2024-11-27 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

أن نفقد "المربّع الحساس"!

محمد أبو رمان
جو 24 : إذا كان هنالك من يشكّك في نتائج استطلاعات الرأي المحلي، فإنّ تضافر استطلاعات متعددة على أرقام ومؤشرات متقاربة، يمنح هذه الأرقام درجة أكبر من القوة والتأكيد. وهو ما يمكن أن نلمسه بوضوح في اتجاهات متقاربة جداً، إن لم تكن متطابقة، جاءت بها استطلاعات للرأي المحلي في الأشهر القليلة الماضية، كان آخرها استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية عن الهيئة المستقلة للانتخاب.
المؤشّر الأول المهم (يشترك تماماً مع نتائج استطلاعات أخرى)، هو عدم اهتمام الرأي العام كثيراً بقضية قانون الانتخاب الذي يستولي على نقاشات الدولة والمعارضة والنخب السياسية بصــــورة هائلة. ففي استطلاع (غير منشــور) تبيّن أنّ نسبة 20 % فقط سمعت عن قانون الانتخاب، فيما أشارت نسبة 6 % في استطلاع آخر إلى أنّها ستقاطع احتجاجاً على قانون الانتخاب، وتقلّصت النسبة في استطلاع الرأي الأخير إلى 1 %.
هذه النتائج شبه المتطابقة، وإن كانت تبدو غريبة وصادمة للنخبة السياسية والإعلامية، إلاّ أنّه كان يفترض أن تكون متوقعة؛ إذ إنّنا في غمرة اهتمامنا وانشغالنا بقانون الانتخاب والحوار بين القوى السياسية، تجاهلنا أنّ هذه القضايا ليست هي المباشرة ولا ذات الأولوية والاهتمام لدى الناس. فالقانون هو قضية نخبوية، يفترض أن يحدث التوافق عليه بين النخب المختلفة، فيما قضايا الاقتصاد والفساد والعدالة الاجتماعية والشعور بسيادة القانون وتغلغل قيمة المواطنة في نسيجنا السياسي، والسلم الاجتماعي، هي القضايا التي تهيمن على اهتمام وهواجس الشارع بصورة عامة، ليس فقط محلياً، بل عالمياً أيضاً.
في الأرقام ما يحمل أجراس التحذير والإنذار؛ ففي استطلاع الرأي الأخير، مثلاً، مقابل نسبة الـ1 % التي ستقاطع من أجل قانون الانتخاب (من ضمن شريحة المقاطعين)، فإنّ نسبة تتجاوز النصف ستقاطع لأنّها لا تثق بالعملية السياسية بأسرها، وتشعر أنّ الانتخابات النيابية لن تحدث فرقاً يذكر، وأنّ مجالس النواب غير فاعلة، وأنّ المرشحين غير مقنعين!
هذه النتيجة أخطر بكثير مما لو كان سبب قرار أغلبية المقاطعين هو قانون الانتخاب، إذ لهان الأمر في هذه الحالة، وتجاوزنا الأزمة بزيادة صوت على القانون، كما يحدث حالياً، لكن المشكلة أكثر عمقاً وخطورة من ذلك؛ إنّها حالة من "الاغتراب السياسي" عن العملية السياسية.
لو غصنا أكثر في تشريح مؤشرات الاستطلاع الأخير، فسنجد ما هو أخطر من كل ما سبق؛ فئة الشباب هي الأكثر استعداداً للمقاطعة، وكلّما زاد دخل الإنسان قلّت ثقته في الانتخابات ونزاهتها، وكلما زاد تعليمه أيضاً. كما أن القطاع الخاص أقل إقبالاً على الانتخابات وثقة في نزاهتها من القطاع العام!
إذن، القوى الاجتماعية المؤثّرة والحساسة (الشباب، والطبقة الوسطى والغنية، والمتعلمون، والقطاع الخاص) التي يفترض أن تقوم هي بدفع مسيرة التنمية والبناء والتغيير إلى الأمام، وأن تكون صمّام الأمان وفرس الرهان في مواجهة استحقاقات الربيع الديمقراطي العربي من جهة، والتحولات الاقتصادية للتخلص من العلاقة الريعية نحو العلاقة الإنتاجية، هي التي يتملّكها المزاج السلبي! فإذا كان هذا "المربع الحساس" هو ما يفقد الثقة في الدولة والعملية السياسية بأسرها، فإنّ ذلك يفرغ الانتخابات من أهميتها ومهمتها، ومن دورها المطلوب في أن تكون "نقطة تحول" حقيقية ونوعية.
الأزمة، أولاً وثانياً وثالثاً، مرتبطة بقيم الدولة ورسالتها، وشعور الناس بأنّ قيم القانون والمواطنة والعدالة وتكافؤ الفرص، ومكافحة الفساد، والحريات العامة وحقوق الإنسان، والكرامة، كلها في طور التعافي والإصلاح، وليس العكس.
في الخلاصة، "مطبخ القرار" بحاجة اليوم إلى نخبة مسيّسة نظيفة، تفكّر في الأزمة المركّبة الراهنة بـ"عقل بارد" هادئ، وبمنطق استراتيجي بعيداً عن الصراعات الآنية السطحية الحالية!"الغد"
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير