jo24_banner
jo24_banner

اذلال معنوي

ماهر أبو طير
جو 24 : تتدفق عشرات آلاف الصور التلفزيونية والفوتوغرافية سنويا عبر وسائل الاعلام، للمذابح في فلسطين والعراق وسورية واليمن وليبيا ومواقع كثيرة، وهي صور لم تعد مجرد صور، اذ تربط الشعوب التي لاتتعرض لاي محن، بالشعوب التي تتعرض لمحن.
لكننا نسأل هنا عن فئة محددة، اي صغار السن، ممن يتلقون حصتهم من الاعلام الدموي عبر شاشات التلفزة، او مواقع التواصل الاجتماعي، او المواقع الالكترونية، اذ اننا امام جيل لايمكن عزله عن هذه الصور الدموية، التي يتلقاها بواسطة اللاب توب او الحاسوب او الاي باد او حتى صور الواتس اب ، والوسائل هنا كثيرة.
اذا كان اطفال الدول المبتلاة يتعرضون لتدمير نفسي وبث للخوف والرعب في نفوسهم جراء مشاهدتهم بأم اعينهم للموت والذبح، كما اطفال غزة، او اطفال سورية، ويعيشون على صوت القصف والبراميل المتفجرة والطيران، ويشاهدون تدمير البيوت، وقتل اهلهم، فماذا نقول عن الاطفال الذين يتفرجون على هذه المشاهد من بعيد، وتأثيرات الصور عليهم.
ليست مقارنة هنا، بين حالتين، فالمقارنة اساسا جائرة، لكننا نتحدث فقط عن حالة محددة، تثبت ان التدمير النفسي للشخصية العربية تشمل الجميع، من تحت القصف، ومن يتفرج على القصف.
نريد من المختصين رأيا حول الاثر النفسي الاعلامي الذي يتسبب به اشتباك ملايين الاطفال العرب تحديدا بهذا التدفق الاعلامي الدموي، من اولئك الاطفال خارج الدول المدمرة، والى ماذا يؤدي هذا الاشتباك؟!.
هل يؤدي الى تحطيم الشخصية بنيويا واخضاعها واذلالها نفسيا في سن مبكرة، بحيث حين يكبر الطفل يتحول الى شخص مذعور خائف خانع، مقبل على الدينا فقط، يتجنب الموت بكل الوسائل، ام انه يخزن تغذية خاصة، ستنقلب حين يكبر الى غضب عارم، ورغبة بالانتقام من كل طرف يظنه سببا في قتل كل الذين رآهم يموتون او يصابون باليتم او الذعر؟!.
نريد ان نقول اليوم بصراحة إن اثر الدموية في العالم العربي، لايقف عند حدود الشعوب التي ابتليت باحتلال او صراع او حرب اهلية، لكنه يمتد بشكل باطني ويتسلل الى ملايين الاطفال حصرا، ممن يتم اعادة انتاجهم بطريقة لانعرف الى اين تأخذهم لاحقا؟!.
هي احدى آفات الصورة التلفزيونية او الفوتوغرافية التي توثق حدثا، لكنها وسيلة سرية لاعادة انتاج وعي المنطقة، لان الافراط في النشر والبث، وبطريقة لاتفكر مطولا في تأثيرات الصورة، تريد بث الرعب والخنوع في نفوس الاطفال، تمهيدا لتحويلهم الى اجيال شابة، لاتدافع عن قضاياها تحت وطاة الشعور بالخوف والموت، المزروعين مبكرا.
على هذا فأننا ندعو كل اعلام عربي حصرا ان يفكر عميقا بدلالات الصورة، وتأثيراتها الجمعية، بحيث لايتم الغاؤها هنا، لكن اختيار الصورة التي توصل القصة، دون ان تتحول الى وسيلة حرب وتدمير للبنى النفسية في الدول التي لم يلحقها الدمار بعد.
لانريد هنا، ابدا، ان نفصل بين مكونات المنطقة، شعوب مترفة وشعوب مبتلاة، لكنا لانريد مد البلاء الى الجميع، وفرق كبير جدا، بين اثارة الشعور بالتضامن جراء بث الصور، وبين التسبب بتحطيم البنى النفسية وهزيمة اصحابها، ممن يتفرجون على اهلهم وهم يموتون، او يجرحون.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news