبو طه
واجه الشاب محمد دعاس (26) عاما، آب الماضي، إساءة معاملة ترقى إلى تعذيب خلال اعتقال الشرطة له "إشتباهً"، منذ ذلك التاريخ ووالده جميل يحاول إثبات ما اعتبره "جريمة" بحق ولده الذي يعاني من حالة نفسية سيئة.
"عنف جسدي ونفسي بسبب الاشتباه به، لم استطع مساعدته بالقانون. غريب بالنسبة لي كمواطن أن يهدر حق ابني وحقنا معه كأسرته دونما انصاف"، يقول جميل دعاس لـJo24.
قدم الخمسيني جميل شكوى لمكتب الشفافية وحقوق الإنسان في مديرية الأمن العام وأخرى للمركز الوطني لحقوق الإنسان خلال آب الماضي، "لا تحرك حتى الان، الأمر واضح جدا؛ شرطة اساءوا المعاملة وتعدّوا جسديا عليه ومازالوا طلقاء، ببساطة قد يكرروا تلك المعاملة بآخرين".
عاد جميل إلى إثارة ملف ابنه تزامنا مع زيارة الوفد الرسمي والمجتمع المدني جنيف-سويسرا للقاء لجنة مناهضة التعذيب CAT في العشرين من تشرين ثاني الماضي.
انتقادات لجنة مناهضة التعذيب
في الملاحظات الختامية للجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب على تقرير الأردن الدوري الثالث، أكدت على أن الأردن ما يزال يتعامل مع التعذيب على أنه "جنحة" وليس "جناية".
حثت اللجنة الأردن على "اعتماد تعريف للتعذيب بحيث يشمل جميع العناصر الواردة في المادة الأولى من الاتفاقية والتي يعتبر الأردن طرفا فيها، كما ينبغي أن تكفل نطاق تعريف التعذيب بحيث يمتد على كل من يرتكب أعمال التعذيب أو يحاول ارتكابه أو يحرض عليه أو يوافق أو يذعن لارتكاب مثل هذه الأفعال".
اللجنة انتقدت الأردن باعتبار أن ثمة تناقضات "خطيرة" بين تعريف الاتفاقية التي أدرجت في القانون المحلي ما "خلق ثغرات فعلية أو محتملة للإفلات من العقاب". أوصت بأن تتخذ الدولة الطرف خطوات لتضمين قانون العقوبات حكما بشأن عدم انطباق التقادم على جريمة التعذيب.
الوفاة أثناء الاحتجاز والمماطلة في العدالة
عبرت اللجنة الدولية، في ملاحظاتها الختامية للأردن، عن انزعاجها من وفاة عدة سجناء خلال فترة الاحتجاز خلال عام 2015، منها وفاة إبراهيم عبد الله قدري، عمر الناصر، وعبد الله الزعبي.
"تشعر اللجنة بالقلق أيضا أنه حيال حالة سلطان الخطيب الذين لقى حتفه في الجندويل كان الاعتقال في عام 2013، وأحيل إلى محكمة الشرطة".
والد عبدالله الزعبي (22 عاما) الذي لقى حتفه في مركز أمن إربد الشمال، في الثاني من أيار الماضي، يقول لـJo24 أنهم قدموا شكوى لمحكمة الشرطة وقت الحادثة، "ما زلت اشعر بمماطلة مقصودة، وأما الجلسات فهي مستمرة وأحيانا تؤجل الى 43 يوما على أمل منهم بالإصلاح وقد أوقف بسجن الشرطة ثلاثة من اصل خمسة من المتهمين بقتل عبد الله وقد وجه للموقوفين تهمتي الضرب المؤدي للموت، والإجبار على الاعتراف بالقوة ولكن لم يصدر أي حكم بحقهم للآن".
كانت الجمعية الأردنية لحقوق الانسان أعلنت عن ثماني حالات تعذيب وثقتها على مدى 5 سنوات وقد ضمنتها في تقريرها إلى اللجنة الأممية ولم تجد أي من تلك الحالات إنصافا أو ما وصفته "جدية في المتابعة".
8 حالات تعذيب موثقة
توثيق الجمعية الأردنية للحالات الثامن، جاء بعد تطبيق معايير الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة غير الإنسانية التي وقع عليها الأردن منذ عام 1991 وصادقها ثم دخلت رسميا في الجريدة الرسمية منذ عام 2006 لتصبح إلزاما وجب تطبيقها.
الحالات الثمان وقعت في الاعوام الاربعة الماضية، أي بعدما اصبح الدستور يحظر التعذيب بعد تعديلات 2011. خاطبت الجمعية في حينها الجهات الرسمية وطالبت بفتح تحقيقات حولها "لكن لم يتم شيء من ذلك"، يقول رئيس الجمعية سليمان صويص.
التعديل الجوهري الذي طرأ على المادة الثامنة من الدستور في الفقرة الثانية، ينص: "كل من يقبض عليه أو يوقف أو يحبس أو تقيّد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز تعذيبه بأي شكل من الأشكال، أو إيذاؤه بدنياً أو معنوياً. كما لا يجوز حجزه في غير الأماكن التي تجيزها القوانين، وكل قول يصدر عن أي شخص تحت وطاة أي تعذيب أو إيذاء أو تهديد لا يعتد به".
بناءً على السند الدستوري، فإن متابعة حالات التعذيب وملاحقة مرتكبيها أولوية على الدولة "أقلها تتحقق في الحالات التي تبلغ عنها منظمات حقوق الإنسان"، يقول صويص.
المادة 208 من قانون العقوبات الأردني، المتعلقة بالتعذيب، "يجب أن تشمل توضيحاً حول الموظفين المكلّفين بإنفاذ القانون" كما تقول عضو لجنة مناهضة التعذيب الدولية سعدية بلمير خلال اجتماعهم مع الوفد الحكومي، وقالت: "جريمة التعذيب لا تزال تعتبر جنحة ولم تتغير بحيث تصبح جناية".
بيان هيومن رايتس ووتش الصادر في الثالث عشر من أيلول العام الجاري، اعتبر التعديلات المقترحة في جعل تعريف التعذيب في المادة 208 من قانون العقوبات متماشيا مع المعايير الدولية "إخفاقا".
"إذ لا تجعله جريمة أعلى مستوى من جنحة ثانوية ولا تفرّق بين الأفراد الفاعلين في القطاع الخاص والمسؤولين الحكوميين؛ وأخفقت كذلك في التعامل مع الأحكام التي تتيح استخدام الوالدين للعقوبة البدنية وفقاً لـ "العرف العام" طالما أن هذا "التأديب لا يسبب إيذاء أو ضرراً لهم" (المادة 62)؛ وعدم إزالة الأحكام (المادتين 98، و340) التي تسمح لمرتكبي ما يسمى بـ "جرائم الشرف" بتلقي أحكام مخففة".
لا تعذيب في الأردن
رئيس الوفد الحكومي الأردني، السفير وصفي عياد مدير إدارة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية، أكد للجنة الدولية: "لا يوجد تعذيب في الأردن وإن أي وقائع تعذيب تحدث هي عبارة عن ممارسات فردية".
غير أن الممارسات الفردية "حادثة مكررة"، كما تقرأها المحامية لين خياط، "الحالات الفردية مكررة بذات التفاصيل".
"هل هناك خطوات لضمان عدم تكرار مثل تلك الحوادث؟"
سؤال طرحته المحامية لين خياط عقب متابعتها لأكثر من قضية في المحاكم. "يُمنع الموقوف من التواصل مع اهله ومحاميه، يوقف لمدة 24 ساعة للتحقيق قابلة للتمديد 14 يوما من قبل الحاكم الاداري".
"لا ينحصر التعذيب في الايذاء والضرب الجسدي، إنما في المعاملة المهينة وغير الإنسانية التي تنتقص من إنسانية الموقوف"، تقول الخياط. "أي رقم حول حالات التعذيب قد لا يضم الإساءات النفسية والمعاملة المهنية غير الإنسانية كذلك".
يتساءل صويص عن عدم فتح تحقيق في تلك الحالات "الفردية" ولماذا لم تعلن نتائج التحقيقات ولماذا لم يحاسب الذين أمروا أو مارسوا التعذيب.
الناطق باسم مديرية الأمن العام، المقدم عامر السرطاوي، وهو الشخص المختص في التصريح الإعلامي حول أي قضية ترتبط بجهاز الأمن العام، وثقنا اتصالين معه لم يرد عليهما، لاستيضاح القضايا التي يتابعها الجهاز وفيها شبهة التعذيب، فلا رد حتى لحظة إعداد التقرير.
والحال ليس ببعيد بالنسبة للمنظمات الحقوقية، "لم نتلق في الجمعية أي رد من المديرية حول شكاوى فيها شبهة التعذيب"، وفق بيان الجمعية الذي أصدرته في الثاني والعشرين من تشرين ثاني الماضي.
إفراط في استخدام القوة و التعذيب
المحامي عبد القادر الخطيب يتابع عدة حالات ثبت بالنسبة لما يحمله من أدلة عن إساءة معاملة ترقى إلى تعذيب لكن يبقى السؤال حول "عبء الإثبات" لدى السلطات المخصة.
"عدد من المعتقلين السياسيين محتجزين لدى دائرة المخابرات العامة، واجهوا سوء معاملة، أجُبر عدد منهم على توقيع الإفادة تحت الضرب، عدا عن منع ذويهم من الزيارات، أما في سجن الموقر واجه بعض المعتقلين من معاملة ترقى لتعذيب حيث تابعت حالة تم فيها اجبار البعض على وضع رؤوسهم بالمرحاض"، وفق المحامي الخطيب الذي توجه لإدارة سجن الموقر 2 لمتابعة الحالات وكان رد المدير آنذاك أن هناك "حالات فردية".
يضيف الخطيب: "أبلغني شقيق المعتقل عدنان أبو عرقوب أن أخيه تعرض للإعتداء داخل سجن ماركا الذي يقبع به بتهمة التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي في الأردن".
تواصل موقع Jo24 مع عدة منظمات حقوقية ومنظمات مجتمع مدني للحصول على عدد معتقلين لعام 2015 لكن لم نجد الاعداد في اي من هذه المنظمات، ومن بينها المركز الوطني لحقوق الانسان الذي ابلغنا بقيامه بتوثيق الشكاوى الواردة له دون ان يلعب اي دور برصد الاعداد. دعا المركز معدة التقرير إلى اعتماد الارقام التي أعلنها في اخر تقرير سنوي اصدره عن العام 2014.
حالات في انتظار الإنصاف
في شهر أيلول الماضي، داهمت الاجهزة الامنية منزل عبود نجم العضو في مجموعة الكالوتي "جك" تعرض خلال الاعتقال للضرب وإساءة المعاملة، كذلك الحال تعرض الناشط بندر الشريف للضرب المبرح واحتاج وجهه نتيجة الاعتداء لست قطب طبية.
القائمون على جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية، تعتبر تلك التجاوزات بالانتهاك الواضح للمادة الثامنة من الدستور التي تفيد:"لا يجوز أن يوقف أحد أو يحبس الا وفق أحكام القانون".
تعرض المواطن "وائل خليل ثلجي الرفاعي" (35 سنة)، لاعتقال من قبل الأمن الوقائي بتاريخ 25/3/2015 في مدينة جرش، وجه له اتهام بمخالفة قانون المطبوعات والنشر و ب"تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية". تم تحويله إلى محكمة أمن الدولة. يعاني من شلل دماغي وآلام في الظهر (معززة بتقارير طبية).
لم يتم توفير الأدوية لوائل وتعرّض لمعاملة قاسية من قبل إدارة مركز الأصلاح والتأهيل "باب الهوا" (إربد). محاميه طاهر نصار، منُع من زيارته، وفق الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان.
الشاب "محمد عاطف حسن المحيسن" (19 سنة)، اعتقل في مدينة إربد بتاريخ 31/7/2015. وقد أمضى والده بضعة أيام وهو يبحث عنه في مراكز الأمن المختلفة. تعرَض الشاب خلالها للضرب والشتم والإهانة.
وفق الشكوى التي قدمها والده: "رأيت منظراً ينتفي بَعده أي معنى للإنسانية"؛ وأضاف: شاهدت شاباً ممدداً على الأرض وملطخاً بالدم -ربما تعرض للضرب في مكتب النقيب- وأن أحد افراد البحث الجنائي واضع قدمه على رقبته ويقول له إعترف أحسن ما أرجع أنزّلك تحت واخلّيهم يحطو فيك ضرب حتى تنسى حليب امك يا كلب". (في مديرية الأمن العام / البحث الجنائي).
بعثت الجمعية الأردنية رسالة إلى وزير العدل بخصوص هذه الحالة تحمل الرقم ( 17/م م م /2015) تاريخ 19/8/2015. ولم تستلم أي رد. كما بعثت بنسخة من الشكوى إلى المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي تابع الموضوع، "لكن لا نعلم شيئاً عن النتائج، أي هل فتح تحقيق مستقل بتلك الوقائع وهل تم إنزال العقاب العادل بالذين مارسوا التعذيب" وفق بيان الجمعية حيال الحالة.
حالة أخرى تتعلق بالمواطن الراحل "عمر محمد كامل النصر"، من سكان عمان عمره يقارب الخمسين عاماً. توفي تحت التعذيب لدى البحث الجنائي بتاريخ 30/9/2015.
بعثت الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان برسائل بخصوص هذه الحالة بتاريخ 2/10/2015 إلى كل من وزير العدل والمركز الوطني لحقوق الإنسان والمنسّق الحكومي لحقوق الإنسان في رئاسة الوزراء. "القضية لا تزال قيد المتابعة" حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
تنص المادة المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية "على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة القاسية أو الا انسانية أو المهينة".
كما تنص المادة 11 من اتفاقية مناهضة التعذيب: "تبقى كل دولة ضمن الاستعراض المنظم قواعد الاستجواب، وتعليماته و اساليبه وممارسته وكذلك الترتيبات المتعلقة بحجز ومعاملة الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من اشكال التوقيف و الاعتقال أو السجن في اي اقليم يخضع لولايتها القضائية، وذلك بقصد منع حدوث اي حالات تعذيب".
النائب في البرلمان محمد الحجوج، لا يعتد بالاتفاقيات الدولية، طالما أنها- وفق رأيه -سوف تضر بالصالح العام للدولة، "بالنظر إلى الوضع المتردي في المنطقة العربية، يبقى صوت الأمن المجتمعي هو الأقوى".
تدعو اللجنة الدولية الأردن ضرورة الإسراع في التحقيق في جميع حالات الوفاة أثناء الاحتجاز، والتي يجب أن تلتزم بالمعايير الدولية للتحقيق، وتقديم الجناة إلى العدالة، ومعاقبتهم وفقا لذلك، في حال الإدانة.
إلى أن تنهي الدولة تحقيقاتها بنتائج في قضايا تعذيب، يبقى للمنظمات الحقوقية فرصة "الاستعراض الدولي الشامل" UPR الذي سيناقش ملف حقوق الانسان في الأردن، في تشرين أول العام 2017 لمسُائلة السلطات عن ملاحقة مرتكبي التعذيب وإنصاف الضحايا وحصانة الشهود من أي ملاحقة لهم، وإلى ذلك الوقت فليس للدولة شيء تدافع عنه سوى أنها تكرس العدالة في تطبيق القوانين.
* أعُد التقرير بدعم من منظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان" الكندية JHR
..
..
..
..
.