طهران التي لا تأبه بالعرب
ماهر أبو طير
جو 24 : لاتعرف لماذا تصر ايران على استثارة العداء في العالم العربي، على اساس سياسي ومذهبي، فالواضح تماما، ان طهران غير مهتمة ابدا، بمحاولة استرضاء احد من العرب، بل تنعزل يوما بعد يوم، وتبتعد عن منطقتها، باتجاه عداء من نوع غريب؟!.
لاتبذل ايران اية محاولة لتخفيف منسوب الكراهية ضدها، بل تتفرج على المشهد دون اهتمام نهائيا، لا بموقف الدول، ولا حتى بالرأي العام في العالم العربي، والذي يحلل المشهد يلمس بشكل عميق ان منسوب الكراهية والاحقاد بات مرتفعا جدا، وكل ابناء المنطقة العربية يرون في طهران محركا اساسيا، لما يجري في سورية واليمن، وغيرهما، من مذابح وفتن، وتشظية سياسية ومذهبية، وهي تهمة لاتبذل ايران، اي مجهود لنفيها هنا.
طهران الرسمية بدورها تقول العكس، وتفترض ان العرب هم الذين يحركون الحملات ضدها، الحملات العسكرية مثل الحرب العراقية الايرانية، وحملات تشويه السمعة على اساس ديني او مذهبي او سياسي، بل يذهب الايرانيون بعيدا الى افتراض يقول ان العرب يتحرشون بها طوال عمرهم، ويشنون عليها المعارك، بشكل مباشر او غير مباشر، وان على العرب هنا، استرضاء ايران، وليس العكس.
ايا كان موقف طهران الرسمية، فلا يمكنها ان تتجاهل الفكرة التي تقول ان الاستثمار في العداوة، امر سيئ للغاية، وعدم التنبه لمنسوب العداوة، اكثر سوءا.
اذا كانت الانظمة الرسمية تعادي ايران، لاعتبارات مختلفة، فأن النظرة الشعبية باتت اكثر عداوة تجاه ايران، فتستغرب كيف يمكن لايران ان تعيش وسط محيط شعبي معادٍ، دون ان تكترث بالامر، ودون ان تقدم أدلة على نياتها الحسنة؟!.
تتحالف في الحالة، مشاهد الابرياء في سورية، ممن يموتون جوعا، وصولا الى الخلخلة التي نراها في اليمن، مرورا بما يجري في العراق، اذ اننا امام تثوير وتقسيم مذهبي، واصطفافات تؤدي نهاية المطاف، الى تحسس غير مسبوق، من ايران وسلسلتها الاجتماعية والسياسية، وهو تحسس تحول الى وباء لايصده احد.
اذا نجحت ايران بتصدير ثورتها، وسقطت كل الانظمة العربية في طريقها، فكيف يمكن ان تقنع الشعوب بعدالتها، او بمظلوميتها، هنا، هذا هو السؤال الذي لايساله الايرانيون، لان شعورهم انهم ضحايا حملات تشويه السمعة يطغى على تخطيطهم.
سيقول لك الايرانيون الكثير، عما يعتقدونه حربا متواصلة ضدهم بأساليب مختلفة، واذا افترضنا- مجرد افتراض- ان هذا الكلام صحيح، فأنهم يتورطون بطريقة رد فعلهم، ولايحاولون ابدا اثبات عدم مشروعية الحرب ضدهم في المنطقة.
كيف يمكن وبمعزل عن الانظمة السياسية وتوجهاتها، هنا، ان يقتنع اهل المنطقة ان ايران جارة مسلمة، لاخطر منها، وهم يرون ان ايران لاتترك وسيلة الا وتتحرش بالمنطقة على اساس سياسي ومذهبي، ولدينا الاف الادلة عما يجري في البحرين والسعودية والكويت ولبنان والعراق وسورية، ولربما بتنا امام ثنائية الانظمة والشعوب، في الموقف من طهران.
لايكفي ايران ابدا ان تقول ان الانظمة السياسية تعاديها، كرمى لخواطر جهات اخرى، فيأتي ردها مستفزا هنا للناس العاديين، ولاهل المنطقة قبل الانظمة، فهي هنا بقصد او غير قصد، تترك اثرا سيئا جدا، وتترك ايضا ارثا سلبيا للايرانيين في المنطقة العربية، حين تجعل شعبها، محل شك وريبة، لاعتبارات كثيرة.
كان يمكن للدبلوماسية الايرانية بعد حادثة السفارة السعودية ان تقدم دليلا واحدا، على انها لاتريد خسارة المنطقة، لكنها لم تفعل ذلك، بل ابرقت بتهديدات اضافية، وهي تهديدات يفهمها اهل المنطقة قبل الانظمة، باعتبارها توعدا لمزيد من الخراب، وانتظارا لساعة انتقام من العرب والسنة عموما، وهكذا تتوتر الغدد السياسية في نفوس اهل المنطقة، جراء سوء الادارة الايرانية للازمات، فوق الشكوك المذهبية التي تم توليدها والاستثمار فيها، وهذا يقول ان لامكان لايران بين اهل المنطقة، ولو تحت قهر الدبابات.
كنا نتوقع ان تأتي طهران لتقول كلاما تسترد بها اي جاذبية قديمة، لكنها هنا، أبت ورفضت، واستغرقت في عداء بدأ مع الانظمة وامتد الى الشعوب.
هل يمكن لطهران ان تخرج علينا، وتقول لنا ان لاعلاقة لها بضحايا مضايا، مباشرة او غير مباشرة، وكيف يمكن هنا، ان تكون هذه رسالة طمأنينة لاهل المنطقة، الذين يقولون ان يوما ما تتمدد فيه ايران مثلا الى مناطق اخرى، سيؤدي الى الف مضايا، وعلى شاكلتها؟!.
ربما آن الاوان ان تقرر ايران الخروج من الرمال المتحركة، وان تسوي خلافاتها، مع المنطقة، وان تبحث عن تسويات، وان تطلق خطابا تصالحيا، يتطابق مع افعال الميدان، وحتى ذلك الوقت، فقد تحوصلت ايران، في حالة من العداء لمنطقة هي جزء طبيعي منها، ولم تبذل الحد الادنى، لتبدد المخاوف، وهي مخاوف بدأت عند الانظمة، لكنها امتدت الى القاعدة الشعبية، دون ان يقاوم هذه المخاوف احد.
الاسوأ الذي تواجهه ايران اليوم، هو سوء الفهم، قبل اي شيء آخر، وهذا سوء لايتبدد بتصريح دبلوماسي، ولا بكلام جميل وحسب.
maherabutair@yahoo.com
الدستور
لاتبذل ايران اية محاولة لتخفيف منسوب الكراهية ضدها، بل تتفرج على المشهد دون اهتمام نهائيا، لا بموقف الدول، ولا حتى بالرأي العام في العالم العربي، والذي يحلل المشهد يلمس بشكل عميق ان منسوب الكراهية والاحقاد بات مرتفعا جدا، وكل ابناء المنطقة العربية يرون في طهران محركا اساسيا، لما يجري في سورية واليمن، وغيرهما، من مذابح وفتن، وتشظية سياسية ومذهبية، وهي تهمة لاتبذل ايران، اي مجهود لنفيها هنا.
طهران الرسمية بدورها تقول العكس، وتفترض ان العرب هم الذين يحركون الحملات ضدها، الحملات العسكرية مثل الحرب العراقية الايرانية، وحملات تشويه السمعة على اساس ديني او مذهبي او سياسي، بل يذهب الايرانيون بعيدا الى افتراض يقول ان العرب يتحرشون بها طوال عمرهم، ويشنون عليها المعارك، بشكل مباشر او غير مباشر، وان على العرب هنا، استرضاء ايران، وليس العكس.
ايا كان موقف طهران الرسمية، فلا يمكنها ان تتجاهل الفكرة التي تقول ان الاستثمار في العداوة، امر سيئ للغاية، وعدم التنبه لمنسوب العداوة، اكثر سوءا.
اذا كانت الانظمة الرسمية تعادي ايران، لاعتبارات مختلفة، فأن النظرة الشعبية باتت اكثر عداوة تجاه ايران، فتستغرب كيف يمكن لايران ان تعيش وسط محيط شعبي معادٍ، دون ان تكترث بالامر، ودون ان تقدم أدلة على نياتها الحسنة؟!.
تتحالف في الحالة، مشاهد الابرياء في سورية، ممن يموتون جوعا، وصولا الى الخلخلة التي نراها في اليمن، مرورا بما يجري في العراق، اذ اننا امام تثوير وتقسيم مذهبي، واصطفافات تؤدي نهاية المطاف، الى تحسس غير مسبوق، من ايران وسلسلتها الاجتماعية والسياسية، وهو تحسس تحول الى وباء لايصده احد.
اذا نجحت ايران بتصدير ثورتها، وسقطت كل الانظمة العربية في طريقها، فكيف يمكن ان تقنع الشعوب بعدالتها، او بمظلوميتها، هنا، هذا هو السؤال الذي لايساله الايرانيون، لان شعورهم انهم ضحايا حملات تشويه السمعة يطغى على تخطيطهم.
سيقول لك الايرانيون الكثير، عما يعتقدونه حربا متواصلة ضدهم بأساليب مختلفة، واذا افترضنا- مجرد افتراض- ان هذا الكلام صحيح، فأنهم يتورطون بطريقة رد فعلهم، ولايحاولون ابدا اثبات عدم مشروعية الحرب ضدهم في المنطقة.
كيف يمكن وبمعزل عن الانظمة السياسية وتوجهاتها، هنا، ان يقتنع اهل المنطقة ان ايران جارة مسلمة، لاخطر منها، وهم يرون ان ايران لاتترك وسيلة الا وتتحرش بالمنطقة على اساس سياسي ومذهبي، ولدينا الاف الادلة عما يجري في البحرين والسعودية والكويت ولبنان والعراق وسورية، ولربما بتنا امام ثنائية الانظمة والشعوب، في الموقف من طهران.
لايكفي ايران ابدا ان تقول ان الانظمة السياسية تعاديها، كرمى لخواطر جهات اخرى، فيأتي ردها مستفزا هنا للناس العاديين، ولاهل المنطقة قبل الانظمة، فهي هنا بقصد او غير قصد، تترك اثرا سيئا جدا، وتترك ايضا ارثا سلبيا للايرانيين في المنطقة العربية، حين تجعل شعبها، محل شك وريبة، لاعتبارات كثيرة.
كان يمكن للدبلوماسية الايرانية بعد حادثة السفارة السعودية ان تقدم دليلا واحدا، على انها لاتريد خسارة المنطقة، لكنها لم تفعل ذلك، بل ابرقت بتهديدات اضافية، وهي تهديدات يفهمها اهل المنطقة قبل الانظمة، باعتبارها توعدا لمزيد من الخراب، وانتظارا لساعة انتقام من العرب والسنة عموما، وهكذا تتوتر الغدد السياسية في نفوس اهل المنطقة، جراء سوء الادارة الايرانية للازمات، فوق الشكوك المذهبية التي تم توليدها والاستثمار فيها، وهذا يقول ان لامكان لايران بين اهل المنطقة، ولو تحت قهر الدبابات.
كنا نتوقع ان تأتي طهران لتقول كلاما تسترد بها اي جاذبية قديمة، لكنها هنا، أبت ورفضت، واستغرقت في عداء بدأ مع الانظمة وامتد الى الشعوب.
هل يمكن لطهران ان تخرج علينا، وتقول لنا ان لاعلاقة لها بضحايا مضايا، مباشرة او غير مباشرة، وكيف يمكن هنا، ان تكون هذه رسالة طمأنينة لاهل المنطقة، الذين يقولون ان يوما ما تتمدد فيه ايران مثلا الى مناطق اخرى، سيؤدي الى الف مضايا، وعلى شاكلتها؟!.
ربما آن الاوان ان تقرر ايران الخروج من الرمال المتحركة، وان تسوي خلافاتها، مع المنطقة، وان تبحث عن تسويات، وان تطلق خطابا تصالحيا، يتطابق مع افعال الميدان، وحتى ذلك الوقت، فقد تحوصلت ايران، في حالة من العداء لمنطقة هي جزء طبيعي منها، ولم تبذل الحد الادنى، لتبدد المخاوف، وهي مخاوف بدأت عند الانظمة، لكنها امتدت الى القاعدة الشعبية، دون ان يقاوم هذه المخاوف احد.
الاسوأ الذي تواجهه ايران اليوم، هو سوء الفهم، قبل اي شيء آخر، وهذا سوء لايتبدد بتصريح دبلوماسي، ولا بكلام جميل وحسب.
maherabutair@yahoo.com
الدستور